وكالة الأنباء الجزائرية تواجه انتقادات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تزييف خبر وتصريحات لمسؤول أممي لا وجود له، في ضربة لمصداقيتها كمصدر رسمي عالي المسؤولية، واستهتار بمهنيتها لعدم إدراكها أن تمرير الأخبار الكاذبة لم يعد أمرا صعبا ومن السهولة اكتشافه في العصر الرقمي خلال ساعات قليلة. الجزائر - تحولت وكالة الأنباء الجزائرية إلى خبر تصدر العناوين على المنصات الإعلامية، بعد نفي مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لتصريحات مسؤول أوردتها الوكالة ضمن خبر لا صحة له، وسط استهجان الجزائريين على مواقع التواصل من وقوع الوكالة الرسمية في خطأ كهذا، فيما من المفترض أنها مصدر رسمي، تتحرى الدقة والمصداقية وتدرك سهولة اكتشاف الأخبار الكاذبة اليوم. ونشرت وكالة الأنباء الجزائرية (APS) بالفرنسية والعربية والإنجليزية، الثلاثاء 1 سبتمبر، خبرا زعمت فيه أن هيئة تُدعى “مكتب جنيف لمحكمة الأمم المتحدة للمنازعات رفض شكوى من قبل مجموعة من النشطاء السياسيين الجزائريين بعد 24 ساعة من تقديمها وفحصها من قبل الضباط القانونيين بالمكتب”. نجيب بلحيمر: الأمر لا يتعلق بخطأ صحافي بل بالتدخل المباشر في الوكالة نجيب بلحيمر: الأمر لا يتعلق بخطأ صحافي بل بالتدخل المباشر في الوكالة ونقلت الوكالة تصريحات لشخص يدعى عصام المحمدي زعمت أنه سكرتير لمحكمة الأمم المتحدة، وقالت إن هذه التصريحات تم بثها قبل يومين على إذاعة مونت كارلو الدولية. وأفادت الوكالة في خبرها المفبرك أن “السكرتير المصري، قال في تصريحات لإذاعة مونت كارلو الدولية إن الشكوى رفضت لعدة أسباب منها محتوى الشكوى الذي لا يتطابق مع تقارير منظمة حقوق الإنسان بالجزائر، وبعض الممضيين على العريضة لهم سوابق عدلية، وجميع الممضيين غير مقيمين بالجزائر لمدة 10 سنوات، ومقدمو العريضة هم مزدوجو الجنسية ومنهم من لا يملك الجنسية الجزائرية”. وأضافت الوكالة “إن رفض الشكوى يعكس تصنيف الجزائر ضمن صدارة الدول العربية التي تكرس حرية التعبير وحماية حقوق الإنسان”. وتعليقا على الخبر، أصدرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بيانا ذكرت فيه أن الوكالة الجزائرية نشرت مقالا مغلوطا بني على معلومات مفبركة، وبأنها استندت إلى تصريحات لشخص قدمته كسكرتير في مكتب المنازعات في الأمم المتحدة وهذا الشخص غير موجود ضمن موظفي الأمم المتحدة والمكتب المذكور ولا علاقة له بقضايا حقوق الإنسان”. ونشرت الهيئة الأممية على صفحتها الرسمية على فيسبوك تدوينة قالت فيها إن المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان روبرت كولفيل أوضح أن المقال غير صحيح. وقال كولفيل إن المعلومات الواردة في المقال، التي تناقلتها على نطاق واسع وسائل إعلام أخرى في الجزائر “هي تلفيق كامل من البداية إلى النهاية”. ثم تابع “لا توجد هيئة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة بهذا الاسم، ولم نتمكن من تحديد أي موظف ذي صلة في الأمم المتحدة أو خبير مستقل في حقوق الإنسان في الأمم المتحدة يُدعى عصام المحمدي”. وطلب كولفيل أيضا من وكالة الأنباء الجزائرية وراديو مونت كارلو “إذا كانتا بالفعل المصدر الأصلي للقصة، سحب هذه المعلومات الكاذبة والإيضاح للقراء والمستمعين أن القصة كانت ملفقة بالكامل”. وسلطت القضية الضوء مجددا على مسألة الأخبار الكاذبة وانتشارها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يميز وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الرسمية باعتبارها مصادر موثوقة تبني سمعتها المهنية على الدقة والمصداقية، لذلك جاء نشر خبر مفبرك في وكالة الأنباء الجزائرية التي تعتبر المصدر الرسمي لنقل الأخبار عن الجزائر، صدمة للجزائريين وزعزع الثقة بها وضرب مصداقيتها في الصميم بالنسبة لهم. ملف الحريات يثير الجدل في الجزائر وأضافوا أن الوكالة ارتكبت خطأ مهنيا فادحا بنشر خبر عار عن الصحة، وتجاهلت أن عصر الفضاءات المفتوحة ومواقع التواصل الاجتماعي، يفضح الأخبار الكاذبة بسرعة كبيرة لاسيما إذا كانت من مصدر مسؤول كوكالة أنباء رسمية توزع أخبارها على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، أي أن اكتشاف الخطأ أمر مؤكد. وأصدر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، الجمعة، بيانا سلط فيه الضوء على معلومات وصفها بـ”الملفقة في ما يتعلق بالجزائر”. وأكد المكتب أن مواطنين وناشطين جزائريين قدموا شكاوى في الأسابيع الأخيرة، وأن هيئات حقوق الإنسان المعنية ستنظر فيها في الوقت المناسب. وكتب الصحافي لحسن حرمة، في صفحته على فيسبوك “أن تصل مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إلى إصدار بيان تكذيب وكالة الأنباء الجزائرية لنشرها معلومات مغلوطة وأخبار مضللة، والتنديد باستخدام صورة قاعتها وشعارها، يعني أن الانحطاط الإعلامي بلغ مستوى لا يطاق”. وتداول ناشطون على الشبكات الاجتماعية البيان وانتقدوا وكالة الأنباء الجزائرية التي عملت وفقهم بطريقة تماهي فيها موقف السلطة من النشطاء الذين ينادون باحترام الحريات والحقوق الأساسية، ولاسيما حق التظاهر السلمي. وقال الإعلامي الجزائري نجيب بلحيمر في تعليق مطول نشره على صفحته على فيسبوك “قرأت ردود أفعال أصدقاء وزملاء عملوا في الوكالة واستخلصت أن شعورا بالأسى يغمرهم، الأمر لا يتعلق بخطأ ارتكبه صحافي أو رئيس تحرير، بل هو نتيجة للتدخل المباشر في عمل الوكالة عن طريق التعليمات الفوقية، تماما مثلما أجمعت وسائل الإعلام المتملقة على إعادة نشر الخبر، تطوعا أو امتثالا للأوامر”. وأشار بلحيمر إلى أن “ما قاله المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان بخصوص مقال وكالة الأنباء مخجل، ويمس بصورة الجزائر لأنه في النهاية يقدم مثالا حيا على كيفية تحويل وسائل الإعلام العمومية إلى أدوات للدعاية التي لم تعد تلجأ إلى طرق ذكية للتلاعب بل سقطت في فخ الكذب المفضوح والرديء”. سجلّ حرية الصحافة في الجزائر يواصل التراجع الجزائر - تتزايد حدة الانتقادات الموجهة للسلطات الجزائرية بسبب تدهور حرية التعبير والصحافة، حيث قالت صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية إن النظام الرسمي يسعى لقتل حرية التعبير والرأي على الرغم من البلاد كانت رائدة في حرية الصحافة قبل عقود. وأوضحت الصحيفة في تقرير الأحد أن الجزائر باتت تحتل مراتب متأخرة جدا على سلم حرية التعبير والإعلام. واستندت إلى مؤشر منظمة “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة في أنحاء العالم، فقد حلت الجزائر في المرتبة 146 من أصل 180 للعام الجاري. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الجزائر تراجعت 27 نقطة في سلم الحريات خلال الخمس سنوات الأخيرة. وعزت السبب إلى إغلاق المواقع الإخبارية. بالإضافة إلى الاعتقالات الدورية في صفوف الصحافيين العاملين في البلاد. واعتقلت السلطات في الجزائر 8 صحافيين منذ الحراك الجزائري في فبراير 2019. والأسبوع الماضي، حُرمت صحيفة الوطن اليومية الجزائرية الناطقة بالفرنسية من الإعلانات العامة بعد نشرها مقالا عن ثروة اثنين من أبناء رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح. وخصصت صحيفة الوطن وهي من أبرز الصحف الجزائرية الاثنين الماضي، صفحتها الأولى لمقال عن استثمارات ابني الفريق قايد صلاح الذي توفي في 23 ديسمبر 2019، وقالت إنهما “جمعا ثروة هائلة”. وأضافت الصحيفة أن اثنين من أبناء الرجل القوي السابق يخضعان “لتحقيق قضائي”، بعد منعهما من مغادرة الأراضي الجزائرية. وقال مدير الصحيفة الطيب بلغيش لوكالة فرانس برس “أؤكد أن الصحيفة حُرمت من الإعلانات العامة بعد نشر هذا المقال”. وأضاف “الأمر يشبه أيام عبدالعزيز وسعيد بوتفليقة (الرئيس السابق وشقيقه). هذه ضغوط وعمليات ابتزاز لا تطاق”. والعديد من وسائل الإعلام الإلكترونية، مثل لافانغارد ألجيري، محجوبة في الجزائر. وفي بيان، شجبت منظمة “مراسلون بلا حدود” استمرار “الضغط على وسائل الإعلام” ودعت السلطات إلى “احترام حرية التعبير”. بين عامي 2014 و2017 ، حُرمت العديد من الصحف، بما في ذلك الوطن، من الإعلانات انتقاما لمعارضتها بوتفليقة الذي أطيح به في أبريل 2019 تحت ضغط الشارع وبتدخل من الجيش بقيادة الفريق قايد صالح. والدولة هي أكبر مُعلن في الجزائر، حيث يُعهد بالإعلانات الخاصة بالإدارات والمؤسسات العامة بموجب القانون حصريا إلى المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار. وقد تعرضت المؤسسة لانتقادات لدورها كـ”أداة سياسية” تختار وسائل الإعلام ليس وفقا لجمهورها ولكن وفقا لخطها التحريري.
مشاركة :