الزخرفة.. الجمال يفزع من الفراغ

  • 7/28/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن الحضارة الإسلامية حكراً على العرب وحدهم، بل امتدت لتشمل أمماً وأعراقاً كثيرة من عرب وفرس وترك وبربر وهنود وصقالبة، حيث تركت هذه الأمم بصمتها وإرثها الثقافي والحضاري في مختلف نواحي الحياة، وتأتي الفنون الإسلامية كأحد أبرز الأمثلة على التأثر والتلاقح الحضاري والمعرفي بين العرب وسائر الأمم التي دخلها الإسلام، وقد طُبعت هذه الفنون في مختلف الأصقاع الإسلامية بخصائص ومميزات أساسية وثابتة تقريباً، شكلت رؤية الفنان المسلم في المعمار والزخرفة والصناعة ومختلف الفنون والحرف. من أبرز وأهم الخصائص التي تفرد بها الفن الإسلامي كراهية الفراغ: والتي تجلّت في ميل الفنانين المسلمين لتغطية المساحات، وفزعهم لتركها من دون زينة أو زخرفة، فأكثر ما يلفت النظر في العمائر والتحف الفنية الإسلامية ازدحام الزخرفة وكثرتها واتصالها حتى تغطي المساحة كلها أو الجزء الأكبر منها، ولذا كانت الفنون الإسلامية فنوناً زخرفية في المقام الأول، وكانت أغزر الفنون تذويقاً بالزخرف، وقد عبر الغرب عن هذه الظاهرة في الفنون الإسلامية بالاصطلاح اللاتيني (horror vacui) أي الفزع من الفراغ. كما كانت هذه الزخارف مسطحة في الغالب، فالنتوء والبروز نادران في الرسوم الإسلامية، إذ انصرف الفنانون عن التجسيم إلى تغطية المساحات برسوم سطحية، وعوضوا عن هذا النقص في التجسيم بالتلوين والتذهيب. ويعد التجريد من أبرز الصفات الكامنة في الفن الإسلامي، فالزخارف التي انتشرت على الجدران الداخلية، وعلى القباب والمحاريب والمنابر المصنوعة من الفُسَيْفِساء أو الخزف أوالخشب أو الحجر، كانت كلها غير تشبيهية، ذلك أن الفن التصويري الإسلامي كان أقرب إلى التجريد، ولكن لم يكن ما يحرم التصوير التشبيهي، فالصور الجدارية التي نراها في قصر الحَيْر الغربي وفي قصر المُفَجِّر، وكذلك النحت التشبيهي، تؤكد أن المنع والتحريم كان في حالة المضاهاة وتشبيه الخالق فقط. وكان التكرار سمة بارزة في الفن الإسلامي، فكانت الموضوعات الزخرفية تتكرر في العمائر والتحف الإسلامية تكراراً يلفت النظر، ويمكن ملاحظة ذلك في المخطوطات والزخارف الهندسية التي تعم التحف الخشبية، وفي زخارف الخزف الفارسي والتركي والفاطمي، وفي الزخارف التي تسود العمائر الإسبانية المغربية، وفي سائر التحف الإسلامية على الإطلاق. ويقابل التكرار عنصر التنوع، فالتكرار هنا لا يعني صورة واحدة في كل المشاهد الموجودة على السطوح لكنه متنوع، ويقع التنوع بين الوحدات الزخرفية، فالوحدة الزخرفية لقبة المسجد تختلف عن الوحدة الزخرفية للمئذنة وتختلف عن زخرفة المحراب، وتختلف عن زخرفة الجدران، وتختلف عن زخرفة تيجان العمد والسقوف والعقود.

مشاركة :