أصبح الغاز الطبيعي مصدرًا أساسيًّا للطاقة النظيفة، وله علاقة استراتيجية تتماشى مع رؤية المملكة 2030 في إطار تنويع مصادر الاستثمار في الطاقة، وهو يأتي في سياق الاستثمار الاقتصادي، وخصوصًا أن الصين تبنت السماء الزرقاء، وهي تنوي التحول من الفحم في توليد الطاقة إلى الغاز، واحتياطياتها محدودة، وفي تحلية المياه في السعودية، وكذلك في الصناعات البتروكيماوية بدلاً من استخدام الزيت الخام متعدد الاستخدامات. ورغم أن السعودية تختزن خامس احتياطي للغاز في العالم لكن فضلت أرامكو الاستدارة نحو الغاز الأمريكي، الذي يعتبر رخيصًا نسبيًّا مقارنة بأنواع الغاز الأخرى؛ إذ يباع بـ2.5 دولار لكل مليون وحدة غاز، فأبرمت أرامكو عقدًا مع شركة سيمبرا الأمريكية، مدته 20 عامًا؛ لشراء الغاز الطبيعي المسال. وكذلك تمتلك أرامكو حصة في مشروع بورت أرثر للغاز الطبيعي، فيما تمتلك أكبر مصفاة بالكامل في الولايات المتحدة، تسمى بجوهرة التاج، تنتج 600 ألف برميل يوميًّا، وتقع أيضًا في بورت آرثر، ضمن مساعي الشركة لبناء بصمة لها في صناعة النفط والغاز الطبيعي المسال. ويتجه نحو ربع إنتاجها لثماني مصافي محلية، تمتلكها أرامكو بنحو 2.6 مليون برميل، ونحو 2.3 لأربع مصافٍ عالمية، تمتلكها بالكامل، أو تمتلك جزءًا منها لتحويل نفطها إلى منتجات مكررة ومواد كيماوية من أجل تحقيق التكامل في أعمالها في مجالَي النفط والغاز من أجل تعظيم القيمة المضافة في مختلف مراحل سلسلة القيمة الهيدروكربونية حتى أصبحت أرامكو تاريخًا من الريادة والأرقام القياسية. ويتم حاليًا إعادة تشكيل أسواق الغاز العالمية التي أدت إلى تحولات عميقة في أسواق الغاز الطبيعي الذي يعتبر محركًا للنمو الاقتصادي وعملية التنويع، وتركز السعودية على تلبية الطلب المتزايد على توليد الطاقة وتحلية المياه وتوسيع صناعة البتروكيماويات؛ وهو ما يعتبر خطوة نحو طاقة أنظف، أو أنه مصدر للطاقة في حد ذاته، لا يزال محل جدل كبير في أوروبا التي تهدف إلى رفع نسبة الطاقة المتجددة في قطاع الطاقة حتى عام 2050، لكن الغاز الطبيعي قصة إقليمية أكثر من النفط الذي هو أكثر عالمية بطبيعته. أدركت السعودية أن هناك دورًا محوريًّا للغاز الطبيعي في تعزيز أمن الطاقة العالمي، وحتى إقليميًّا، وخصوصًا أن البحرين وعمان ودولة الإمارات المتحدة تستورد الغاز الطبيعي؛ وهو ما جعل السعودية تتجه في الاندفاع نحو الاستثمار في الغاز، وخصوصًا أن السعودية ثالث دولة في العالم بعد روسيا والولايات المتحدة، وتمتلك أراضيها موارد معدنية طبيعية. وبعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في حقل الجافورة التي تقدر بنحو 200 تريليون متر مكعب، جعل احتياطيات السعودية تتضاعف، وأصبحت في مقدمة الدول المنتجة للغاز، واحتلت المركز الرابع، وحلت محل الولايات المتحدة التي تمتلك احتياطيات بنحو 464 تريليون قدم مكعب من موارد الغاز الصخري.. وبعد اكتشافات حقل الجافورة أصبحت احتياطيات السعودية نحو 507 تريليونات قدم مكعب، ارتفعت من 307. اكتشاف حقلين جديدين للزيت والغاز أعلنهما وزير الطاقة سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان في الحدود الشمالية والجوف، وتدفق الغاز الغني بالمكثفات من مكمن الصارة بحقل هضبة الحجرة شرق مدينة سكاكا بمعدل 16 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم مصحوبًا بنحو 1944 برميلاً من المكثفات، وتدفق الزيت الخفيف الممتاز غير التقليدي من مكمن السرورا في حقل أبرق التلول في الجنوب الشرقي من مدينة عرعر بمعدل 3189 برميلاً يوميًّا مصحوبًا بنحو 1.1 مليون و100 ألف قدم مكعبة قياسية من الغاز في اليوم، فيما تدفق الغاز من مكمن القوارة في الحقل نفسه بمعدل 2.4 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم مصحوبًا بـ49 برميلاً من المكثفات يوميًّا.. تلك الاكتشافات تعزز توجُّه السعودية نحو تحقيق المزيج الأفضل لاستهلاك أنواع الطاقة. ليس هذا فحسب، بل تعمل تلك الاكتشافات على تعزيز ثوابت اقتصاد السعودية من أجل المضي قدمًا نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 في تنويع منتجات الطاقة، وتنويع مصادر الدخل. كذلك تعزز مكانة السعودية التي تقود أسواق النفط العالمية مع روسيا، بجانب ترؤس مجموعة العشرين لعام 2020؛ وهو ما يعني أن السعودية رغم أزمة جائحة كورونا تمرّ بمرحلة تحول تاريخية مهمة اقتصاديًّا، عززت من مكانتها ومتانة الاقتصاد السعودي بين الاقتصادات والأسواق العالمية. ** ** - أستاذ بجامعة أم القرى بمكة
مشاركة :