مناورات شرق المتوسط التركية

  • 9/11/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د.خليل حسين * الطموح التركي عالي المنسوب في المنطقة، يكشف خبايا العودة للحلم العثماني، وإن بجلابيب وصور مختلفة لم تعد تخفى على أحد، وسيكون مصيرها الفشل ليست سابقة أن تطلق تركيا مناورات بحرية عسكرية في منطقة تتطلع على أن تكون مجالها الحيوي الذي يلبي طموحاتها التوسعية في المنطقة؛ لكن المناورات هذه المرة لها خلفيات ذات أبعاد مختلفة وموجهة إلى أطراف يمكن أن تشعل مواجهات خطرة في منطقة هي الأشد حساسية، تشهد تنافساً محموماً على موارد تعد صمام حياة الدول، ومدخلاً معززاً لحجز أمكنة متميزة في النظام العالمي الذي يتكون حالياً. المناورة التركية اليوم مع قبرص الشمالية موجهة بشكل مباشر إلى اليونان في الشمال الغربي للمتوسط، ومن خلفها لدول تعد عصب الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كفرنسا وألمانيا وغيرهما، وإلى كل من مصر وليبيا في جنوب المتوسط؛ وهي رسائل منتقاة وواضحة تترافق مع تنافس حاد لم تشهدها منطقة الشرق الأوسط في وقت تأكدت مسوحات وكشوفات عن وجود موارد طاقة بكميات ضخمة وواعدة. علاوة على ذلك، تستتبع هذه المناورة الرجوع إلى بعض الوقائع، الاحتكاك التركي الفرنسي في شرق المتوسط في يونيو/حزيران الماضي، والذي استتبع أيضاً بسلسلة من التحركات العسكرية في ليبيا بين الطرفين، علاوة على إدخال العنصر المصري في تصعيد التوتر في المنطقة، ما يعني أن أنقرة تبحث في الأساس عن بيئة تصعيدية أمنية عسكرية في المنطقة؛ تستهدف من خلالها إمكانية استثمار أوراق رابحة، لتحقيق أوراق نفوذ في منطقة تعدها بعض القوى الدولية مربط خيلها، ومجال تحركها وملعبها الاستراتيجي التي لا يمكن التخلي عنها ببساطة مطلقة. وفي الواقع يعد التحرك التركي في هذا التوقيت لعباً في الوقت المستقطع من عمر المنطقة، ثمة تحضير لانتخابات رئاسية أمريكية، جبهات خامدة فوق براميل متفجرات تنتظر ظروف التفجير، إلى جانب حراك أمني سياسي غير مسبوق في المنطقة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر الدخول الفرنسي المستجد على المنطقة من البوابة اللبنانية؛ بعد تفجير بيروت في الرابع من أغسطس/آب الماضي والذي أعاد خلط أوراق إقليمية وازنة؛ أدت وستؤدي إلى احتكاك عالي المنسوب بين فرنسا وتركيا في شرق البحر المتوسط. وفي ظل هذه الأجواء المحمومة تستكمل تركيا بيئة التصعيد مع دول المنطقة عبر المشاكل والخلافات حول المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط؛ وذلك مع كل من قبرص اليونانية واليونان وسوريا، وتغذية المشاكل أيضاً بين مصر وقبرص وبين الدول التي تتشارك في المناطق الاقتصادية الخالصة كلبنان وإسرائيل مثلاً، الأمر الذي أدى وسيؤدي إلى المزيد من التوتر السياسي والأمني غير المنضبط في المنطقة، وهو ما سيعيد المنطقة إلى المربع الأول في سياق البحث عن إعادة رسم خطوط النفوذ الجديدة حول مصادر الطاقة الواعدة في الشرق الأوسط. واللافت في هذا المجال أيضاً، إعلان أنقرة عن أنها باتت دولة تتمتع بإمكانات طاقوية، وهو أمر له دلالات جيو سياسية حساسة في المنطقة، تسعى أنقرة إلى تكريسها ولو عنوة ومن دون وجه حق. ولتأمين غطاء لهذه السياسات والمناورات العسكرية والسياسية التي تجريها أنقرة؛ لجأت إلى مجموعة تحالفات بمستويات مختلفة مع كل من إسرائيل وإيران وروسيا، وعمدت إلى نسج علاقات تبدو متناقضة وغير منسجمة شكلاً، إلا أنها تتقاطع مصالح أطرافها على دول المنطقة؛ بحيث تتيح لها التوصل إلى ترتيبات مقبولة وذات دلالات تلبي ما تحاول التوصل إليه. في أي حال، ثمة حراك أمني عسكري في المنطقة يشي ويؤسس إلى جملة من المواجهات المرتقبة مع الأطراف سواء من الأطراف الإقليمية أو الدولية ذات القوى الوازنة والمؤثرة، وفي واقع الأمر إن الطموح التركي عالي المنسوب في المنطقة، يكشف خبايا العودة للحلم العثماني، وإن بجلابيب وصور مختلفة لم تعد تخفى على أحد، وسيكون مصيرها الفشل كما حدث سابقاً للعديد من المشاريع التي ورطت تركيا دول المنطقة بها، والتي أدت إلى تدمير دول ومجتمعات وأزهقت أرواح ملايين البشر.* رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

مشاركة :