لا عودة إلى الوراء

  • 9/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

غراهام بيبلز *الأشهر الستة الماضية وما تبعها كانت غريبة، وربما لم يسبق لها مثيل. فقد كانت الفوضى عنيفة وبدرجات متفاوتة من الخطورة، وسيتذكرها بلا شك معظم الناس. فبعد ظهور كورونا، تم فرض عمليات إغلاق واسعة النطاق بطريقة مبالغ بها في العديد من البلدان، ولفترة وجيزة، ساد الصمت في البلدات والمدن في جميع أنحاء العالم. وأُجبرت مجموعات سكانية بأكملها من أوروبا إلى نيوزيلندا ومعظم النقاط الواقعة بينهما على التوقف عن «الخروج» والتواصل الاجتماعي، وتقليص رغباتهم المعتادة في التسوق وتغيير أنماط عملهم. كل ذلك أدى إلى تفاقم القلق الموجود مسبقاً، وكذلك إلى الاكتئاب، وهدد بالانهيار الاقتصادي. المساحات النادرة التي ظلت مفتوحة خلقت فرصة للتفكير في كيفية العيش في هذا النمط الجديد من الحياة، وانتشر شعور بالأمل بعد الجائحة بين المتفائلين متسائلين: هل يمكن أن تتغير «الأشياء» نحو الخير أخيراً، وهل ستظهر إدارات حكومية تحمل معها مواقف جديدة تجاه الخدمات العامة، و«العمال الرئيسيين» - الذين أصبحوا فجأة أبطالاً - والبيئة وأنظمة الرعاية الصحية الوطنية، واللاجئين والعمال المهاجرين. يأمل الكثيرون ذلك في مثل هذه الطفرة التي طال انتظارها، ولكن مع بدء البلدان مؤقتاً الخروج من ظل كورونا، فإن الخطاب السياسي وخطاب الشركات كان محبطاً. فالديون الوطنية ضخمة، والركود الاقتصادي كبير، والسياسيون قلقون ويفتقرون إلى الرؤية، ورجال الأعمال مهتمون بالبقاء وتحقيق المزيد من الربح، يتحدثون مراراً وتكراراً بشكل يائس عن العودة إلى الوضع الطبيعي لإعادة إنعاش الاقتصاد والتعافي السريع. والحقيقة أن الأعمال ليست كالمعتاد، وإذا أردنا مواجهة أكثر القضايا إلحاحاً اليوم، فلا بد أن يكون هناك تغيير حقيقي. لقد بدأ تداول مصطلح «الوضع الطبيعي الجديد» بشكل روتيني من قبل السياسيين وقادة الأعمال والمعلقين هذه الأيام؛ لوصف التغييرات في أساليب العمل - كاجتماعات زووم على سبيل المثال، وأنظمة التعقيم اليدوي في المتاجر، وأقنعة الوجه في وسائل النقل العام. وتدابير الرعاية الصحية التحذيرية. ولكن لا شيء جوهرياً؛ لا شيء من شأنه أن ينقذ الكوكب، ويخفف من التخريب البيئي الذي ترتكبه البشرية؛ ويخلق العدالة الاجتماعية، وينهي الصراع العنيف والعنصرية والمجاعة. والحقيقة أننا لسنا بحاجة إلى «وضع طبيعي جديد»، فالوضع القديم كان متهالكاً ومسمماً «طبيعياً»، وكان يلقي بعباءة من البؤس وانعدام الأمن في كل مكان يوجد فيه. 99.9٪ من الناس حول العالم، والبيئة الطبيعية يطلبون تغييراً اجتماعياً واقتصادياً ثورياً، في المواقف والسلوك، وليس مجرد تعديلات فرضها كورونا في الهياكل والقيم القائمة. وكما قال المؤلف فيليب بولمان: «كل شيء يجب أن يتغير. وإذا خرجنا من هذه الأزمة بكل الهياكل القديمة المتهالكة، فإن أحفادنا لن يغفروا لنا. ولا يجب عليهم ذلك. ويجب علينا القضاء على الفساد القديم، وإنشاء طريقة أفضل للعيش المشترك». ولذا دعونا نحول انتباهنا إلى إعادة تخيل المجتمع والأنظمة التي نعيش في ظلها جميعاً؛ والسماح للانتقال إلى الجديد بشكل خلاق ومتناغم، فهناك حاجة إلى تغييرات جذرية في أنماط معيشتنا، وتشجيع القيم البديلة التي تحرك البشرية في اتجاه جديد تماماً، لإحياء الاقتصاد المريض الميؤوس من شفائه ومتابعة النمو. إن التغييرات في السلوك ضرورية، ولكن الحكومات والسياسات طويلة الأجل والشركات لها التأثير الأكبر، لأن خطاب البعض في مناصبهم قد يكون له صدى، خاصة أن الكل في الواقع ملتزم بالهياكل القائمة، ويؤمن بالأيديولوجية الاجتماعية والاقتصادية السائدة.* كاتب بريطاني مستقل وعامل خيري. أدار مشاريع تعليمية في سريلانكا وإثيوبيا والهند. (موقع كاونتر بانش) الأشهر الستة الماضية وما تبعها كانت غريبة، وربما لم يسبق لها مثيل. فقد كانت الفوضى عنيفة وبدرجات متفاوتة من الخطورة، وسيتذكرها بلا شك معظم الناس. فبعد ظهور كورونا، تم فرض عمليات إغلاق واسعة النطاق بطريقة مبالغ بها في العديد من البلدان، ولفترة وجيزة، ساد الصمت في البلدات والمدن في جميع أنحاء العالم. وأُجبرت مجموعات سكانية بأكملها من أوروبا إلى نيوزيلندا ومعظم النقاط الواقعة بينهما على التوقف عن «الخروج» والتواصل الاجتماعي، وتقليص رغباتهم المعتادة في التسوق وتغيير أنماط عملهم. كل ذلك أدى إلى تفاقم القلق الموجود مسبقاً، وكذلك إلى الاكتئاب، وهدد بالانهيار الاقتصادي. المساحات النادرة التي ظلت مفتوحة خلقت فرصة للتفكير في كيفية العيش في هذا النمط الجديد من الحياة، وانتشر شعور بالأمل بعد الجائحة بين المتفائلين متسائلين: هل يمكن أن تتغير «الأشياء» نحو الخير أخيراً، وهل ستظهر إدارات حكومية تحمل معها مواقف جديدة تجاه الخدمات العامة، و«العمال الرئيسيين» - الذين أصبحوا فجأة أبطالاً - والبيئة وأنظمة الرعاية الصحية الوطنية، واللاجئين والعمال المهاجرين. يأمل الكثيرون ذلك في مثل هذه الطفرة التي طال انتظارها، ولكن مع بدء البلدان مؤقتاً الخروج من ظل كورونا، فإن الخطاب السياسي وخطاب الشركات كان محبطاً. فالديون الوطنية ضخمة، والركود الاقتصادي كبير، والسياسيون قلقون ويفتقرون إلى الرؤية، ورجال الأعمال مهتمون بالبقاء وتحقيق المزيد من الربح، يتحدثون مراراً وتكراراً بشكل يائس عن العودة إلى الوضع الطبيعي لإعادة إنعاش الاقتصاد والتعافي السريع. والحقيقة أن الأعمال ليست كالمعتاد، وإذا أردنا مواجهة أكثر القضايا إلحاحاً اليوم، فلا بد أن يكون هناك تغيير حقيقي. لقد بدأ تداول مصطلح «الوضع الطبيعي الجديد» بشكل روتيني من قبل السياسيين وقادة الأعمال والمعلقين هذه الأيام؛ لوصف التغييرات في أساليب العمل - كاجتماعات زووم على سبيل المثال، وأنظمة التعقيم اليدوي في المتاجر، وأقنعة الوجه في وسائل النقل العام. وتدابير الرعاية الصحية التحذيرية. ولكن لا شيء جوهرياً؛ لا شيء من شأنه أن ينقذ الكوكب، ويخفف من التخريب البيئي الذي ترتكبه البشرية؛ ويخلق العدالة الاجتماعية، وينهي الصراع العنيف والعنصرية والمجاعة. والحقيقة أننا لسنا بحاجة إلى «وضع طبيعي جديد»، فالوضع القديم كان متهالكاً ومسمماً «طبيعياً»، وكان يلقي بعباءة من البؤس وانعدام الأمن في كل مكان يوجد فيه. 99.9٪ من الناس حول العالم، والبيئة الطبيعية يطلبون تغييراً اجتماعياً واقتصادياً ثورياً، في المواقف والسلوك، وليس مجرد تعديلات فرضها كورونا في الهياكل والقيم القائمة. وكما قال المؤلف فيليب بولمان: «كل شيء يجب أن يتغير. وإذا خرجنا من هذه الأزمة بكل الهياكل القديمة المتهالكة، فإن أحفادنا لن يغفروا لنا. ولا يجب عليهم ذلك. ويجب علينا القضاء على الفساد القديم، وإنشاء طريقة أفضل للعيش المشترك». ولذا دعونا نحول انتباهنا إلى إعادة تخيل المجتمع والأنظمة التي نعيش في ظلها جميعاً؛ والسماح للانتقال إلى الجديد بشكل خلاق ومتناغم، فهناك حاجة إلى تغييرات جذرية في أنماط معيشتنا، وتشجيع القيم البديلة التي تحرك البشرية في اتجاه جديد تماماً، لإحياء الاقتصاد المريض الميؤوس من شفائه ومتابعة النمو. إن التغييرات في السلوك ضرورية، ولكن الحكومات والسياسات طويلة الأجل والشركات لها التأثير الأكبر، لأن خطاب البعض في مناصبهم قد يكون له صدى، خاصة أن الكل في الواقع ملتزم بالهياكل القائمة، ويؤمن بالأيديولوجية الاجتماعية والاقتصادية السائدة.

مشاركة :