لم تكن السينما حيلة لفضح المحرَّمات، وإنما المحرمات هي حيلة لفضح السينما نفسها. يمكن - ولو بقليل من الوهم – تعميم هذا الشعار عتبة أولى لفهم سينما رأفت الميهي الذي رحل عن دنيانا مساء الجمعة والذي كان قد بدأ مسيرته بكتابة القصص والروايات – أصدر منها «الجميلة حتما توافق» 2007 و»سحر العشق» 2009 - ثم السيناريو والحوار منذ «على من نطلق الرصاص» 1975 مع المخرج كمال الشيخ، والإخراج – فضلاً عن كتابة السيناريو - منذ فيلمه الأول «عيون لا تنام» 1980 ومع الإنتاج منذ فيلمه «الأفوكاتو» 1983. بينما نتمادى في هذا الوهم عندما نعمم أيضاً ثلاثية الصورة والأدب وإدارة الممثل من العناصر الأساسية في سينما المخرج رأفت الميهي. فقد تنبه الميهي إلى أن يحدد نقطة الانطلاق والاستمرار والختام، لمسيرته في عالم كتابة السرد والسيناريو والإخراج في العقود الأخيرة من القرن العشرين، أي قرن السينما في العالم، وبعيداً عن مسألة البدايات الصامتة والناطقة وتشابكها مع فني المسرح والاسكتش، ومرحلة المقتبسات وتوظيف فنون الفرجة والأداء الاستعراض والغناء، ومن ثم تبدي تياراتها: الواقعية والتاريخية والرومانسية، وأنواعها من مداخل الكوميديا والتراجيديا وسواها. بالإضافة إلى ظهور جيل من المخرجين ترسخت أدواتهم الفنية وتعاملهم التقني، ما جعل الصورة السينمائية تحمل لغة في فنها البصري يتجاوز تحريك الكاميرا وإدارة المخرج واختيار أو تصميم الأمكنة بجعل الموضوع والحبكة والربط من صميم الصناعة الفيلمية – إذا جاز التعبير- ما بين مرحلة الستينيات والسبعينيات ومنهم على سبيل المثال صلاح أبوسيف ويوسف شاهين، ومن ثم مرحلة الثمانينيات والتسعينيات، على سبيل المثال عاطف الطيب وداوود عبدالسيد. وأقول تنبه الميهي إلى أن يحدد نقطة الانطلاق والاستمرار والختام، تتجلى عبر ثلاثة مداخل تمكننا من قراءة سينما الميهي نفسه، وهي: السينما الروائية، وتمكين الممثل، ومخرج التفاصيل. بقدر ما يضعنا الوهم بأنها مداخل ممكنة لتجارب أخرى غير أن ما حقَّقه من أفلام تضع الميهي في منعطف مهم من مراحل لغة الصورة السينمائية، على اعتماد تلك الأفلام الموضوع والقيمة والمعالجة، فقد استطاع تخصصه في الأدب ودراسة أجناسه المتعددة من فهم آليات الكتابة السردية إذ تحقق ذلك في كتابته سيناريو أفلام الآخرين وأفلامه من بعدها. كما أن كتابة السيناريو للآخرين من المخرجين، بوصف السيناريو «قائم على لغة التكثيف بدل الإطناب، والدقة والوضح بدل الغموض والحبكة بدل التفكك» - الرياحي، 2014، ص: 302-303-، منذ أول فيلم مع المخرج سيد عيسى «جفت الأمطار» 1966، ثم مع المخرج كمال الشيخ في ثلاثة أفلام «غروب وشروق» 1970 «شيء في صدري» 1971 «على من نطلق الرصاص» 1975، وعلي بدر خان «الحب الذي كان» 1973، وسعد عرفة «غرباء» 1973، وعاطف سالم «أين عقلي» 1974 جعله مخرجاً قيد التمرين. ومن بعدها انطلاقه ليس في كتابة القصة والسيناريو والحوار، والإخراج، بل الإنتاج، من حيث انه استطاع رسم مسيرته تحت مفهوم «المسؤولية الثقافية»، مثلما اتبع ذلك المخرج يوسف شاهين، منذ أول أفلامه التي أنتجها –مع الكتابة والإخراج- أي «الأفوكاتو» 1983. التمثيل في عين الميهي لقد أدار الميهي أفلامه مركزاً على القصة والصورة وإدارة الممثل النوعية، فقد ظهر ممثلون وممثلات في أفلامه بصور تشخيصية لم يسبق أن وضعوا فيها. ولعل من هؤلاء الممثل عادل إمام والممثلة إسعاد يونس في فيلم «الأفوكاتو» 1983 من حيث أنه بلور شخصية الممثل الكوميدي في شحن الحوار بلغة التضاد وعكس التوقع والسخرية الحادة على عكس التقاليد، في كوميديا الحركة والموقف والشكل، التي رسخها كل من توجو مزراحي «1901- 1986» وممثله شالوم «1900-1948»، وفطين عبدالوهاب «1913- 1972» وممثله إسماعيل يس «1912- 1972»، وسمير سيف ونادر جلال وممثلهما عادل إمام. إذ يلخص مشهد المحاكمة في فيلم «الأفوكاتو» الذي أدير ببراعة بين مرافعة المحامي حسن سبانخ - عادل إمام - وإفادة أو شهادة الزوجة المزيفة عصمت إسماعيل -إسعاد يونس - حالة فريدة في لعبة إسقاط تضرب المحرمات ببعضها عبر موضوعات مختلفة في الدرجة لا النوع أي موضوع التلاعب بعقد النكاح، وفضح الأجهزة المخابراتية كل هذا على طريقة السرد التخييلي الذي يستمد الإيحاء من سرديات شهرزاد حيث استخدم احدى حركات سيمفونية شهرزاد لريمسكي كورساكوف التي استخدمت في حلقات مسلسل ألف ليلة وليلة سواء في الإذاعة أو التلفزيون وارتبط صوت الراوية بالممثلة زوزو نبيل. وحين نرى من الممثلين يوسف داوود ومحمود عبدالعزيز والممثلة معالي زايد في مشهد غرفة العمليات والمشرحة «سمك لبن تمر هندي» 1988 من حيث سيولة السخرية حول طرق التعذيب في الأجهزة الأمنية وتلفيق التهم كالتجسس والإرهاب لأفراد لا يحملون أدنى مؤهلات التجنيد الأمني، ولعبة التخييل بين تلك الغرفتين لكونهما مفتوحتين على احتمال كاذب عن الموت والعالم الآخر الذي يختبر حواس المعيشة والأوهام! وبالطبع، دون تجاهل المدلول الواضح للتضاد الساخر بين الاسم والوظيفة لكل من الضابط ملاك - يوسف داوود - والعاطلة المخطوبة قدارة - معالي زايد -! لقد استنفد الميهي طاقة داوود وزايد في أداء لم يظهر سوى في فيلم لاحق للثلاثة أيضاً «سيداتي آنساتي» 1989 بينما تتمظهر التلقائية وإنما بروح أكاديمية بارعة عند محمود عبدالعزيز الذي أجاد في تكريس اللغة السينمائية الميهية وإنما في عنصر الأداء المقنن للحركة والكلام والإيماء. وفي هذا الفيلم تظهر براعة معالي زايد وعبلة كامل في مشهد الطلاق في الحمام «سيداتي آنساتي» 1989 على أن عبدالعزيز ظل مكسور الأداء لعدم التناسب في إيقاع الحوار وثنائية الكاميرا والسبب عائد إلى كسر تزامن التوليف على أن أداء زايد بمساندة كامل حقق للمشهد نكش موضوع القوامة من الناحية الأخلاقية لا من الناحية السلوكية وهو ما عرَّض الزوج الذي يعمل فراشاً في مصنع بدرجته العلمية العالية في الفيزياء أي الساعي محمود عبدالبديع - محمود عبدالعزيز - إلى أنه لا يستوعب لغة الأخلاق والقانون والشرع والحقوق التي تدلي بها المستشارة القانونية درية - معالي زايد -. ويمكن استذكار مشهد اكتشاف الخطيئة – المتوهمة بالطبع - كما أنها لعبة شديدة الذكاء في سرد فيلم يتخيل الكذب كما يتوهم الحقيقة بين زوجين فقيرين من طبقة دنيا ادعيا طلب بنوة أب ثري غافل عن كونهما زوجين ما جعله يتوهم جريمتهما التي تولف بحسب رسم المشهد الذي تحول إلى قلب الصعيد حيث أعراف حفظ العرض بغسل العار من الدنس بين استذكار مشهد من فيلم «شيء من الخوف» 1969 واسترسال أغنية «يا عيني ع الوله» - عبدالرحمن الأبنودي، بليغ حمدي - بصوت بطلة الفيلم فؤادة - شادية - وعتريس - محمود مرسي - وموتيف شفيقة ومتولي الذي يوحي من جهتين بالسيرة الشعبية لرجولة متولي غاسل عار أخته الخاطئة واستدعاء في الذهن صورة سعاد حسني لإسقاطها على شريهان. إنها لعبة الموتيفات التي يتقنها ببراعة الميهي حيث يضفرها ببعض كأنما يجنح إلى «التعميق الأنثروبولوجي» للإنسان والطبيعة والكون معاً من خلال لعبته التي وإن باشرت قضايا العصر غير أنها تغوص عميقاً في المعاني المضمرة لمفاهيم المجتمع حول القيم والأفكار والمبادئ. دون تجاهل لعبة الأسماء الغريبة حينما منح ابنيه اسميهما الجديدين سر من رأى -شريهان -، وميت فل - هشام سليم - مداراة لاسم أطلقته زوجته الراحلة على ابنه خيبتك يا - أشرف عبدالباقي - الذي تحول إلى سائقه الخاص! ولعل من المشاهد الراسخة مشهد قتل الزوج في فيلم «تفاحة» 1996 الذي أداه كل من ماجدة الخطيب وليلى علوي وعلاء ولي الدين الذي هو استعادة ساخرة من فيلم «الأرض» 1970 ليوسف شاهين في مشهد تصدي الفلاح محمد أبو سليم ومن ثم سحله لإبعاده عن أرضه. فقد استطاع الميهي التوليف الغريب بين انتشار قتل الزوجات لأزواجهن بالساطور، واستماتة الفلاحين في الدفاع عن أراضيهم وزراعتهم! يتوازى هذا مع مشهد المحاكمة في فيلم «الأفوكاتو» الذي يولف بين مشهد انتهاك المحتجزين سياسياً في فيلم «الكرنك» 1978 بوصفه استذكاراً تخييلياً وبين قانون «بيت الطاعة» الذي سقطت فيه زوجة زوِّجتْ مرتين الأولى شرعاً والثانية تزويراً! هذه اللغة السينمائية التي تكرس مقولة أن «العدالة كرتون والحرية كذبة»! على أن تلك المقولة التي أطلقها عاصي الرحباني في مسرحية «لولو» 1974 تجسدت في خيبة البطلة لولو السويعاتية الملفق لها حكم حبس مؤبد خرجت منه بعد 15 سنة لتنتقم فواجهت فساداً لا يقاوم. كما أنها - أي تلك المقولة بحسب الميهي - تفكك اصطلاح «سينما المؤلف» القائم على توافق بين الكتابة السردية والفيلمية، التعادل بين لغة القراءة والإبصار، أي «إن افترضنا أن السيناريو أدب، فهو أدب التحكم في الزمن، إذا ما استحضرنا علاقته الرحمية الوجودية بالسينما. وهو أدب الاقتصاد في الكلمة، فالكلام في السيناريو المكتوب بحساب، وليس هناك من كلمة إلا وتنتزع شرعية وجودها من بنية السيناريو نفسه، ويترك غيابها فجوز معرفية وجمالية» «الرياحي، 2014، ص: 303». فإنه يمكن النظر إلى مشهد تبرئة الخاطئة بسنت – التي هي أيضاً الخالة فكيهة.. ماجدة الخطيب - في الحجز من فيلم «ست الستات» 2001 بين المحامي - حسن حسني - وبينها. في هذا الحوار يلعب على تركيب الشخصية المتناشز بين حقيقتها وبين واقعها الآخر. إن الذي دفع بكل هذا هي عودة ابن الأخت المغترب - ماجد المصري - الذي رأى بيت أسرته تحول إلى بيت خطيئة تديره خالته فكيهة التي صارت بسنت. إنها القيم حين يستنكر انهيارها يعتاد على انقلاب معانيها نحو النقيض! الإخراج صناعة الفرجة تواصلت أفلام الميهي بحسب مواضيعها وشخصياتها غير أن لعبة عند الميهي تجعله يكرس من أدوار ثلاثية محورية إما تكون دافعاً لتحريك الصور والأحداث، وإما لتكريس المقولات التضادية المرسلة بقوة في المشاهد. إذا رأينا في فيلم ثنائية ظاهرة لكل من عادل إمام ويسرا التي فضحت في هذا الفيلم لكونها ممثلة محدودة القدرات والوجود، بأن تصدرت إسعاد يونس الصورة بأدائها الذي أتقن صناعته وتقويته الميهي الذي كشف عن طاقات هائلة لشخصية متعددة المواهب مثيل الميهي، وإنما في الكتابة والإعلام السمعي والمرئي والتمثيل، ولعله تبدى ذلك في كتابة وتمثيل مسلسل «بكيزة وزغلول» 1986، ثم تحويله إلى فيلم «ليلة القبض على بكيزة وزغلول» 1988 على أن الأداء التمثيلي لها اتخذ مراحل متفاوتة لاحقاً من بعد «الأفوكاتو» 1983، في فيلم «فوزية البرجوازية» 1985، وفي بعض الأعمال التلفزيونية والمسرحية، حتى الأداء الناضج اتضح في فيلم «عمارة يعقوبيان» 2006 فلن يمحى من ذاكرة السينما خصوصاً بأنها تفوقت على نفسها وكشفت تطوراً هائلاً في تركيبة الشخصية حتى فاقت قدرات عادل إمام نفسه! إن الاستنتاج هنا يضع المخرج في قلب المسؤولية الثقافية في رسم الشخصية وحسن الاختيار وإدارة الممثل، فإنه إذا أمكن القول بأن تاريخ الغناء العربي هو تاريخ الملحنين، يمكن أن نقول ذلك في تاريخ السينما بأنها تاريخ المخرجين. إن «السينما التي تستحق هذا الاسم – أي تاريخ المخرج - ونعني بها مرحلة الثمانينيات التي شهدت ولادة تيارين جديدين وترسخهما، كانت بذورهما موجودة على أي حال في رحم المراحل السابقة: تيار الواقعية النقدية الذي نهل من صلاح أبوسيف ومن اللغة الدينامية للسينما الأميركية الجديدة، وتيار السينما الذاتية التي يبدع فيها المخرج، انطلاقاً من ذاته، أعمالاً شاعرية حميمة ولافتة» -العريس، 2014، ص: 186-. إذن، يمكن القول بأن سينما الميهي هي سينما ذاتية، في اختيار مواضيعه وأزمنتها، وشخوصها وإدارتها، وأسلوبها وتفاصيلها. على أن تعدد الممثلين والممثلات، أدى إلى خلق تلك الثنائيات الظاهرة على الصورة، لدواع تسويقية وإعلامية، مثل: عادل إمام ويسرا، ومعالي زايد ومحمود عبدالعزيز، وليلى علوي وماجد المصري، ثم مع ممثلين جدد في مطلع الألفية الثالثة بعضهم لم يوفق في تواجده الثقافي سواء في السينما أو التلفزيون أو الإذاعة لأسباب ليس مجالها المقالة هذه. ولكن تمكن الميهي من جعل ممثل ثالث رمانة الميزان الأساسية لا في تحريك الأحداث وشخوصها وإنما في إحداثية زمنية تتحول إلى موشور سريع الحركة في تفكيك الأفكار والقيم والمبادئ التي تتمظهر في صورة سلطة الأب أو سلطة الضابط، ودائرة الأجهزة الأمنية أو محيط الأسرة، وتهشيم فساد تفسير مصطلحات، معجم الميهي السينمائي، كالزواج والقوامة والحكم والأمن والشراكة والأبوة والبنوة والمساواة والعدالة والحقوق والحرية. إن تلك الشخصية الثالوثية – إن جازت التسمية - تتمثل في أدوار كل من إسعاد يونس ويوسف داوود ومخلص البحيري وماجدة الخطيب في الأفلام التي توضع تحت اختبار بين الصراع والحبكة والاختفاء المقنن. هذه الشخصية استقطابية بامتياز في أدوارها التي تجعلها مرة ضحية وأخرى جلادة يرتفع صوتها وحضورها على الآخرين، فهي شخصية عصمت أخت الزوجة التي يستغلها المحامي في قضايا الدفاع عن التجار النصابين والمحتالين «الأفوكاتو» 1983، وهي شخصية الضابط ملاك الغارق في نظرية المؤامرة في فيلم «سمك لبن تمر هندي» 1988، وهي شخصية محجوب مساعد المدير الوصولي الذي أغرى مديره بزواج الأربع والاستقالة من إدارة المصنع في فيلم «سيداتي آنساتي» 1989. وهي شخصية الخال الذي وجد نفسه مصادفة تتجدد خؤولته بلا طائل في فيلم «ميت فل» 1995، والوزير المندهش من إدارة موظفين مجانين في فيلم «تفاحة» 1996، والخالة الفاقدة الذاكرة أو المستمرئة دورها الآخر في فيلم «ست الستات» 2001 وهكذا. من الكوميديا إلى ما بعد الكوميديا جنح الميهي إلى حالة من الكوميديا تذهب إلى ما يتعدى القصة والحوار أي السرد المتنافر بين تناقض عالمين متصلين ومنقطعين في آن، عبر فيلمين «سمك لبن تمر هندي» 1988 و»قليل من الحب كثير من العنف» 1995، ولكون طابعهما تجريبياً فهو توسل فيهما بالاستشراف، فمن الغرق في عالم المؤامرة عند أجهزة الأمن والبراءة في حاجات المواطن في الأول، إلى التلوث بين عالمين أو طبقتين متناقضتين أي انهيار الأخلاق وصعود المنفعية بالتخلي عن المكاسب المشروعة نحو المكاسب المسروقة في الثاني. يتسم كلا الفيلمين بحالة من السواد تبعاً إلى متغيرات اقتصادية وسياسية في عصر مضطرب هو عصرنا الذي لا يهدأ من الصراع على الإنسان والأرض والمستقبل. ثمة قوى تسيطر وتدير اللعبة بأجهزة التحكم عن بعد تجعل من المآسي ذرائع لتحقيق الأهداف على حساب إنسان المنطقة، وهو ما حدا بالميهي إلى أن يكمل مسيرته لاحقاً لإنجاز ما تبقى من جعبته حول تفكيك قيم السلطة وأفكار الفساد في المجتمع غير أنه دخل في إطار يستعيد بعض المواضيع مجدداً على شخصيات مستجدة هي ذاتها تكرار للآخرين في فيلمين «علشان ربنا يحبك» 2000 وفيلم «شرم برم» 2001 بينما ترك من بين ما ترك مشروعين أعدهما ولم يخرجهما بعد «سحر العشق» من روايته الصادرة عام 2009، والثاني «اعترافات زوجية» على أنه أنجز على المستوى الإنتاجي «يا دنيا يا غرامي» 1995 من إخراج مجدي أحمد علي؛ الذي يؤكد أن الميهي مدرسة سينمائية راسخة جداً. لقد صاغ الميهي مجمل أعماله وشخصياته مرتكزاً على عوامل ثلاثة: الأول، ذاكرة سينمائية قوية تدرك منجزات تاريخ السينما العربية – أو المصرية سيان -، والثاني، استيعاب عميق لجذور الثقافة العربية سواء في تراثها الثقافي من فنون القول والأداء والحركة - الأغاني والسير الشعبية والأساطير -، والثالث: فرادة لغة سينمائية تجعل من الصورة معشقة بالكلام والحركة دون إخلال يتكئ على ترقيع التوليف بالقطع أو التمليل بكسر الإيقاع واختلاله! وأقام على هذه العوامل عناصره الأساسية أي ثلاثية الصورة والأدب وإدارة الممثل، وفي الآخر لا أظن أنها كافية تلك الثلاثة مداخل حين تمكننا من قراءة سينما الميهي نفسه، وهي: السينما الروائية، وتمكين الممثل، ومخرج التفاصيل. إن الميهي عقد تعاهداً على صعود حس العدالة على مستوى الأسرة أو المجتمع بشكل عام، وتمكن من تحقيق أفلام لا يمكن تجاهلها من تاريخ السينما كما لا يمكن التذكر لمرحلة سينما المخرج أو المؤلف دون أن يكون على رأسها. إنه رأفت الميهي.. ذاكرة من سينما!
مشاركة :