ليس معروفا سرّ هذا العداء وتلك العدائية لدى بعض الفلسطينيين لدولة الإمارات العربية المتحدة. هل هو ردّ للجميل بنكران الجميل تطبيقا للمثل الفرنسي القائل: هناك خدمات كبيرة إلى درجة لا يمكن الرد عليها… إلّا بنكران الجميل؟ في النهاية، لا يمكن إلّا العودة إلى تكرار السؤال الآتي: هل منعت دولة الإمارات أحدا في يوم من الأيّام من تحرير فلسطين؟ الأكيد أنّها لم تفعل ذلك. الأكيد أكثر أنّها ساعدت الفلسطينيين بكلّ ما تستطيع من أجل بقاء قضيّتهم حيّة، وهي قضيّة شعب موجود على الخريطة السياسية للشرق الأوسط لا يمكن في يوم من الأيّام سوى أن يحصل على حقوقه الوطنية بغضّ النظر عن السياسة التي تمارسها إسرائيل. ما يدافع عن القضيّة الفلسطينية في كلّ وقت هو الهوية الوطنية التي لم تستطع إسرائيل القضاء عليها بأيّ شكل. ما هو أكيد أكثر من ذلك كلّه أن الشعب الفلسطيني يستأهل قيادة أفضل من تلك التي عنده الآن. قيادة أفضل، أكان ذلك في الضفّة الغربية أو في غزّة حيث الإمارة الإسلامية التي أقامتها “حماس” على الطريقة الطالبانية. كلّ ما يمكن قوله هذه الأيّام عن تصرّف السلطة الوطنية الفلسطينية أنّه تصرف شخص يعاني من حال ضياع على كلّ المستويات. يُفترض بمثل هذا الضياع ألّا ينعكس على القرار الرسمي الفلسطيني، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بدولة مثل الإمارات. فأيّ مسّ بالإمارات مزايدة في غير محلّها تضر بقضيّة الشعب الفلسطيني أوّلا. بدل الهرب إلى الخارج، أي إلى انتقاد الإمارات وغير الإمارات، من الأفضل أن يسأل الفلسطينيون أنفسهم عن سلسلة الأخطاء التي ارتكبوها في السنوات القريبة الماضية لعلّ أكثر ما يعكس حال الضياع لدى بعض الفلسطينيين أنّ إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الذي جاء إلى لبنان أخيرا، إرضاء لتركيا وإيران وبغية استفزاز اللبنانيين وتذكيرهم بالسلاح الفلسطيني، بات يتنقل في طائرة خاصة. غزّة محاصرة وهنيّة في طائرة خاصة. تلك ذروة الازدواج في الشخصيّة لدى عدد لا بأس به من الفلسطينيين الذين فقدوا لغة المنطق. لغة المنطق هذه تعوز أيضا أشخاصا في السلطة الوطنية الفلسطينية. فما حصل في الأيّام الأخيرة يدعو إلى الشفقة على بعض الفلسطينيين وذلك لسببين على الأقلّ. أولهما تجاهل أن دولة الإمارات دولة مستقلّة ذات سيادة تعرف كيف تحافظ على مصالحها وتدافع عنها. والآخر الجهل بما يدور في المنطقة عموما. تعرف الإمارات، التي لا تحتاج إلى من يدافع عنها، ما هي موازين القوى في المنطقة وأن هناك ثلاث قوى أساسية في المنطقة في الوقت الحاضر. هناك إيران التي تحتلّ ثلاث جزر إماراتية منذ العام 1971، أي منذ أيّام الشاه، وهناك تركيا التي تعتبر أنّ لا شيء يمكنه الوقوف في وجهها بعدما راحت تستخدم الإخوان المسلمين، بما في ذلك “حماس” من أجل تحقيق مآربها. إذا كانت إيران تستخدم الميليشيات المذهبية أدوات لها لتفتيت دول المنطقة، فإنّ تركيا تلجأ إلى الإخوان من أجل إحياء أمجاد الدولة العثمانية. تركيا تستهدف الإمارات وتلقي مشاكلها الداخلية عليها. عادت تركيا في عهد رجب طيّب أردوغان إلى لعب دور الرجل المريض في المنطقة، تماما كما كانت عليه الحال في السنوات الأخيرة من عمر الدولة العثمانية. تبقى إسرائيل البعيدة عن الإمارات. هل يمكن تجاهل دورها الإقليمي ومدى قربها من الإدارة الأميركية وتأثيرها في واشنطن في هذه الأيّام والظروف بالذات، خصوصا أن طموح رئيس السلطة الوطنية محمود عبّاس (أبومازن) التفاوض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ بعد سلسلة الأخطاء التي ارتكبها “أبو مازن” مباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي من واشنطن، استدرك الرئيس الفلسطيني الموقف. دعا إلى الامتناع عن أي تصريحات مسيئة إلى الزعماء والمسؤولين العرب. لكن وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، عاد إلى التصعيد من خلال كلمته أمام مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد في القاهرة. حضّ المالكي الدول العربية على رفض ما سمّاه “اتفاق التطبيع” الإسرائيلي – الإماراتي. وقال “كأنه لا يكفينا ما يفعله الاحتلال بنا، والإدارة الأميركية، حتى يخرج إعلان التطبيع (الإماراتي – الإسرائيلي) المجاني”. وأضاف أن “الإعلان الثلاثي الأميركي – الإسرائيلي – الإماراتي، كان ذلك الزلزال”. وزاد “بدل استرضائنا عربياً أمام ذلك التراجع الذي عكسه الإعلان، وجدنا حالنا ندافع عن أنفسنا، وعن قضيتنا، وانقلب الوضع بحيث أصبحنا المشاغبين”. من يقول مثل هذا الكلام يتجاهل قبل كلّ شيء أنّه في القاهرة، عاصمة مصر، التي وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل في العام 1979. يتجاهل أيضا أنّه كلّما ضاقت الحال بـ”أبومازن”، يذهب إلى الأردن ويستنجد به. هل نسي المالكي أن الأردن وقع اتفاق سلام مع إسرائيل في وادي عربة في تشرين الأوّل – أكتوبر من العام 1994، أي بعد سنة وشهر من توقيع اتفاق أوسلو في البيت الأبيض بين ياسر عرفات وإسحاق رابين؟ ما كان الملك حسين، رحمه الله، يقدم على مثل هذه الخطوة لولا أن الفلسطينيين قرروا السير في طريق خاص بهم عن طريق مفاوضات سرّية مع إسرائيل. لم يوجد بين العرب من يسأل الفلسطينيين لماذا ساروا في الخط الذي اختاروه، أي خط أوسلو… بعد سلسلة الأخطاء التي ارتكبها "أبو مازن" مباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي من واشنطن، استدرك الرئيس الفلسطيني الموقف. دعا إلى الامتناع عن أي تصريحات مسيئة إلى الزعماء والمسؤولين العرب بدل الهرب إلى الخارج، أي إلى انتقاد الإمارات وغير الإمارات، من الأفضل أن يسأل الفلسطينيون أنفسهم عن سلسلة الأخطاء التي ارتكبوها في السنوات القريبة الماضية، بما في ذلك الموقف السلبي والجاحد في آن الذي اتخذته القيادة الفلسطينية من الكويت بعد الاحتلال العراقي صيف العام 1990. غاب عن القيادة الفلسطينية كلّيا ما قدمته الكويت للفلسطينيين. غاب عنها أن ما يزيد على مئتي ألف فلسطيني يعملون في الكويت ويرسلون المال شهريا إلى عائلاتهم في الضفّة الغربية وغزّة. يمكن للاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي الذي سيوقع في واشنطن في منتصف أيلول – سبتمبر الجاري أن يسهل عثور فلسطينيين من عرب 1948 على فرص عمل في الإمارات، كما يقول صديق فلسطيني لديه خبرة طويلة في مجال المفاوضات مع إسرائيل والإدارات الأميركية المتلاحقة. أين المشكلة في ذلك؟ ينسى الآن بعض الفلسطينيين، وليس كلّهم لحسن الحظ، ما قدمته الإمارات لهم ولقضيّتهم. هل من أجندة خاصة لدى هذا البعض… أم كلّ ما في الأمر حسابات خاطئة وجهل وقصر نظر في التعاطي مع قضيّة تظل في معظم الأحيان أكبر من الذين يتولون شأنها؟ يسيء هؤلاء إلى أنفسهم وإلى شعبهم قبل أن يسيئوا إلى الإمارات… الشعب الفلسطيني يستأهل قيادة أفضل إن في الضفّة أو في غزّة. هذا ما تؤكده الأحداث يوميا! *نقلا عن "العرب"
مشاركة :