كانت أسواق السندات متقلبة بشكل غير اعتيادي خلال أزمة كورونا. فقد انخفضت من منظور الأسواق الناشئة وصناديق الاستثمار المتداولة ذات العائد المرتفع، بنسبة 20-25% في 19 فبراير إلى أدنى مستوى لها في 23 مارس. ويتماشى هذا مع نوع التقلب المتوقع من أسواق الأسهم. يُذكر أنّ مؤشر الأسهم الأمريكية S&P 500 انخفض بنسبة 33%.الخوف يسود في السوق السيئ. هذه أسواق خارج البورصة تعتمد على استعداد الأفراد للتداول. ففي كل لحظة من الخوف، يتراجع الالتزام الرأسمالي بالتداول لأنه يتعين على الجميع إدارة ميزانية مخاطرهم.وحدهم المستثمرون الذين باعوا عندما تجمدت الأسواق وأعادوا شراء الأسهم فورًا هم من استفادوا من الخسارة. واضطر البعض إلى البيع وإلى جمع المال للوفاء بالتزامات القروض أو استرداد الأموال. من ناحية أخرى، حقق المستثمرون الذين أمكنهم الحفاظ على أسهمهم لفترة طويلة قبل البيع عوائد إيجابية بالدولار الأمريكي خلال النصف الأول من عام 2020، عندما سجل مؤشر السوق الواسع وسوق سندات الشركات الأمريكي عائدات بنسبة 6 و5% على التوالي. واستغرق سوق العائد المرتفع الأمريكي وقتًا أطول للتعافي وتساوت الأرباح مع التكاليف في بداية أغسطس.ولم تكن هذه النتيجة الإيجابية لتتحقق لولا إجراءات سياسية استثنائية. فالقلق من أن تؤدي صدمة السيولة إلى أزمة ديون وأزمة مالية دفع كبار صانعي السياسة السيادية في العالم إلى اختيار الصدمة والذعر. وقد أدّيا معًا إلى ضخ 9 تريليونات دولار من خلال الحوافز المالية (المصدر: صندوق النقد الدولي)، وأكثر من 4 تريليونات دولار من خلال التسهيل الكمي الإضافي (المصدر: فيتش) و8 تريليونات دولار لتعزيز المعروض النقدي (المصدر: جاي بي مورغان). وقد أدى هذا الأمر إلى استعادة الثقة في أسواق الائتمان بسرعة كما أنه أضاف الديون إلى الميزانية العمومية العالمية.ما الذي يمكن أن يتعلمه المستثمرون من الأزمة؟الدرس الأول من الأزمة أنه يتعين على مستثمري السندات أن يبقوا مستعدين لنوبات تقلب الأسعار الأعلى وسيولة التداول المنخفضة. وأتاحت صدمات السوق تاريخيًا فرصًا لشراء ائتمان عالي الجودة بقيم جذابة. كما أنه الوقت المناسب لإدارة المحافظ النشطة. يجب اعتماد أفق استثماري طويل بما يكفي والحفاظ على الانضباط. لا تشتروا في مرحلة التراجع وإنما عندما يكون رد فعل السياسة واضحًا. وأخيرًا وليس آخرًا، يجب تطبيق عملية إنشاء محفظة عالية الجودة مع تنوع كبير في المخاطر.ما موقف عملاء الشرق الأوسط من الاستثمار في السندات؟ يتميز مستثمرو السندات في الشرق الأوسط بالحنكة حيث ينصب تركيز سوق السندات الرئيسي على استراتيجيات الائتمان المتوسطة الأجل بالدولار الأمريكي. ومن خلال ما لاحظناه في السنوات الماضية، أظهر المستثمرون في الشرق الأوسط تحيزًا واضحًا لأنهم أكثر دراية بطبيعة الحال بالمخاطر القائمة في منطقتهم. وقد لاحظنا مؤخرًا أن عددًا من المستثمرين يقدرون التنويع العالمي المتين الذي يعد أيضًا موضوعًا رئيسيًا في عملية استثمار الدخل الثابت في جوليوس باير. ويتوقع مستثمرو السندات في الشرق الأوسط تدفقًا نقديًا جذابًا وإدارة قوية للمخاطر، وبالتالي يقدرون بشكل خاص استراتيجيات الدخل الثابت الديناميكية والمنتجة للعوائد والتي تتيح وصولاً متنوعًا إلى سندات الشركات العالمية بالإضافة إلى السندات العالية الجودة وسندات الأسواق الناشئة. وغالبًا ما يهتم عملاؤنا في الشرق الأوسط بمحافظ سنداتهم، فهم يقدّرون الثقة والشفافية وبالتالي الاتصال المباشر مع كبار مديري محفظة الدخل الثابت لدينا. رأينا خلال صدمة السوق المتمثلة بكوفيد-19 أنّ عملاءنا في الشرق الأوسط لم يبيعوا استثماراتهم في السندات الاستنسابية. كما أنهم من أول من استجاب لفرص الاستثمار الجديدة بعد الأزمة. بعبارة أخرى، يميل المستثمرون في الشرق الأوسط إلى تبني وجهة نظر طويلة الأمد. وقد أدت هذه القدرة على الاحتفاظ بالسندات لفترة طويلة وثقتهم فينا كمديري استثمار للدخل الثابت، إلى دعم أداء الاستثمار خلال صدمة السوق هذه في استراتيجيات استثمار الدخل الثابت التي نديرها نيابة عن عملائنا.ما تأثير كوفيد-19 على أسواق السندات في منطقة الشرق الأوسط؟يتم إدراج أسواق السندات في منطقة الشرق الأوسط في مؤشرات أسواق السندات الناشئة العالمية، وبالتالي تعرضت لهروب رأس المال الذي عانت منه فئة الأصول الأوسع نطاقًا هذه خلال صدمة كوفيد-19، ولكنها تعافت أسرع من بعض المناطق الأخرى. فبحلول منتصف يونيو عادت سندات الشركات بالدولار الأمريكي في المنطقة لتسجل مستويات تعادل، وتفوقت في أواخر أغسطس على مؤشرات الشركات في الأسواق الناشئة العالمية بأكثر من 2%، ما جعل الشرق الأوسط يحتل المركز الأول كالمنطقة الأفضل أداء في أسواق الشركات الناشئة. ومن أسباب ذلك الجودة الائتمانية النسبية للإصدارات الإقليمية فضلاً عن ارتفاع حصة المصدرين شبه السياديين مما يعزز ثقة المستثمرين. كانت الدول السيادية في المنطقة الأولى في العالم لناحية إصدار سندات ضخمة بعد الأزمة، بدءًا من قطر وأبوظبي والمملكة العربية السعودية التي أصدرت مجتمعة سندات جديدة بقيمة 28 مليار دولار في أوائل أبريل. ويتم تداول جميع سنداتها التي تبلغ مدتها 10 سنوات بأكثر من 10% من أسعار الإصدار، مما يعكس تجدّد طلب المستثمرين على أسواق السندات في المنطقة. ومن المهم بالنسبة إلى مستثمري السندات أن يحافظوا على التنوع والتميز أيضًا داخل المنطقة إذ يمكن أن يختلف الأداء بشكل كبير بين الدول.كيف ستتطور أسواق السندات بعد فيروس كورونا المستجدّ؟يصبح الاقتصاد العالمي أكثر اعتمادًا على الديون في كل دورة اقتصادية وفي كل مرة تحدث صدمة خارجية مثل أزمة فيروس كورونا المستجدّ. وبحسب صندوق النقد الدولي، بلغ إجمالي الدين، بما في ذلك السندات والقروض، 188 تريليون دولار أو نسبة 226% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2018، وتبلغ قيمة سوق السندات العالمية اليوم أكثر من 63 تريليون دولار، وفقًا لرسملة مؤشر بلومبيرغ باركليز الإجمالي العالمي. فقد تضاعفت في العقد الذي عقب الأزمة المالية الكبرى ونما بمعدل 6 تريليونات دولار سنويًا.كما أتيح المجال أمام المستثمرين لتنويع محافظهم، مما يحد من مخاطر الهبوط (مثل مخاطر التخلف عن السداد). ومع نمو أسواق السندات، كان على صانعي السياسات مراقبتها عن كثب، وأجبرهم المستوى المرتفع للديون على تبني أفكار سياسية غير تقليدية ومن مصلحة صانعي السياسات السماح بتكاليف تمويل منخفضة بحيث يبقى مستوى الدين مستدامًا.كما نعتقد أنّ أزمة كورونا سرّعت من التغييرات التي كانت جارية. فعند النظر إلى الاقتصاد العالمي، فإنه يشير إلى انخفاض النمو وزيادة المدخرات والسياسات النقدية غير التقليدية. وعندما يتعلق الأمر بسلوك الأسواق المالية، فإنه يشير إلى طلب على النمو والأصول التي تحقق أرباحًا. لقد لفتتنا سرعة ومقدار التحفيز المالي والتيسير الكمي إلى جانب الزيادة في الميزانية العمومية وزيادة السيولة الناتجة عن ذلك. فقد عمدت البنوك المركزية إلى كبح تقلبات سوق السندات وقدمت توجيهات بهذا الشأن. وهذه خطوة إيجابية بالنسبة إلى أسواق الائتمان إذ يعزز فائض المعروض النقدي المدخرات وبالتالي الطلب على الأصول التي تحقق عوائد. ووفقًا لأسعار الفائدة الحالية، قد تحقق معظم السندات الحكومية العالية الجودة عوائد منخفضة أو سلبية. وتشكل سندات الشركات بدائل جذابة بفضل تدفقاتها النقدية المتوقعة. ومع ذلك، سترتفع معدلات التخلف عن السداد في البلدان والقطاعات الأكثر تعرضًا لفيروس كورونا المستجدّ. ولن تتمكن الحكومات والبنوك المركزية من إنقاذ الجميع.رئيس قسم الدخل الثابت في جوليوس باير
مشاركة :