«عبدالله ناس... مسيرة متواصلة من الكفاح إلى النجاح»

  • 7/28/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تُصادف اليوم الثلثاء (28 يوليو/ تموز 2015)، الذكرى الثانية لرحيل الوجيه وصاحب الأعمال المغفور له عبدالله أحمد ناس، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الأحد (28 يوليو 2013)، الموافق (19 رمضان 1434هـ)، بعد سنوات من العمل المليء بالتحديات والصعوبات، والعصامية المُلفتة للنظر، والنجاح مُنقطع النظير، من دون أن ننسى دوره في العمل الخيري والإنساني. كتاب «عبدالله ناس... مسيرة متواصلة من الكفاح إلى النجاح» الذي كتبه هيمانت جوشي، وتولَّى ترجمته أحمد العطَّار، يسلّط الضوء على جوانب من شخصية الوجيه ناس، ويتتبَّع البدايات والنجاحات التي حققها بعد سنوات من العناء والاغتراب، بكثير من الصبر والتأني والحكمة، والتعريج على مراحل لم تخْلُ من تراجع وخسارة بداية تأسيس مشروعه المستقل والأول في البحرين. في أحد المستشفيات الخاصة بمملكة البحرين، وتحديداً في منتصف تسعينات القرن الماضي، قُدِّر لكاتب هذه المراجعة أن يلتقي أحد أصحاب الأعمال، ومن العائلات البحرينية الكريمة والكبيرة: محمد بن راشد الجلاهمة. كان الحديث عن طرف من كبار تجَّار البحرين الذين بدءوا نشاطهم في صورته الأولية من خارج بلادهم، وبدأ الحديث بهجرة البحرينيين عموماً للعمل في دول الخليج، بما عرف عنهم من طموح وهمَّة ونشاط وصبر، طلباً للرزق الحلال، ليقودنا الحديث إلى أسماء بحرينية بدأت من الصفر لتصبح من الأسماء الكبيرة والفاعلة في الحركة والنشاط الاقتصادي في بلادها، ومساهمة في عملية التنمية الشاملة في بلادها، امتداداً إلى دول الخليج العربي. كان من بين تلك الأسماء، الوجيه وصاحب الأعمال الراحل عبدالله أحمد ناس، الذي وجد في الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية، أرضية خصبة ومناسبة لانطلاقته الأولى في عالم المال والأعمال. كان حديث الجلاهمة في جوانب كثيرة منه مليئاً بالإعجاب والفخر والاعتزاز. عادة ما تكون البدايات بطيئة. في كل شيء تقريباً. في عالم المال والأعمال خصوصاً، الأمر يحتاج إلى صلابة وطول نَفَس لا يتأتيان لأي شخص. حقق ذلك الوجيه عبدالله أحمد ناس، وأثبت أنه بالإمكان أن تملك رأس مال، ولكن ليس بالضرورة أن تكون صاحبَ أعمال ناجحاً، وقد لا يتوافر لك رأس المال، ولكن ليس بالضرورة أن تستسلم لذلك، مادمت أنت رأس المال الحقيقي، وبإرادة يمكنها أن تصنع المستحيل. في مقدمة الكتاب التي جاءت بقلمه، يذكر الوجيه ناس ذلك الذي بَدا أنه مستحيل. كلمة وجَّهها إلى شباب بلاده، في استنهاض منه للهمم والطاقات التي يملكونها، وضمن ظروف وعوامل لابد من العمل على تحقُّقها والاستعداد للصعوبات التي تكتنفها «أن يستنهضوا ما بداخلهم من إمكانات وطاقات هائلة قادرة على صنع المستحيل، حينئذ لن ينقصهم سوى الإيمان بالقدرة على تغيير الواقع، وتحقيق النجاح والتميُّز؛ بغضِّ النظر عن الظروف المعاكسة المحيطة بهم». في المحرق كانت النشأة في أُسرة متوسطة الحال، ولد عبدالله أحمد ناس في مدينة المحرق. قُدِّر لوالده أن يحترف مهنة المحاماة. قبل ذلك كان مديرَ أعمال لأحد الأثرياء ممن يملكون أسطولاً من السفن، يوم كان اللؤلؤ هو الثروة الرئيسة وعصب الدخل للدولة وكبار التجَّار. بدأ بمصروف لا يتجاوز الروبيتين يتلقَّاه من والده. هو كافٍ للطعام. قبل سبعين عاماً كانت علاقته بالدرس الأول: بالتعليم. كان في الرابعة من عمره، ولا شيء غير «المطوَّع» نافذة يُطل عليها الناس لأخذ شيء من المعرفة. ليس مثل كثيرين أيضاً ممن لا يتردَّدون في الادَّعاء بأنهم كانوا من الطلبة المتفوقين. وتلك هي ميزة ناس «لم أكن تلميذاً متفوقاً، بل كنت في المستوى المتوسط». في بيئة لم يكن فيها من التشدُّد مثل الذي نعرفه اليوم، في كثير من بيوتات البحرين، وُلِدَ، وكانت الحياة متوسطة. لم تكن فقراً مدقعاً، في الوقت الذي لم تكن ترفاً وبذخاً. ومن المطوع إلى التعليم الفني والصناعي، والتدريب بورشة إصلاح سيارات، وكان في الثانية عشرة من عمره، أهَّلته تلك الخبرة والممارسة للالتحاق بشركة نفط البحرين، وهو في سن الخامسة عشرة. يختصر تلك الانتقالات في التعليم الذي كان مُتاحاً في تلك الفترة، بأنه وفَّر له أيضاً أن يقولَ بثقة «درستُ في أعرق الجامعات العالمية»، ويعني بذلك الحياة، وهو مُحقٌّ في كثير من ذلك. محطات كثيرة، ومع كل محطة تنصهر شخصية ناس، وتتعمَّق خبراته، ويترسَّخ لديه الإحساس بالمسئولية. السفر إلى السعودية في منتصف المرحلة الثانوية، توافرت للمغفور له عبدالله أحمد ناس معرفة ضرورية وكافية بمبادئ اللغة الإنجليزية والرياضيات، وبما تمتَّع به من حسٍّ في الملاحظة والتجريب، وفطرة طُبع بها. شدَّ رحاله إلى مدينة الخُبر في المملكة العربية السعودية، لمعرفته بمقاول هناك كان يبحث عن مساعد له، على دراية باللغة الإنجليزية. وعن تلك المرحلة، ومن خلال ندوة أقامتها الجمعية البحرينية للشركات العائلية بتاريخ 12 يونيو/ حزيران 2010، قال ناس: «بعد الثانوية الفنيَّة في البحرين، سافرتُ إلى الخارج لاستكمال دراستي الجامعية. نعم، فليس أولادي فقط هم الذين تعلَّموا في الجامعات الغربية. أنا أيضاً تعلَّمت في أعرق الجامعات العالمية. إنها جامعة الحياة، فلقد كان السفر إلى المملكة العربية السعودية، واكتساب الخبرة بمثابة الدراسة في جامعة كبرى، ولكنِّي لم أتخرَّج حتى الآن، فأنا مازلت طالبَ علم في جامعة الحياة (...)». مُؤلف الكتاب جوسي، يُجمل الأسباب التي تكمن وراء نجاح عبدالله ناس، في ثلاث كلمات بحسب ما ورد في الكتاب: توجُّه عقلي إيجابي «ذلك الإطار العقلي الإيجابي الدائم الذي ارتقى به من بداية بسيطة إلى أعلى درجات الشرف والسمو التي أحرزها اليوم. إن عبدالله من الطراز الذي أبداً لا يشتكي من شوْك الورد، بل يبتهج بالورود، على رغم الشوك الذي قد يُدمي يديه. إن لديه إيماناً راسخاً بأنه إذا ما هوى من جرف عالٍ فلن يحزن على ما فاته، فلم يكن لديه في البدء شيء ليخسره، ولكنه سرعان ما يحاول النهوض من كبوته، والتحليق ثانية عالياً في السماء». خبرة «العطاءات» و «أرامكو» في شركة النصر التي كان يملكها مقاول سعودي وتضمُّ خمسة وسبعين عاملاً، تعمَّقت خبرات الوجيه ناس، بإسناد شركة أرامكو معظم الأعمال إلى الشركة التي يعمل لديها. تلقَّى تدريباً على إعداد العطاءات وتسعيرها أتاحته «ارامكو». ست سنوات قضاها في السعودية، وكانت مليئة بالعناء «كنت أعمل في مواقع العمل لمدَّة ثماني ساعات طوال ساعات النهار، ثم أقوم بالعمل لمدَّة أربع ساعات أخرى في المساء للقيام ببعض الأعمال المكتبية. لقد كنتُ في آن واحد، ساعياً للمكتب، ومسعِّرَ عطاءات، ومهندساً، ومحاسباً، ومديراً. كل تلك الوظائف والمهام كنت أقوم بتأديتها في آن واحد، كما كنت مسئولاً عن تسليم أجور العمَّال (...)». ذلك التفاني في العمل، والجدّ فيه، والحرص عليه وكأنه المالك، أتاح له ثقة وتقديراً من مالك الشركة السعودي؛ الأمر الذي وجد فيه المالك أن أفضل مكافأة على جهوده وإخلاصه هي في جعله شريكاً. كان وقتها في الحادية والعشرين من عمره. أتاح له وضعه الجديد العمل لست سنوات أخرى في السعودية، ليقرِّر العودة إلى وطنه (البحرين) في العام 1962، ليبدأ عمله الخاص، بعد أن اكتسب خبرات عميقة وفي مجالات وتخصُّصات عديدة، مكَّنتْهُ من البدء في مشروع يُحكم السيطرة عليه، ويأخذ به إلى التوسُّع الذي شهده نشاطه التجاري في ما بعد، بوصول تلك الشركة اليوم إلى عشرات من المؤسسات والمصانع، وكذلك الشراكات في مشاريع ضمن حصص مهمَّة. وبالعودة إلى ما تناولته صحيفة «الوسط» في اليوم الثاني من وفاته، هنالك تعريج على تلك الفترة التي بدأ فيها شركته بعد عام من عودته (مؤسسة عبدالله أحمد ناس للمقاولات) «وتوسَّعت الشركة بمرور السنوات بإنشاء المصانع مثل مصنع غسل الرمل في العام 1977 والخرسانة الجاهزة، وناس للخدمات الصناعية في العام 1978، وشركة تأجير الرافعات والسقلات (ناس سافكوم) وشركة ناس للأغذية في العام 1986، وشركة (ناس التجاري) العام 1986، ومصنع لتحلية الماء والثلج وغيرها من الشركات. وكلَّل المرحوم قصة النجاح بتحويل مجموعة من الأنشطة إلى شركة مساهمة عامة طُرحت للاكتتاب العام في العام 2005؛ لتكون أول شركة عائلية بحرينية تتحول إلى شركة مساهمة عامة، وتُدرْج في بورصة البحرين، بعد أن لاقت أسهم الشركة إقبالاً كبيراً، وخصوصاً من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي؛ ما يؤشر على رؤية المرحوم العميقة والواسعة. وشكَّل نجاح تحوُّل شركة ناس إلى المساهمة العامة قصة نجاح بارزة في الشركات البحرينية شجَّعت الآخرين على الحديث عن التحول بعد أن استقطبت 12 ألف مساهم، وأدارت أعمالاً بعشرات الملايين من الدنانير، ووظفت آلاف العمَّال والموظفين». لم تكن البدايات سهلة هنا يتذكر المغفور له عبدالله أحمد ناس أن طريق تأسيس عمله الأول في البحرين لم يكن مُعبَّداً؛ إذ كانت المنافسة على أشدِّها «جميع المقاولين الكبار على الساحة، كانوا يمارسون نشاطهم حينذاك. كانت شركتي تكافح، وكنا نحاول أن نكبر. كنا نتراجع ونخسر، وسرعان ما ننهض ونربح، وهكذا ظل الحال لسنوات ليست بالقليلة». وكانت نقطة التحوُّل في العام 1967 للمؤسسة؛ إذ في ذلك العام «حصلت شركة جورج ويمبي، وهي شركة مقاولات بريطانية كبرى، على مشروع ضخم من شركة ألبا. كان مشروعاً لتنفيذ أعمال تشييد مصنع ألمنيوم في البحرين، ولقد استطعنا الفوز بعطاء عقد فرعي من شركة ويمبي»، لتمتد الأعمال إلى تطوير الخدمات المشتركة (JSD) لصالح القوات البريطانية، وبمحصلة أعمال بلغت وقتها 160 مشروعاً صغيراً ضمن المشروع الرئيسي لـ (JSD). الكتاب توقف عند محطات ثرية وغنية بالتجارب والخبرات التي تمتع بها المغفور له عبدالله أحمد ناس. ومع تعدُّد الأنشطة التجارية والصناعية التي أنشأها الراحل، تصعب الإحاطة بكل ذلك؛ لكن الوقوف على بدايات ناس المليئة بالمشقة والصعوبات، تنبئ عن شخصية استثمرت الإمكانات والطاقات التي كانت متوافرة له، مع إرادة صلبة تسعى إلى أهدافها بكل إصرار وتحدٍّ وثقة، حقق بها ومن خلالها، تلك المجموعة من الشركات والأعمال الناجحة التي تجاوزت في حضورها البلد الأم، امتداداً وتوسُّعاً إلى دول الخليج. كما توقف الكتاب عند إحساسه الكبير والعميق بالمسئولية الاجتماعية، وكانت مشاريعه الخيرية، ومساندة الطبقات المحتاجة والفقيرة، حاضرة في كثير من قرى ومدن البحرين، من دون آلة إعلامية مهووسة بتسليط الضوء على تلك المواقف والأدوار. ملاحظات لابد منها على الكتاب عنوان الكتاب يبدو تقريرياً للوهلة الأولى ومباشراً، لسيرة رجل لم تكن بداياته سهلة، ولم يكن الذي حققه سريعاً ويسيراً أيضاً. بقراءة كتاب «عبدالله ناس... مسيرة متواصلة من الكفاح إلى النجاح»، لا تقف على فارق في اللغة التي كُتب بها، أو التناول الذي يكشف عن كاتب صاحب خبرة؛ أو كاتب له خبرة وتجربة في مجال وحقل كتابة السيَر الذاتية خصوصاً، فلذلك الفن كتَّابُه والمختصون أيضاً. يتضح ذلك، أو شيء منه من خلال الترجمة التي يمكن أن يقال عنها بأنها غير فارقة، ولم تخْل من ركاكة وأخطاء إملائية ولغوية أيضاً، وأحدثت نوعاً من التشويش والانفصال لدى القارئ، في محاولة منه لجمع خيوط مسيرة رجل عصامي، وواحد من أكبر أصحاب الأعمال ليس في مملكة البحرين وحدها؛ بل في منطقة الخليج العربي، وما بعدها أيضاً. بمكانة الراحل، كان يمكن التأنّي بإسناد كتابة السيرة أساساً إلى أحد الأسماء المعروفة والحاضرة. أتكلَّم عن الكتَاب بلغته الأصلية (الإنجليزية)، وكان يمكن تدارك ذلك، بإسناد ترجمة الكتاب إلى أحد الأسماء المعروفة أيضاً، إن لم يكن على المستوى العربي، فعلى الأقل على مستوى دول المنطقة، إذا تم تجاوز البحرين، وفيها من الكفاءات ما يمكن أن يُبرز العمل في صورة أروع وأكثر رصانة وجذباً للقارئ. ربما قُدِّر لهيمانت جوشي، أن يعمل مع الراحل ناس، وأن يكون قريباً منه، لكن هل يكفي ذلك ليكون كل ذلك مفاتيح للتمكُّن من كتابة السيرة؟ هل القرب من شخص هو بالضرورة ضمان نجاح مثل تلك الكتابة؟ لا أحد يقول بذلك إطلاقاً. أن تعرف الرجل ولديك حكايات وتجارب عنه، شيء، وأن تستطيع التعبير عن الرجل والتجارب التي خاضها، والمراحل التي مرَّ بها، بعيداً عن اللغة التقريرية والمباشرة، شيء آخر. يُذكر، أن مؤلف الكتاب، حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال، وزمالة معهد المحاسبين لمحاسبة التكاليف والإدارة من بريطانيا. كما حصل على شهادة في القانون، ومُسجَّل كخبير في مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأستاذ ممارس ومعتمد عالمياً في البرمجة اللغوية العصبية.

مشاركة :