في شهر أغسطس من السنة الماضية، ألغى البرلمان الهندي المادتين 370 و(35-أ) من الدستور لإضعاف المكانة الخاصة التي تتمتع بها ولاية جامو وكشمير، ثم صدر قرار بإنشاء إقليمَين اتحاديَين في جامو وكشمير ولاداخ انطلاقاً من تلك الولاية، ورغم الطابع غير المتماثل للهيكل الفدرالي الهندي، سبّبت طريقة تنفيذ هذه التعديلات اضطرابات كبرى، لكن تلاشت جميع الانتقادات عند تقديم تطمينات مفادها أن هذه الخطوة ستضمن نشوء اتحاد هندي أكثر تكاملاً، فقد كان متوقعاً أن تنتقد باكستان ما حصل، واعترضت الصين بدورها لأنها لا تستطيع اعتبار تداعيات الوضع في جامو وكشمير وإبطال المادة 370 شأناً هندياً داخلياً. تواجه الهند المشاكل مع كشمير منذ عام 1947 لأسباب أصبحت معروفة، ولطالما سعت الحكومات المتلاحقة في دلهي وسريناغار إلى محاربة هذه الأزمة، كذلك كانت كشمير جزءاً بارزاً من أربعة صراعات بين الهند وباكستان على الأقل، ولطالما شكّلت مصدر توتر في العلاقات الهندية الباكستانية، وكل من يأخذ عناء قراءة النقاشات المرتبطة بكشمير في الأمم المتحدة خلال الخمسينيات والستينيات والمراحل اللاحقة سيدرك مدى تعقيد الوضع في كشمير. استكشفت الجهات المعنية سابقاً الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع هذه الأزمة، ففي الماضي، أثارت المشكلة الأمنية انتباه خبراء دوليين معروفين لديهم خبرة واسعة في حركات التمرد والاضطرابات شبه القومية والإرهاب وجوانب متنوعة أخرى من العنف المنظّم وغير المنظّم، وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين، لاحظ الكثيرون نقاط تشابه بين الوضع في كشمير وظروف إيرلندا الشمالية، وحصل أيضاً تبادل متواصل للأفكار والمفاهيم بهدف التوصل إلى حل مشترك، لكن على عكس إيرلندا الشمالية، تقع كشمير في جوار بلدَين عدائيَين وكان أحدهما ينوي التحريض على العنف وتوفير بيئة حاضنة للإرهابيين. يختلف المراقبون حول احتمال معالجة هذا النوع من المشاكل القديمة عبر رفض مفاهيم مثل "هوية كشمير المنفصلة" بكل بساطة، أو التخلي عن شعارات "الإنسانية" و"الديمقراطية" في كشمير، أو جعل سكان الإقليم يدفعون ثمن أخطاء الماضي. قد يتبين في نهاية المطاف أن القناعة الراسخة التي تربط حل الأزمة بجعل السياسة في كشمير جزءاً مباشراً من السياسات الوطنية، بعيداً عن جميع القناعات والممارسات الماضية، فكرة خاطئة، إذ سيكون الأمر أشبه باقتراح حل مبسّط لمشكلة معقدة. لا يمكن فصل مشكلة كشمير عن الظروف الطاغية في أجزاء أخرى من العالم، حيث تخوض أنظمة كثيرة تغيرات متواصلة، وبالتالي يستحيل إبطال هذا الجانب الأساسي من التاريخ الحديث. في أنحاء العالم مثلاً، يبدو أن الأفكار الإسلامية الراديكالية بدأت تزداد شيوعاً ويمكن رصد تداعياتها ضمن فئة الشباب في منطقتنا أيضاً، فلم يعد الاكتفاء بالربط بين هذه النزعة وعواقب حركة الجهاد الأفغاني خلال الثمانينيات ممكناً، فقد نشأت قوى مؤثرة أخرى اليوم على غرار تنظيم "داعش"، ولا بد من الاعتراف بهذا الواقع رغم انتشار الادعاءات القائلة إن الحركات المتشددة المحلية في ولاية جامو وكشمير اندثرت، حيث تتعدد مكامن النفوذ الإسلامي الراديكالي في كشمير حتى اليوم، ويتّضح هذا الوضع عبر وجود ما يُسمّى "المقاتلين الانفصاليين"، وتتحرك هذه العناصر كلها تحت تأثير فكرة معينة ولا يمكن قمعها عبر استعمال القوة المطلقة. إنه جزء محوري من المسائل التي تحتاج إلى حل في كشمير. يجب ألا يفترض صانعو القرار اليوم أن غياب الابتكار أو صناعة السياسة هو الذي منع القادة السابقين من فهم حقيقة الوضع وإيجاد حل لمشكلة كشمير، ويجب ألا يعتبر القادة في دلهي أي مكاسب فورية بمثابة فجر جديد بل من الأفضل أن يتوقفوا لبرهة ويحاولوا التأكد من مسار الأحداث المرتقبة، كذلك يُفترض أن يصبح تجديد الوضع الطبيعي على رأس الأولويات العاجلة، حتى لو أصرّ عدد من كبار القادة السياسيين المنتمين إلى حزب "المؤتمر الوطني" أو "الحزب الديمقراطي الشعبي" أو "حزب شعب جامو وكشمير الديمقراطي" على انتقاد سياسات السلطة المركزية. أخيراً، يجب أن يبدأ نقاش حول المرحلة المقبلة لأن استخلاص النتائج بعد مرور أول سنة على التدقيق بالوقائع أصبح أساسياً، حيث تبقى النزعة الشعبوية القوية محدودة على بعض المستويات، ففي أي شكلٍ من الصراعات لا مفر من إصدار أحكام موضوعية في مرحلة معينة، وفي كشمير حان الوقت لفعل ذلك اليوم، ولا أحد يستطيع بعد الآن أن يتحمّل كلفة تعديلات تطورية إضافية في بيئة اجتماعية معقدة وخطيرة أصلاً. * «مايانكودو كيلاث نارايانان»
مشاركة :