التدخل الأجنبي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية

  • 9/8/2020
  • 01:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

 غالبا ما يكون هناك اهتمام شديد بالانتخابات الديمقراطية في بلد ما من قبل حكومات الدول الأخرى، وخاصة أن الأمور المتعلقة بالسياسة الخارجية والاقتصادية والأمنية يحددها الناخبون في مثل هذه الانتخابات. ومع ذلك عندما يتحول هذا الاهتمام إلى تدخل متعمد للتأثير على مسارها فإنه يصبح وضعا أمنيا خطيرا. وفي حالة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، تكون المخاطر أكبر محليا ودوليا، حيث يعد التدخل الأجنبي من قبل خصومها وحلفائها للتأثير على نتائجها لصالحهم قضية مهمة ومُقلقة.ويُنظر بالفعل إلى الانتخابات الأمريكية لعام 2016 على أنها قد تأثرت بالتدخل الأجنبي، ولا سيما من روسيا، ومن غير المفاجئ أن انتخابات 2020 لا تختلف عن سابقتها. وفي أغسطس، أشار «ويليام إيفانينا»، مدير «المركز الوطني الأمريكي لمكافحة التجسس والأمن»، إلى أن «الدول الأجنبية ستستمر في استخدام إجراءات سرية وعلنية في محاولاتها للتأثير على توجهات الناخبين الأمريكيين ومنظورهم، وتغيير السياسات الأمريكية، وزيادة الخلاف في الولايات المتحدة، وتقويض ثقة الشعب الأمريكي في عمليتنا الديمقراطية».وبالنسبة للانتخابات المقبلة، تثير دولتان القلق الأكبر بشأن التدخل، وهما روسيا والصين. وتُلخص «إليزابيث براو»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، الوضع بقولها: «من المرجح أن تتدخل روسيا لصالح دونالد ترامب، والصين لصالح جو بايدن، وستسعى إيران إلى تقسيم البلاد». وكما هو الحال عام 2016، ينصب معظم الاهتمام على جهود موسكو للتأثير على الانتخابات لدعم إدارة ترامب، والتي يفضلها الرئيس «بوتين»؛ لأنها فشلت في محاربة روسيا بقوة من الناحية الجيوسياسية. وهو ما يوضحه المسؤول السابق في الحكومة الأمريكية «جيريمي باش»، بقوله: «حقيقة أن الخصوم مثل الصين أو إيران لا تعجبهم سياسات الرئيس الأمريكي هو أمر طبيعي.. ما هو غير الطبيعي ومزعج وخطير أن خصمًا مثل روسيا يحاول جاهدًا إعادة انتخاب ترامب».وفي عصر الإنترنت، تحول التدخل الانتخابي بشكل كبير إلى التأثير على الناخبين عبر حملات التضليل باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي الغربية. وحتى الآن، تهدف الجهود الروسية في هذا المجال كما يقول «إيفانينا» إلى «استخدام مجموعة من الإجراءات لتشويه سمعة نائب الرئيس السابق بايدن وأعضاء آخرين مما تعتقد أنهم مناهضون لروسيا»، ويستشهد بالعضو البرلماني الأوكراني الموالي لروسيا «أندري ديركاش» كمثال، والذي «ينشر ادعاءات حول الفساد بما في ذلك الإعلان عن مكالمات هاتفية مسربة لتقويض ترشيح بايدن والحزب الديمقراطي».ومع ذلك، فإن استهداف التدخل الروسي عبر الإنترنت يمثل تحديًا ملحوظًا؛ مع وجود جمهور محتمل واسع النطاق نشأ خارج الولايات المتحدة، حيث تكون الجهود المبذولة للحد من المعلومات المضللة بطيئة. وفي الآونة الأخيرة، أصبح حجم هذا التدخل أكثر وضوحًا. وفي الأول من سبتمبر 2020، كشف «فيسبوك» عن اكتشاف عملية روسية تهدف إلى التأثير على الناخبين اليساريين في الولايات المتحدة وبريطانيا، تم تشكيلها من خلال منظمة إعلامية مزيفة تسمى «بيس داتا»، والتي أدارت 13 حسابًا على فيسبوك، واستخدمت هويات مزيفة. وتعكس هذه الخطة تصرفات وكالة أبحاث الإنترنت الروسية العاملة، والتي شاركت في حملة تضليل واسعة النطاق على وسائل التواصل؛ بهدف زرع الانقسام ودعم حملة ترامب عام 2016.وعلى الرغم من الخطر الناجم عن التدخل الروسي في الديمقراطية الأمريكية، فإن التقاعس عن محاربته من قبل أعلى مستويات الحكومة الأمريكية مثير للقلق، حيث فشلت إدارة ترامب في اتخاذ رد فعل واضح. يقول «توني بلينكين»، كبير مستشاري حملة بايدن، إن «ترامب قام بدلاً من ذلك بالدعوة علنًا وبشكل متكرر، وشجع، بل وحاول بالإكراه على التدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية».وفي الواقع، كانت الروابط بين حملة ترامب عام 2016، والحكومة الروسية موضع تساؤل شديد وأثارت المزيد من المخاوف بشأن الانتخابات. وفي منتصف أغسطس 2020، انتقد تقرير لمجلس الشيوخ بشدة الصلة بين الاثنين. ووفقًا لـ«مارك مازيتي» من صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن «مسؤولي المخابرات الروسية» ينظرون إلى أعضاء حملة ترامب على أنهم يسهل التلاعب بهم. ومع ذلك، كما هو الحال مع التحقيق السابق الذي أجراه المستشار الخاص روبرت مولر، لم يخلص مجلس الشيوخ إلى وجود مؤامرة أو تواطؤ بين حملة ترامب وموسكو.من ناحية أخرى، فإن جهود بكين للتدخل في الانتخابات الأمريكية تبدو أقل وضوحًا. ووفقًا لإيفانينا، «نحن نقدر أن الصين تفضل ألا يفوز الرئيس ترامب الذي تعتبره بكين غير مأمون الجانب بإعادة انتخابه». وبالطريقة نفسها، مثل الحالة الروسية، يجري ترويج غالبية الأخبار المُضللة التي تأتي من الصين من خلال تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك»، حيث يوجه الاتهام بالمسؤولية إلى بكين بشكل غير مباشر. ومع ذلك، يلاحظ «بارنز»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه «من الصعب العثور على الكثير من الأدلة على تأثير التدخل الصيني على الشأن الوطني». كما أن تقييم «إيفانينا» بأن الصين تعمل على توسيع نفوذها من خلال استخدام «الخطاب العام» العدواني بشكل متزايد قد تعرض لانتقادات من قبل «مركز أبحاث الأمن القومي»، والذي رأى مبالغة الإدارة الأمريكية في التدخل الصيني؛ باعتباره «آلية لتقليل التهديد الآتي من روسيا». وصرح المتحدث باسم المركز «نيد برايس»، أنه: «بشكل فج، كانت هناك محاولات للتقليل مما تفعله روسيا، التي هاجمت ديمقراطيتنا مرة أخرى في محاولة لتأمين إعادة انتخاب ترامب.. إن أي تأثير في ديمقراطيتنا أمر غير مقبول، ولكن لا يوجد تكافؤ بين ما تفعله بكين أو موسكو». ووفقًا لـ«بارنز»، فإنه، على الرغم من أن التهديد الأمني من قبل بكين أصبح أكثر انتشارًا في الانتخابات الغربية الأخيرة، فلا يزال المحللون ومسؤولو المخابرات الأمريكية يرون في موسكو التهديد «الأكثر خطورة» و«الأكثر إلحاحًا».وعلى الرغم من أن روسيا والصين يمكن اعتبارهما المحورين الرئيسيين للتدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية المقبلة، فإن كيانات أخرى ضالعة أيضًا، ومن بينها إسرائيل وإيران. وتمتلك إسرائيل تاريخا طويلا من التدخل في الشؤون السياسية الأمريكية المحلية، وذلك من خلال اللوبي الإسرائيلي المؤثر في واشنطن، والمتحالف بشكل وثيق مع الحزب الجمهوري والمسيحيين الإنجيليين. بالإضافة إلى ذلك لا يخضع تأثيرها على الشؤون الأمريكية لنفس الانتقادات والقيود التي يتعرض لها الداخل الأمريكي من قبل دول أخرى بسبب الروابط الدبلوماسية الوثيقة بين واشنطن وتل أبيب. وكتب «بول بيلار»، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية، في مجلة «بيزنس إنسايدر»، أن «السبب الوحيد وراء عدم تسجيل المدافعين عن إسرائيل الأكثر تنظيما وتأثيرا في الولايات المتحدة كعملاء أجانب هو أن ما اشتروه من تأثير ونفوذ قد أثنى السياسيين الأمريكيين عن محاولة اتهام إسرائيل».ونظرًا إلى أن إدارة ترامب كانت ومازالت داعمًا قويًا لإسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالتوسعات الاستيطانية الإسرائيلية، والاعتراف بالقدس عاصمة لها، فليس من المستغرب أن النفوذ الإسرائيلي المتغلغل داخل السياسة الأمريكية يدعم بقوة ترامب. وفي تصريحاته في أغسطس الماضي أشار «إيفانينا»، أيضًا إلى أن إيران كقوة أجنبية ستحاول التأثير والتدخل في الانتخابات الأمريكية، ولا سيما «لتقويض المؤسسات الديمقراطية الأمريكية، وكذلك تقليل فرصة ترامب في الفوز بالرئاسة، فضلاً عن العمل على تقسيم وشرذمة أصوات الناخبين الأمريكيين لصالح بايدن». وفي حين أن قضية التدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية هي قضية تهدد أمن الديمقراطيات الغربية برمتها فإن عدم قدرة واستعداد المسؤولين الأمريكيين لمواجهته أمر مثير للقلق. وتعمدت إدارة ترامب عدم الامتثال لجهود أجهزة الاستخبارات الأمريكية، واتهم ترامب خصومه السياسيين بالتدخل لـ«لتزوير وسرقة» نتائج الانتخابات الرئاسية «باستخدام ذريعة جائحة كورونا للاحتيال على الشعب الأمريكي». وأضاف أن «الطريقة الوحيدة التي يمكنهم بها إبعادنا عن هذه الانتخابات هي إذا ما تم تزوير نتائجها». كما جعل من مسألة الاقتراع عبر البريد نقطة نقاش سياسية بحتة، زاعمًا أن استخدامها على نطاق واسع في الانتخابات الرئاسية تحت تأثيرات انتشار فيروس كورونا سيؤدي إلى وجود «أكثر الانتخابات فسادًا» في التاريخ الأمريكي بأكمله، على الرغم من قلة الأدلة التي تدعم ذلك. وعليه، انتقد «بيلار» خطاب ترامب بشأن التدخل الانتخابي، مشيرًا إلى أن «الرئيس الأمريكي الحالي هو اليوم أحد أكبر مصادر تشويه سمعة الديمقراطية الأمريكية» من خلال «تأكيده أن الديمقراطيين يحاولون سرقة الانتخابات وليس بإمكانهم الفوز إلا بالاحتيال والتزوير».وتنعكس هذه الإخفاقات في ثقة الناخبين الأمريكيين بمدى قدرة حكومتهم على وقف التدخل الأجنبي. وفي استطلاع أجراه موقع «يوجوف» لاستطلاعات الرأي في فبراير 2020، صرح أكثر من نصف الأمريكيين (51%) بأنهم لا يثقون في قدرة الحكومة على الدفاع عن الولايات المتحدة من التدخل الأجنبي، وأعرب الناخبون الديمقراطيون عن قلقهم بشكل خاص، حيث خشي70% من التدخل الأجنبي. بالمقابل أعرب 82% من الجمهوريين عن ثقتهم في قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن نفسها من أي تدخل أجنبي في الانتخابات. وكانت مجلة «فورين بوليسي»، قد أشارت إلى أنه لمواجهة التدخل الأجنبي «يجب تصعيد مطالب إدارة ترامب في الكونجرس، والتي تنص على أن الحكومة الفيدرالية يجب أن تتخذ إجراءات حاسمة ضد التدخل الأجنبي، ويجب أن يوفر الكونجرس تمويلاً طارئًا لدعم أمن الانتخابات ومنع اختراقها، كما أنه يجب التعاون مع الجهات المختصة لمواجهة تهديدات المعلومات المضللة المنشورة على الإنترنت، ويجب توعية الشعب بكل التهديدات التي قد تؤثر على نتائج انتخاباتهم».وفي الأخير، ومع كل هذه الاقتراحات، يبدو أن مسألة وقف التدخل الأجنبي المباشر والسري في الانتخابات الأمريكية من الصعب تحقيقها على أرض الواقع جراء الصعوبات العملية المتمثلة في حتمية تأثير أي من المؤثرات الخارجية على الناخبين الأمريكيين، ومنها المحتوى الذي يعرض على الإنترنت، بالإضافة إلى عدم رغبة إدارة ترامب نفسها في اتخاذ موقف متشدد ضد أي تدخل، وهو الأمر الذي قد يكون سببًا للقلق الشديد. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية لعام 2020، من المرجح أن يلعب التدخل الخارجي دورًا في تحديد نتائجها، وهو ما سيكون له بالغ الأثر ليس على الولايات المتحدة ذاتها، بل على الديمقراطيات الأخرى.

مشاركة :