نظرة المجتمع تحول دون تطور الطب النفسي

  • 7/29/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الدوحة - الراية: أكد عدد من الأطباء والمتخصصين في العلاج النفسي أن النظرة المجتمعية مازالت تقف حجر عثرة أمام تطور الطب النفسي في البلاد، وتحول دون الإقبال عليه، حيث مازال البعض ينظرون للمريض النفسي بازدراء ويعاملونه على أنه مجنون أو مخبول، وهو ما يمنع الكثيرين من التردد على العيادات النفسية لتلقي العلاج. وقالوا لـالراية إن الصحة النفسية ترتبط ارتباطا وثيقا بالصحة العضوية، وبالتالي فإن هناك ارتباطا وثيقا بين العلاج النفسي والعلاج العضوي، بل إن العلاج النفسي ربما يقي الإنسان من الأمراض العضوية فيما بعد، كما أن بعض الأمراض العضوية يكون سببها مرضا نفسيا، والعكس صحيح، مثل حدوث الاكتئاب والإصابة بالأمراض العصبية بالنسبة لمن يعانون الأمراض المزمنة ولا يتكيفون معها بطريقة أو بأخرى. وأشاروا إلى أن قرار زيارة المريض النفسي يظل هو العقبة الأولى والأكبر في حياة المريض بصفة عامة وأنه إذا ما استطاع الإنسان اتخاذ هذا القرار فإنه يكون قد قطع شوطا كبيرا في طريق العلاج الذي يؤدي في النهاية للوصول للصحة النفسية والعضوية التي يرجوها كل مريض. الحمل لا يقي المرأة من المرض النفسي.. د.نجلاء الحاج: ١٥٪ من النساء معرضات للاكتئاب بعد الولادة الاهتمام بالصحة النفسية في قطر لم يصل للمستوى المطلوب تقول الدكتورة نجلاء الحاج، استشاري الطب النفسي ورئيس لجنة الصحة النفسية للمرأة بمستشفى الرميلة، إن إحجام البعض عن زيارة الطبيب النفسي يأتي بسبب عوامل واعتقادات كثيرة منها نظرة البعض إلى أن المرض النفسي ماهو إلا شكل من أشكال الجنون، وبالتالي فإن من يزور الطبيب النفسي يوصم بالجنون، كما أن البعض يعتقدون أن العقاقير والأدوية النفسية ماهي إلا مجرد مهدئات قد تؤدي إلى الإدمان أو تغييب العقل، بالإضافة إلى أن هناك عاملا آخر يسهم في ذلك وهو الجهل أو قلة الثقافة بالمرض النفسي فالبعض قد يعاني من الصمت ولا يعرف أن معاناته هذه مرض نفسي معروف وله علاج ودواء، ويأتي إلى العيادة هنا كثير من المرضى الذين ظلوا يعانون لسنوات قبل أن يكتشفوا بالصدفة أن معاناتهم هذه لا تخصهم وحدهم وأن لها أسبابا فسيولوجية وعلاجا. وأضافت: الاهتمام بالصحة النفسية بدأ يتزايد في قطر، وإن لم يصل ذلك للمستوى المطلوب بعد، ومن أوجه ذلك الاهتمام على سبيل المثال عيادة الصحة النفسية للمرأة والتي تم افتتاحها في عام ٢٠٠٧م، وهي عيادة أباشرها بنفسي في مستشفى النساء والولادة، في جو خالٍ من وصمة المرض النفسي وقريب من النساء والسيدات اللاتي يراجعن أطباءهن لأمراض النساء والولادة وهي تختص بتقييم وعلاج السيدات الحوامل أو المرضعات أو من يعانين من أمراض نسائية وتكون في الوقت نفسه تعاني من مرض نفسي أو من يعالجن من العقم ويحتجن للمساندة النفسية وغيرها من الحالات. وتابعت: في السابق كان هناك اعتقاد بأن الحمل يقي المرأة من المرض النفسي، ولكننا الآن نعلم أن المرأة قد تعاني من أي مرض نفسي أثناء الحمل خصوصا إذا كانت تعاني من مرض نفسي قبل الحمل، أو كان هناك تاريخ عائلي بالمرض النفسي، أو أنها تعاني من ضغوط اجتماعية ونفسية تجعلها عرضة للاضطراب النفسي أثناء الحمل أو بعد الولادة، فالصحة النفسية للحامل لها دور كبير في صحة الجنين ونموه بشكل سليم في الرحم وإتمام الحمل، فبعض الأمراض النفسية كالاكتئاب تؤثر على نمو الجنين بداخل الرحم، كما تؤثر على نفسية الجنين ويلاحظ ذلك بعد الولادة من حيث بكاء الرضيع واضطرابه أو هدوئه وساعات نومه وقدرته على مص الحليب عند الرضاعة وتكوين علاقة بينه وبين أمه. وأوضحت أن نسبة من النساء تصل إلى ١٥٪ يكن عرضة للاكتئاب بعد الولادة، وهذا له تأثير سلبي على الأم والمولود الرضيع؛ من حيث قدرة الأم على رعايته وإرضاعه وتكوين العلاقة العاطفية بين الأم والرضيع والتي تتكون في السنة الأولى من عمر الإنسان فإذا اختلت انسحب ذلك على نفسيته بقية عمره. وتابعت: من الممكن تغيير النظرة تجاه الطب النفسي بعدة أمور منها الناقل، والمنقول والوسيلة، فالمنقول هو الثقافة والمعلومة النفسية الصحيحة، وأن المرض النفسي مثله مثل أي مرض عضوي ناتج عن خلل في بعض الهرمونات والموصلات العصبية ولكن أعراضه نفسية أكثر منها جسدية؛ وأن علاجه ممكن، ومدى فعالية هذه العلاجات وتأثيراتها السلبية، وأنها لا تؤدي إلى الجنون أو تغييب العقل أو الإدمان كما أن نشر ثقافة أن لا صحة بدون صحة نفسية، وأن الصحة النفسية لا تعني الخلو من المرض النفسي فقط ولكنها تعني السعادة والاستقرار والانسجام مع النفس والمجتمع وممارسة الحياة بكامل أنشطتها والإبداع فيها. وأشارت إلى أن الناقل هو المعالج النفسي، طبيبا كان أو اختصاصيا نفسيا أو من له دور توعوي في المجتمع كالمدرس والواعظ الديني أو خطيب المسجد، أو من يعتبر قدوة في المجتمعات كالشخصيات الرمزية من مسؤول أو فنان أو لاعب رياضي، فكل هؤلاء إذا امتلكوا المعلومة الصحيحة ونقلوها للناس فلا شك أن الصدى أو الاستجابة ستكون أوقع وأكبر. وتابعت: أما الوسيلة فهي وسائل الإعلام المختلفة وأدوات التواصل الاجتماعي والإلكتروني، والمناهج المدرسية، كل ذلك كفيل بنشر الوعي النفسي بين الناس، والأهم من ذلك كله، هو القانون والسياسات المتبعة مع المريض النفسي في كل دولة فالقوانين التي تكفل للمريض النفسي حقوقا موازية مع غيره من البشر حق العلاج والتداوي، حق المساواة، حق العمل، حق الزواج، حق المشاركة في أنشطة المجتمع كافة بما يتناسب وقدراته وبدون تمييز لهو كفيل بإزالة الوصمة عن المرض النفسي. د.شلتوت: إدراك الإنسان لحالته.. بداية العلاج يقول الدكتور هاني شلتوت، اختصاصي الطب النفسي المنسق العام لبرنامج التوعية بقسم الطب النفسي بمؤسسة حمد الطبية: إدراك الإنسان لحالته الصحية هو الذي يحدد لماذا يرفض زيارة الطبيب النفسي فإذا ما أدرك الفرد الحالة الصحية تماما له فإنه سيحدد الوجهة التي يقصدها إما الطبيب الممارس العام أو الطبيب النفسي كما أن مدى قبول المريض لفكرة العلاج النفسي هي التي تحدد أيضا الإقدام على هذه الخطوة. وأضاف: يأتي بعد ذلك المجتمع الذي يعيش فيه الفرد فهو الذي يحدد أيضا للإنسان كيفية التصرف في هذه الأمور والمسار الذي عليه أن يسلكه فضلا عن وسائل الإعلام التي تلعب دورا كبيرا في هذا الأمر فكلما اقتربت وسائل الإعلام من تسليط الضوء على الطب النفسي وأهميته فإن الوعي سيزداد بهذا المجال الهام للصحة النفسية للإنسان. وأضاف: هناك كثير من المؤسسات في الدولة تهتم بشكل واضح بالصحة النفسية للمريض بصفة خاصة والفرد العادي بشكل عام ولكن يظل هناك بعض الخلط بين الناس أنفسهم فيما يتعلق بتحديد ما هو المرض النفسي فقد يفسر الإنسان الحزن الذي يعتريه لبعض الوقت على أنه اكتئاب مرضي يستلزم العلاج في حين أن الاكتئاب المرضي هو الذي يستمر لأسبوعين أو أكثر وينعكس على إهمال الفرد لعمله ولمظهره وحياته بشكل عام وهذه الأمور تتطلب المزيد من الوعي والثقافة بين الناس. وتابع: نشر الوعي بأهمية الطب النفسي يجب أن يكون بين جميع فئات المجتمع سواء الصغيرة أو الكبيرة وإن كان يجب التركيز على من هم أكثر إدراكا لمفهوم الطب النفسي فالطفل صغير السن لا يفهم مصطلحات العلاجات النفسية وأهميتها للصحة العامة ولكن يتم التدرج مع الصغار فيما يتعلق بهذا الأمر من خلال تدريبهم على برامج محددة تتدرج للأعلى مستوى فيما بعد. وأشار إلي أنه منذ 6 سنوات تقوم مؤسسة حمد الطبية بتطبيق برامج توعوية يتم من خلالها التواجد في المدارس والشركات والجامعات لنشر الوعي بين جميع الفئات فيها حول أهمية الصحة النفسية وكيف يمكن للإنسان العيش بصحة جيدة يتجنب من خلالها الأمراض النفسية وكيفية التعامل معها منذ ظهور أعراضها. التأهيل النفسي يؤثر إيجابا على المرض العضوي.. د.عبدالكريم: قرار الذهاب للطبيب.. الخطوة الأصعب في العلاج النفسي أكد الدكتور أحمد عبدالكريم، مدير مركز أبو بكر الصديق الصحي، أنه لا شك أن النظرة في الفترة الأخيرة أصبحت أكثر انفتاحا من قبل قطاع كبير من المجتمع تجاه الطب النفسي فقد كان هذا الأمر ينظر إليه في السابق على أنه وصمة عار لكل من يفكر فيه من الأساس وبالتالي كان العزوف عنه بشكل كبير هو السمة السائدة. وأضاف أن الحالة النفسية كثيرا ما ترتبط بالمرض العضوي خاصة في الأمراض المزمنة التي تحتاج لتعاطي الأدوية باستمرار ومن ثم فلابد من تأهيل المريض نفسيا للتعامل مع وضعه الجديد في هذا المرض وهو ما ينعكس إيجابا على حالة المريض العضوية. وأوضح أن الحالة النفسية السيئة قد تكون سببا أيضا في الإصابة بأمراض عضوية فالاكتئاب مثلا قد يؤدي إلى حدوث نوبات قلبية أو أمراض القولون أو الإصابة بالسكري أو ضغط الدم، مشيرا إلى أهمية أن يؤمن الإنسان بأهمية العلاج النفسي. وتابع: قرار الذهاب إلى الطبيب النفسي هو الخطوة الأصعب في العلاج النفسي وصاحبه يقطع شوطا طويلا في العلاج إذا ما استطاع الإنسان أن يتخذ هذا القرار لأنه سيكون مؤمنا من داخله أن لديه مشكلة نفسية تتطلب إيجاد حل لها والرعاية الصحية الأولية تعطي اهتماما كبيرا بالحالة الذهنية للمرضى من خلال دراسة الحالة النفسية للمريض عن طريق الأطباء المعالجين الذين يرون أن معرفة تاريخ الشخصية أو الحالة المرضية التي يقومون بعلاجها يسهم بشكل كبير في تشخيص الحالة ووضع الخطة العلاجية المناسبة. وأوضح أن العامل النفسي قد يكون مفتاحا للشخصية أو الحالة المرضية التي يعالجها الطبيب ومن ثم فإذا لاحظنا تردد أحد الأشخاص بشكل مستمر على المركز الصحي فإن الطبيب يجلس معه ليعرف مشكلته النفسية أولا قبل العضوية فقد يكون يعاني من الاكتئاب المستمر وهو ما يتطلب نوعا من العلاج اللازم حتى لا يتحول إلى مرض عضوي. د.بثينة إبراهيم: المريض النفسي ليس مجنونا قالت الدكتورة بثينة إبراهيم، استشاري السكري بمستشفى حمد العام، إن البعض يرى في العلاج النفسي عيبا وذلك بسبب نظرة المجتمع التي لا تتقبل هذا النوع من العلاج وتعتبر من يقدم عليه غير متزن عقليا أو فاقد الأهلية أو بمعنى أصح مجنونا وهذا الأمر عار تماما عن الصحة فليس كل مريض نفسي مجنونا. وأشارت إلى أن العلاج النفسي له تأثير إيجابي كبير على من يعانون الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط وغيرها فمن يتم تأهيله من خلال جلسات العلاج النفسي وتأهيله على قبول هذا المرض والتعايش معه فإن ذلك ينعكس تلقائيا على حالته الصحية العامة من حيث الرضا عن حاله وقبول ذاته بهذا الشكل الذي أصبحت عليه ومن ثم يبدأ في تنظيم حياته والالتزام بتعليمات الأطباء والانتظام في تناول العلاج، أما إذا كان من يعاني المرض المزمن فاقدا الأمل في الحياة واعتبر أن هذا المرض هو نهايته فإن ذلك ينعكس سلبا على صحته ويؤدي إلى تدهور عام في حالته الصحية. وتابعت إنه من هذا المنطلق على الجميع أن يدرك جيدا مدى الفائدة التي تعم على الفرد والمجتمع من خلال الطب النفسي سواء من خلال جلسات التأهيل أو من خلال تناول الأدوية والعقاقير فبعض حالات الاكتئاب مثلا تشفى من خلال الجلسات العلاجية والبعض الآخر يتطلب الأدوية والعقاقير، وكل ذلك يتطلب ثقافة جديدة في المجتمع وأعتقد أن هناك في السنوات الأخيرة تغيرا ملحوظا في مدى قبول العلاج والطب النفسي.

مشاركة :