زيارة خاطفة أجراها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى فرنسا في توقيت لا يخلو من دلالات لاسيما مع العودة الفرنسية القوية للشرق الأوسط. ويرى مراقبون أن الزيارة تستهدف جسّ النبض بخصوص الخطط الفرنسية في المنطقة، وأيضا البحث عن المزيد من الدعم الفرنسي في ظل الأزمة الاقتصادية للأردن. عمان - أجرى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني زيارة خاطفة وغير معلنة رسميا إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث التقى بالرئيس إيمانويل ماكرون، قبل أن يعود إلى المملكة فجر الأربعاء. وتأتي الزيارة بعد أيام من زيارة أداها ماكرون إلى المنطقة وشملت لبنان والعراق، فيما بدا أنها محاولة فرنسية لاستغلال انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط وإعادة الألق لدبلوماسيتها التي شهدت تراجعا في السنوات الأخيرة. وقال الديوان الملكي الأردني في بيان، إن العاهل الأردني والرئيس الفرنسي أكدا على عمق العلاقات الثنائية، والحرص على تعزيز الشراكة بين البلدين. وذكر الديوان في البيان أنه تم خلال اللقاء تأكيد ضرورة توسيع آفاق التعاون بين الأردن وفرنسا في مختلف المجالات، لاسيما الاقتصادية والأمنية، ومواصلة التنسيق والتشاور حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك. ويعتقد مراقبون أن زيارة العاهل الأردني إلى باريس تستهدف استطلاع توجهات الرئيس الفرنسي وخططه في المنطقة، لاسيما في لبنان، حيث بدت باريس منذ الانفجار المدمّر الذي ضرب مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الماضي هي الممسكة بزمام المبادرة في هذا البلد، من خلال الزيارة التي قام بها ماكرون إلى العاصمة اللبنانية في اليوم التالي للانفجار والتي تلتها زيارة ثانية في ذكرى مئوية لبنان، ليتخلّل المحطتين احتضان باريس لمؤتمر دولي عقد لدعم هذا البلد. وتحاول فرنسا استعادة شيء من بريق نفوذها في لبنان الذي انحسر لفائدة الولايات المتحدة الأميركية وإيران خلال السنوات الماضية. وتسعى باريس من خلال طرحها لخارطة طريق سياسية إلى إنقاذ لبنان من أزمته من خلال اللعب في المنطقة الرمادية دون أن تستفز أيّا من الطرفين، لكنّ مراقبين يشككون في إمكانية تحقيق إنجازات عملية على هذا المستوى. المملكة تمر بوضع اقتصادي ضاغط فاقمه تفشي وباء كورونا، ويحاول العاهل الأردني الحصول على دعم لتفادي الانهيار والأردن الذي يشعر في السنوات الأخيرة بأنه على هامش الأحداث في المنطقة يتأثر بها ولا يؤثر فيها، يحاول التحرك والتدارك، وفي هذا الإطار تندرج زيارته، وفق مراقبين، إلى باريس التي تربطه بها علاقات متقدمة. وفي المقابل يقول دبلوماسيون إن رغبة الملك عبدالله في استطلاع النوايا الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط هي أحد الدوافع التي قادته إلى باريس، بيد أن السبب الرئيسي أن المملكة تمر بوضع اقتصادي ضاغط جدا فاقمه تفشي وباء كورونا، ويحاول العاهل الأردني الحصول على دعم أوروبي لتفادي خطر الانهيار. ووفق بيان الديوان الملكي فقد تطرقت المباحثات بين الملك عبدالله الثاني والرئيس ماكرون إلى الجهود الثنائية والدولية المبذولة لمجابهة وباء كورونا، الذي يضرب العالم من شهور، وسبل التصدي للآثار الإنسانية والاقتصادية الناجمة عنه. وكانت المفوضية الأوروبية، قدمت الشهر الماضي دعما للأردن بقيمة 700 مليون يورو (818 مليون دولار)؛ ضمن برامج المساعدة المالية للحد من التداعيات الاقتصادية لكورونا. وبحسب بيانات الاتحاد الأوروبي، فإن حجم المساعدات التي قدمتها أوروبا للأردن خلال فترة الأزمة السورية منذ العام 2011 وحتى العام الحالي بلغ 3.2 مليارات يورو (3.744 مليارات دولار). ويقول مراقبون إن فرنسا والاتحاد الأوروبي عموما يمثلان الملجأ الوحيد حاليا للمملكة لمساعدتها في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها في ظل تراجع الاهتمام الأميركي بعمان وتغير سياسات الدول الخليجية وإعادتها النظر في “دبلوماسية الإنفاق”. وشملت محادثات الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ماكرون البحث في الملف الفلسطيني. وأكد العاهل الأردني ضرورة تحقيق السلام الشامل والعادل على أساس حل الدولتين، والذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. ويرفض الأردن خطة السلام الأميركية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ويحشد دوليا ضدها في حين تتمسك فرنسا بالقرارات الدولية المتعلقة بحل الدولتين وذلك تماهيا مع مواقف الاتحاد الأوروبي.
مشاركة :