العراق بين مطرقة أمريكا وسندان إيران

  • 9/10/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد سيد أحمد * تحول العراق إلى ساحة مفتوحة للصراعات الخارجية، خاصة بين أمريكا وإيران، والتي ازدادت منذ بداية هذا العام؛ بعد اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وما أعقبه من حرب بالوكالة، واستهداف للقوات الأمريكية الموجودة فى العراق، وأصبح ذلك الصراع والتنافس بين الجانبين إحدى الإشكاليات الكبرى التي يواجهها العراق.على الرغم من خطاب رؤساء الوزراء العراقيين السابقين الذي يؤكد حيادية العراق، وأنه لن يكون ساحة لتصفية الحسابات، فإنه عملياً على أرض الواقع يمثل الصراع الأمريكي الإيراني أحد ملامح المشهد العراقي، والذى يخبو أحياناً، ويشتعل أحياناً أخرى؛ لكن زيارة مصطفى الكاظمي الخارجية الأولى لإيران ثم زيارته لواشنطن، تطرح التساؤلات حول هل ينجح الكاظمي فى جعل العراق محايداً وينهي هذا الصراع والمأزق المزدوج من البلدين؟ وهل بإمكانه الخروج من تحت مطرقة أمريكا وسندان إيران أم أن تحديات الواقع أكبر من ذلك؟ مطرقة أمريكا منذ سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003 بعد الغزو الأمريكى، والعراق يرزح تحت ضغوط التدخلات الخارجية، خاصة الأمريكية والإيرانية؛ فأمريكا بعد الغزو وسيطرتها على المعادلة السياسية والأمنية العراقية؛ أصبحت لاعباً أساسياً فى العراق، كما أنها تمتلك وجوداً عسكرياً فى البلاد قننته اتفاقات شراكة وتعاون أمني بينهما، وقد شهدت تلك العلاقات والوجود الأمريكي حالة من الشد والجذب؛ تمثلت في قرار الرئيس أوباما في عام 2011 سحب القوات الأمريكية من العراق، وهو ما لاقى انتقادات شديدة عراقية وأمريكية، باعتبار أن ذلك أوجد فراغاً استطاعت إيران أن تسده، وبعد سيطرة تنظيم «داعش» على أراض عراقية في عام 2014؛ تكثف الوجود الأمريكي مرة أخرى تحت مظلة التحالف الدولي؛ لمكافحة الإرهاب وتنظيم «داعش» وبعد هزيمة التنظيم في عام 2018 قامت إدارة الرئيس ترامب بسحب جزء من القوات الأمريكية ثم بعد الهجمات المتكررة على القوات الأمريكية في أكثر من قاعدة، تم إخلاء القوات الأمريكية من معظم القواعد العراقية، وتركيزها في قاعدتي التاجي وعين الأسد. وجاءت زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الأخيرة لوشنطن في إطار استكمال الجلسة الثانية من الحوار الاستراتيجي الذى بدأ بينهما في بداية هذا العام؛ لمعالجة المسارات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والاتفاق على تخفيض تدريجي للقوات الأمريكية في العراق. سندان إيران في المقابل بعد الغزو الأمريكي، استطاعت إيران أن توسع وتدعم من نفوذها في العراق؛ عبر حلفائها من النخبة السياسية العراقية وكذلك الميليشيات المسلحة الحليفة لها، والتي انتشرت وتعددت في ظل الحرب على «داعش» وتشكيل هيئة الحشد الشعبي، وأصبحت تلك الميليشيات والفصائل العسكرية التابعة للأحزاب السياسية المتحالفة مع إيران إحدى أدوات التنافس والصراع الأمريكي الإيراني في البلاد، وهو ما شكل أحد المعوقات الأساسية أمام تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية فى البلاد. حرب بالوكالة حرصت كل من أمريكا وإيران على عدم الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة؛ لذلك تبنتا استراتيجية الحرب بالوكالة، والتنافس عبر الساحة العراقية، فالولايات المتحدة تضغط على إيران، وتعمل على تحجيم نفوذها هناك؛ من خلال المعادلة السياسية، وتوجيه ضربات عسكرية للميليشيات والقوى العراقية الحليفة لإيران مثلما حدث مع قصف أهداف عسكرية لميليشيات «حزب الله العراقي» ثم استهداف قاسم سليماني، في رسالة رادعة لإيران وحلفائها، في المقابل صعّدت الميليشيات الحليفة لإيران من هجماتها العسكرية على القوات الأمريكية، كما نجحت القوى السياسية الحليفة لإيران في البرلمان العراقي في استصدار قرار في بداية العام؛ يقضي بخروج القوات الأجنبية من العراق، والمقصود بها تحديداً القوات الأمريكية. الحياد للخروج من المأزق حرص الكاظمي منذ توليه السلطة على تأكيد ضرورة حياد العراق، وألا يكون ساحة للصراع والتدخلات الخارجية، وفي زيارته لإيران ولقائه مع المسؤولين الإيرانيين عمل على إيصال رسالة واضحة بأهمية احترام استقلال وسيادة العراق، وإقامة علاقات قوية ومتوازنة مع جيران العراق خاصة إيران، بما يعني رفضاً واضحاً للتدخلات الخارجية، وتزامن ذلك مع مساعي الكاظمي لنزع أسلحة الميليشيات العسكرية، وتوحيد السلاح فقط في يد الدولة العراقية. وفي زيارته لواشنطن، حرص الكاظمي أيضاً على إيصال رسالة واضحة للمسؤولين الأمريكيين، بتأكيد استقلالية العراق، وعدم جعله ساحة للصراع الأمريكي الإيراني، كما أكد الاستقلالية في العلاقات في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين أمريكا والعراق، وتنظيم وتقنين التواجد العسكري الأمريكي في البلاد. تحديات عديدة هناك تحديات أمام الكاظمي للخروج من المأزق المزدوج الأمريكي الإيراني؛ أبرزها تغلغل كلا البلدين على مدار أكثر من عقد ونصف في المعادلة العراقية، والتشابك القوي مع بعض اللاعبين العراقيين السياسيين؛ فالقوى السياسية الحليفة مع إيران ستقاوم أي مسعى لتحجيم النفوذ الإيراني. لكن التحدي الأكبر أمام الكاظمي ونجاحه فى الخروج من مطرقة أمريكا وسندان إيران؛ يتطلب إعادة بناء الدولة العراقية وقوتها الأمنية والسياسية والاقتصادية ليكون العراق قادراً على مواجهة تحدياته، ووقف التدخلات الخارجية. * خبير العلاقات الدولية فى الأهرام

مشاركة :