أدى قرار الحكومة السورية بتخفيض كمية تعبئة البنزين في المرة الواحدة للسيارات الخاصة إلى نقص كبير من المادة في المحطات ما انجرت عنه انتعاشة في السوق السوداء نظرا للإقبال الكبير على التزود بالبنزين، الذي بات يعوض النقص في السوق الرسمية. السويداء (دمشق) - دفع قرار السلطات السورية تحديد كمية التزود بالبنزين للسيارات إلى نقص كبير في السوق الرسمية وانتعاشتها في السوق السوداء نظرا لخروج عمليات البيع هناك عن ضوابط السوق الرسمية. وقرّرت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية تخفيض كمية تعبئة البنزين في المرة الواحدة للسيارات الخاصة، مع بقاء الكمية الشهرية المخصصة ذاتها. ويأتي هذا القرار بفعل تبعات قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ مطلع يونيو الماضي والذي نص على عقوبات اقتصادية سنتها واشنطن ضد النظام السوري تشمل مجالات عدة من البناء إلى النفط والغاز. وقال مصدر مسؤول في الوزارة لصحيفة الوطن المحلية الجمعة 4 من سبتمبر، إن الوزارة قررت “تخفيض كمية تعبئة البنزين للسيارات الخاصة من 40 إلى 30 لترا”. وتسبب ذلك في تدافع كبير واكتظاظ أمام المحطات. واستغل بعض تجار الوقود هذه الأزمة لزيادة أرباحهم وذلك بالمضاربة في أسعار البنزين وعدم الالتزام بأدنى شروط البيع. وكان أبوعماد الرجل الستيني ينتظر أكثر من 6 ساعات بداخل سيارته التي يعمل عليها، في هذا الحر الشديد ليحصل على كمية بسيطة من مادة البنزين، وعلامات التعب والإرهاق بادية على ملامح وجهه الأسمر. ونسبت شينخوا لأبوعماد، وهو مواطن سوري يقطن في مدينة السويداء، قوله “أعمل على سيارتي التي هي مصدر رزقي منذ سنوات، وأعاني من قلة وجود البنزين في محطات الوقود، وخاصة بعد أن حددت الحكومة السورية كمية البنزين للسيارات العامة والخاصة”. 700 ليرة سعر اللتر الواحد من البنزين في السوق السوداء مقابل محدوديته في السوق الرسمية وتابع أبوعماد “عليّ أن أقارن بين الوقوف لساعات طويلة أمام محطات الوقود لأحصل على 30 لترا من الوقود المدعوم أو أذهب إلى السوق السوداء لكي أشتري اللتر الواحد من البنزين بأكثر من 700 ليرة سورية”، مبينا أن شراء البنزين من السوق السوداء مكلف، ولا يستطيع أن يشتريه دائما. وينتشر وبشكل كبير، باعة البنزين الحر على جوانب الطرقات في مدينة السويداء التي يقطنها غالبية من الطائفة الدرزية، وبالقرب من محطات الوقود، في مشهد مثير للانتباه، وبأسعار خيالية، دون رقيب أو حسيب. كما تشاهد بذات الوقت طوابير السيارات على محطات البنزين بداخل مدينة السويداء، مع حصر توزيع المادة بعدد محدد من المحطات، الأمر الذي يشكل ازدحاما كبيرا يصل إلى مسافة أكثر من كيلومتر تقريبا، على أمل أن تحل هذه الأزمة في وقت قريب. ومن جانبه روى باسل (24 عاما)، وهو عامل، من قرى ريف السويداء الشرقي، معاناته مع الوقوف لساعات طويلة أمام محطة البنزين ، بالتزامن مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في النهار، لتزيد من معاناته أكثر وأكثر. وقال باسل، وهو يملأ خزان سيارته الخاصة من أحد بسطات البنزين في شرق مدينة السويداء، “بعد معاناتي الأسبوع الماضي ووقوفي لأكثر من 5 ساعات في إحدى محطات البنزين، قررت أن أتوجه إلى السوق السوداء، وأدفع أكثر مقابل أن أعود مبكرا إلى منزلي وخاصة في هذه الظروف الصعبة من انتشار فايروس كورونا المستجد، وارتفاع درجة الحرارة الكبيرة خلال النهار”. وبيّن أن السوق السوداء تنتعش أكثر في الأزمات، وعندما يكثر باعة البنزين في شوارع المدينة يمكن أن يعرف الأشخاص أن هناك أزمة بنزين ستحدث، مؤكدا أن الكميات التي تم تخصيصها للسيارات لم تعد كافية. وأثناء توزيع مادة البنزين في إحدى محطات الوقود في السويداء، وقع شجار بين شخصين أثناء اصطفاف طابور السيارات، تطور لاستدعاء أحدهما مجموعة من المسلحين، حيث وقع إطلاق نار كثيف أصيب خلاله 3 أشخاص، وتم تحويل أحد المصابين من المستشفى الوطني بالسويداء إلى أحد المستشفيات في دمشق. وقال أحد باعة البنزين الحر والذي فضل عدم الكشف عن اسمه إن “بعض أصحاب الدراجات النارية نبيع لهم كميات البنزين بسعر 500 ليرة سورية، وليتم بيعها لاحقا لأصحاب السيارات بأسعار أغلى”، مبينا أن بعض السيارات العامة تقوم بإفراغ خزاناتها قبل تعبئتها من جديد من محطات الوقود للاستفادة من فارق السعر. وتابع، الشاب الثلاثيني، وقد بنى خيمة بالقرب من المستشفى الوطني بالسويداء ( شرقا)، يقول إن “السوق السوداء موجودة وتنتعش كثيرا خلال وجود الأزمات حالها حال أي سلعة يتم احتكارها للتحكم بسعرها، مبينا أن هذه السوق تخفف العبء عن الناس الذين لا يستطيعون الوقوف طويلا، أو عملهم لا يسمح لهم بذلك”. وقال ماهر 41 عاما، وهو طبيب أسنان “أنا لا أستطيع أن أقف 5 أو 6 ساعات في محطة البنزين لملء سيارتي، فأذهب لشراء البنزين من السوق السوداء، توفيرا للوقت”، مبينا أن الأزمة بدأت منذ الأسبوع الماضي، ولا تزال مستمرة. انتشار كبير لباعة البنزين الحر على جوانب الطرقات في مدينة السويداء في مشهد مثير للانتباه، وبأسعار خيالية ونقلت شينخوا، أن الكثير من الأشخاص يركنون سياراتهم أمام محطات البنزين من يوم لآخر كي يحجزوا دورا لهم عندما يبدأ توزيع البنزين في صباح اليوم التالي. وقال همام ديبات محافظ السويداء إن “أزمة البنزين التي تشهدها المحافظة منذ 15 يوما، جاءت بسبب انخفاض كميات الوقود إلى محافظة السويداء، بسبب العقوبات الاقتصادية على سوريا”، مبينا أن هذه الأزمة “ليست في السويداء فحسب وإنما موجودة في عدة محافظات من بينها محافظة ريف دمشق ودرعا”. وأشار محافظ السويداء إلى وجود البعض ممن يحاولون استغلال ما يحدث وبيع كميات من البنزين للباعة في خارج المحطة، داعيا إلى تكثيف الرقابة على المحطات لضبط الكميات وإيصالها لمن يستحق. ومشهد ازدحام السيارات في السويداء امتد ليشمل عددا من المحافظات السورية في حلب شمال سوريا وحمص وسط سوريا، بالتزامن مع انتعاش باعة البنزين الحر في الشوارع الرئيسية، وعلى الطرقات الدولية التي تربط المحافظات السورية بعضها ببعض. وقامت وزارة النفط والثروة المعدنية في سوريا بتخفيض كمية البنزين المخصصة للسيارات العامة والخاصة من 40 لترا إلى 30 لترا مع تقليص المدة الزمنية من أسبوع إلى 4 أيام. وأوضحت مصادر مطلعة من الوزارة أن هذا الإجراء مؤقت ريثما تتوفر كميات أكبر من البنزين، حيث ستصل شحنات جديدة خلال أيام قليلة، والمخصصات الشهرية للسيارات الخاصة لم يتم تخفيضها. وبموجب هذا القرار للسيارات الخاصة تعبئة 100 لتر شهريا بالسعر المدعوم، على أن تتم تعبئة 30 لترا كل أربعة أيام كحد أدنى بدلا عن 40 لترا. ومنذ مارس الماضي، حددت وزارة التجارة وحماية المستهلك سعر البنزين المدعوم بـ250 ليرة سورية للتر الواحد “أوكتان 90”، وغير المدعوم بـ450 ليرة سورية للتر الواحد، بينما حددت سعر البنزين “أوكتان 95” بـ575 ليرة سورية للتر الواحد.
مشاركة :