أربيل (العراق) - يسعى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى تخفيف مساحات التوتر بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق شبه المستقل شمالي البلاد، وذلك قبيل الانخراط في مرحلة التحضير للانتخابات العامة التي حددت بغداد موعدا لها، هو الأول من يونيو 2021. وبدت علاقات الكاظمي مع القيادات الكردية على أحسن ما يرام عندما وصل، الخميس، إلى أربيل مركز الإقليم في زيارة سرعان ما تتالت مع بدايتها التصريحات الودية وأنباء عن التوافق على حلّ الملفات الخلافية العالقة بين الطرفين. وهناك عدّة ملفات عالقة تسببت مؤخرا في توقّف بغداد عن دفع رواتب موظفي الإقليم. ويعد استخراج النفط وتصديره من أبرز نقاط الخلاف بين بغداد وأربيل، إذ تريد الحكومة الاتحادية التحكم بمفردها، وفقا للدستور، ببيع البترول في الأسواق العالمية بينما ترى حكومة الإقليم الكردي أن القوانين تجيز لها القيام بهذه العملية. وتريد بغداد أيضا أن تضع يدها على منافذ الإقليم الكردي البرية مع كل من تركيا وأربيل، فيما تقول أربيل إنها يمكن أن تسمح للحكومة بالسيطرة الجزئية على هذه المواقع. وتدرّ منافذ أربيل مع تركيا ومنافذ السليمانية مع إيران عوائد مالية تقدر بالملايين من الدولارات سنويا، وهو ما يفسر سبب تمسّك الأحزاب الكردية الكبيرة بها. ائتلاف حيدر العبادي أول المعترضين على خطوات التقارب بين رئيس الحكومة الحالي مع قيادة إقليم كردستان العراق ويسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني مباشرة على منفذ إبراهيم الخليل في دهوك، الذي يعد أبرز نقطة تبادل تجاري بين العراق وتركيا، فيما يسيطر الاتحاد الوطني الكردستاني على معبر باشماخ بين السليمانية وإيران إلى جانب معابر فرعية أخرى. ويواجه الحزبان اتهامات منذ أعوام بالسيطرة الكلية على عوائد هذه المنافذ واستخدامها لتعزيز نفوذهما السياسي وسيطرتهما على شؤون الحكم شبه المستقل في المنطقة الكردية. وتريد بغداد أن تقتطع عوائد المنافذ مع تركيا وإيران من حصة الإقليم الكردي ضمن الموازنة المالية العامة، لكن أربيل ترفض التفاوض. ويوم الخميس توجه الكاظمي إلى أربيل والتقى مسعود البارزاني الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق بعدما التقى نجله مسرور الرئيس لحكومة الإقليم. وبحث الكاظمي مع البارزاني الأب “مجمل الأوضاع العامة على الساحة الوطنية، وأبرز التحديات التي تشهدها البلاد، وتوحيد المواقف على المستوى الوطني، فضلا عن ملف إجراء الانتخابات المبكرة”. وأكد الكاظمي خلال اللقاء “حاجة العراق الفعلية للإصلاح، وأن تكون الأولوية في العمل الوطني للعبور بالبلاد فوق التحديات الراهنة”، مشيرا إلى أن “التنسيق عالي المستوى بين القوات المسلحة بمختلف صنوفها والبيشمركة (جيش إقليم كردستان العراق)، ساعد في صنع الانتصار على عصابات داعش الإرهابية، وهو ما سيحمي الأرض، ويؤمّن فرصة الازدهار والتنمية للبلد”. وتحدث الكاظمي عن “أهمية التكامل في المواقف بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم”، مشيرا إلى أن “إقليم كردستان جزء أساسي ومتكامل من العراق، والحوار والدستور هما الخيمة التي تؤمن مستقبلا آمنا لعراق موحد ومستقر”. ويحتاج إقليم كردستان مساعدة بغداد لمواجه أزمة مالية خانقة تسببت فيها ظروف غامضة وسط اتهامات للحزبين الكرديين الكبيرين بسرقة موارد المنطقة الكردية على مدى سنوات. وتشكك بغداد في جميع البيانات التي يقدمها الإقليم لاسيما حجم إنتاج النفط وعدد موظفيه وحجم احتياجاته المالية، لذلك تسود حالة من انعدام الثقة بين الجانبين. - ويقول خالد شواني وهو سياسي كردي بارز ووزير في الحكومة الإقليمية، إنّ “المستحقات المترتبة بذمة إقليم كردستان من ديون واقتراض ورواتب تقدر بـ27 مليار دولار”. ويوضح شواني أن “إنتاج إقليم كردستان من النفط كان يبلغ 480 ألف برميل يوميا لكن بعد اتفاق أوبك تم تخفيضه إلى 410 آلاف برميل يوميا”، لافتا إلى أن “هناك شركة عالمية تعاقدت معها حكومة إقليم كردستان تقوم بتدقيق كل ما يتعلق بالنفط من إنتاج وبيع وإيرادات وبعدها تقوم حكومة الإقليم بتسليم جميع بيانات التدقيق إلى الحكومة الاتحادية”. لكن شواني شدّد على أن حكومة الإقليم “ترغب في الوصول لاتفاق استراتيجي لإنهاء جميع المشاكل العالقة” مع بغداد. ويقول مراقبون إن الكاظمي يحاول تصفير الخلافات مع إقليم كردستان الحليف الوثيق للخليج والغرب والولايات المتحدة قبل الشروع في التحضير لانتخابات عامة يعتقد أن نتائجها ستكون حاسمة لجهة تحديد الثقل السياسي للمشروع الإيراني في العراق. غير أنّ طريق رئيس الوزراء ليس ممهدا تماما للقيام بذلك، إذ توجد في بغداد عدّة قوى سياسية تدعو للتشدّد مع قيادة إقليم كردستان التي تتهمها بالانتهازية واستغلال قسم أكبر مما يستحقه الإقليم من الثروة العراقية. وتجلى، الخميس، الاعتراض على خطوات تقارب الكاظمي مع آل البارزاني، عندما دعا ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في بيان، رئيس الوزراء إلى تنظيم العلاقة مع إقليم كردستان دستوريا، وحسم ملفات النفط والمنافذ الحدودية لـ”ضمان العدالة”. ولا تجمع بين العبادي وقيادات إقليم كردستان العراق علاقة وديّة حيث كان الرجل على رأس الحكومة العراقية عندما نظم أكراد العراق استفتاء على استقلال إقليمهم سنة 2017 تصدّى له العبادي بحزم شديد فارضا عقوبات غير مسبوقة على الإقليم دفعت قيادته إلى التراجع عن مساعي الاستقلال. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :