من المؤلم أن تكون قادرًا على رؤية كل هذا الجمال في العالم ولكنك غير قادر على رؤية جمال نفسك.من المؤلم أن ترى بشاعة العالم من خلال أعينهم وتفقد رؤية ما هو جميل بسببهم.من المؤلم أن يتخلص الانسان من حياته لأجل إرضاء من لا حياة لهم. ليس كل ما يقال لك هو صحيحا، أحيانًا نصغي لأشخاص لم يعرفوا معنى الجمال، فيشوهوا الصورة التي رسمناها في أذهاننا، بعض الأشخاص الذين نعتقد أننا نرى الحياة من خلالهم قد يكونون هم بحاجة لرؤية الحياة من خلالنا لأن الحياة التي يعيشونها مظلمة، كئيبة يسودها التشاؤم، لذلك لا يمكنهم رؤية ما هو جميل فيسعون نحو زراعة الشك في أنفس المبدعين، بعض الأشخاص تنتهي أحلامهم بسبب من حولهم عندما لا يجدون الدعم الذي يتوقعونه أو حتى القبول في حياة الآخرين. هذا ما شعرت به في زيارتي الأخيرة لمتحف فان جوخ في أمستردام، منذ أن خطيت الخطوة الأولى إلى داخل المتحف رأيت فينيسنت فان جوخ بعدة أشكال، بألوان مختلفة كانت كل لوحة لا تشبه الأخرى، لكن كان الوجه ذاته والملامح ذاتها باختلاف المشاعر التي مر بها فكل لون كان يمثل المرحلة والحالة النفسية التي مر بها، لم يتمكن من تقبل ما يراه في هذا العالم، فاعتزل ليرسم أجمل ما في هذا العالم الأشخاص المستضعفين اللذين يكرسون حياتهم للخدمة والعمل من أجل الانسان الذي لا يعي معنى الإنسانية، كان يسعى لتحقيق عدالة هو مؤمن بها وهي لماذا لا نبرز هذه الفئات في المجتمع؟ لماذا الفن اقتصر على طبقات معينة؟ لا بد من إبراز كل طبقات المجتمع. خلال جولتي في المتحف شعرت بسعادة خلال تأملي للوحات رافقتها تنهيدة عميقة، تألمت لأن مثل هذا الفنان تم فقده بسبب آراء وسخرية أشخاص أحاطوا به، كل تصرفات فينيسنت كانت نتاج سوء معاملة وسوء تقدير اودت بحياته، ما شعرت به من أسى وأسف على حال الإنسان هو ذاته الشعور عندما شاهدت فيلم الجوكر تلك الشخصية التي أثرت بكل المشاهدين وكانت حديث الكل في الأشهر الماضية، برأيي إن ما مر به فينيسنت من سوء تقدير، وإحباط، وسخرية واستخفاف به هو مثل ما مر به الجوكر، كما يقال لا يوجد مكان للإنسان العاطفي في أي زمان لطالما يتم السخرية منه ويشار إليه بالضعف بينما إبراز العاطفة هي قوة بحد ذاتها، الشخص المتسامح مع ذاته ومع الاخرين من يحسن الظن بهم، دائمًا يتم اضطهاده حتى يتخلص من حياته أو يتخلص منهم. في حالة فان جوخ اختار الخلاص من حياته وترك الحياة بالرغم من وجود العديد من القصص التي نفت انتحاره لكن في الحالتين تم فقده لأنه وبكل بساطة لا ينتمي إلى هذا العالم، أما شخصية الجوكر اختارت التخلص من كل العالم في سبيل تحقيق عدالة هو يتخيل وجودها، وهي من حطمني لا بد من أن أحطمه. وأنا أتجول في المتحف وأرى الابداع في هذه اللوحات وما بذله من جهد في نقل جمال الطبيعة لم أعد أتحمل فكرة من يتهم فان جوخ بالجنون كيف يمكن لشخص مجنون أن يبرز أجمل ما في الطبيعة، فتذكرت قصة قرأتها في كتاب مهزلة العقل البشري للكاتب علي الوردي عن القرية التي شربت من نهر فيه مادة تبعث بشاربها الجنون فجن أهل القرية كلهم عدا الملك وأخذ أهل القرية يتهامسون فيما بينهم: إن ملكهم صار مجنونًا وإنه يجب أن يخلع، فاضطر الملك أخيرًا إلى أن يشرب من نهر الجنون لكي يبقى عليهم ملكًا. قد يعتقد البعض أن الشخصيتين لا تمتان بصلة لبعض لكن تبقى المعاناة ذاتها عدم التقدير والاستخفاف بهم، عدم احترام ما مر به الجوكر من حالة مرضية، الكذب والغش الذي رآه في هذا العالم دفعه إلى الاعتقاد أن العالم لا يوجد به مساحة للإنسانية لذلك تعامل مع المشهد بقسوة لا يمكن أن يتخيلها أي شخص. عندما نعجز عن قول ما يرضي من حولنا ليس من الضروري انتقادهم وكسر طموحهم إرضاء لفشلنا، أحيانًا الاكتفاء بالابتسامة هو الحل الأفضل، يكفينا تذكر القصص القديمة التي تقول كلما تم استفزاز الإنسان يظهر الابداع، ليس الجميع يملك التصرفات ذاتها فبعض الأشخاص بالاستفزاز والإحباط الدائم قد يصل إلى إنهاء حياته أو يتحول إلى شخص لا يمكن أن يقبله الآخرون ولا يمكنه أن يقبل نفسه.
مشاركة :