من المستبعد أن ينسى النجم الهولندي الشاب دوني فان دي بيك ليلة السادس والعشرين من يوليو (تموز) عام 2017، حين كان لا يزال في سن العشرين من عمره، وما زال يعيش مع والديه في بلدة نايكيركيرفين الصغيرة، حيث سجل هدفاً رائعاً بقميص أياكس أمستردام في مرمى نادي نيس الفرنسي في تصفيات دوري أبطال أوروبا. وكان هناك شعور بأن هذه هي نقطة الانطلاق الحقيقية لهذا اللاعب الشاب.وبفضل هذا الهدف، تأهل أياكس أمستردام إلى دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا، وبدا لاعب خط الوسط الشاب جاداً للغاية، ووصف هذه النتيجة بأنها «مهمة»، لكنه كان يفكر في أمور أخرى أكثر أهمية. ولم تكن الصراعات الداخلية لفان دي بيك واضحة للآخرين. فبعد هذا الهدف، بذل فان دي بيك مجهوداً مضاعفاً حتى يتمكن فريقه من السيطرة على وسط الملعب، خاصة بعدما انضم إليه فرينكي دي يونغ في خط الوسط. لقد أظهر فان دي بيك إمكانياته الهائلة، وقوته وقدرته على التحمل، وقدرته على تسجيل الأهداف، ومنع الأهداف أيضاً. وفي المقابل، أضفى دي يونغ على أداء أياكس أمستردام السرعة والقوة والقدرة على المناورة، وإيجاد الحلول في أصعب المواقف واللحظات.وبات يُنظر إلى كل من فان دي بيك ودي يونغ على أنهما يمثلان مستقبل أياكس أمستردام. والآن، رحل كل منهما إلى ناد أكبر، فقبل عام من الآن انتقل دي يونغ إلى برشلونة، ومؤخراً انتقل فان دي بيك رسمياً إلى مانشستر يونايتد. وقبل 3 أسابيع فقط من مباراة أياكس أمام نيس الفرنسي، كان أفضل صديق لفان دي بيك، وهو عبد الحق نوري، قد عانى من قصور في القلب أدى إلى تلف دماغي لا يمكن إصلاحه خلال مباراة ودية في النمسا.ولعب فان دي بيك ونوري في بطولات لا حصر لها عندما كانا في أكاديمية أياكس للناشئين، كما كانا ضمن الصبية الذين يجمعون الكرات بجوار خط التماس خلال المباريات، وكان يتوسلان للاعبين المشاهير للحصول على قمصانهم. كما انضما معاً إلى الفريق الأول لأياكس خلال معسكر تدريب الفريق في قطر وعمرهما 17 عاماً. وفي ذلك المعسكر، أشاد كل منهما بالآخر، حيث قال نوري: «دائماً ما أطلق عليه اسم مارادوني. في البداية، لم أكن أعرف أنه يمتلك هذه المهارات الاستثنائية، لكنه كان دائماً ما يقوم بدوره الدفاعي على أكمل وجه عندما نفقد الكرة، حتى عندما يكون مرهقاً». أما فان دي بيك، فقال عن نوري: «الناس مفتونون بنوري لأنه يقوم بأشياء مثيرة، ويسخر من الخصوم، لكنه من الناحية الفنية رائع أيضاً».وقد عانى جميع لاعبي أياكس بسبب هذه المأساة، لكن الجميع اتفقوا على أن فان دي بيك قد عانى أكثر من غيره نظراً لأن نوري كان صديقه المقرب، وقد لعب الاثنان معاً في فرق الشباب، وفضلا الانتظار، بدلاً من البحث عن الرحيل على سبيل الإعارة. وقد أدرك أياكس أن هذين النجمين يمتلكان قدرات فنية كبيرة، وبالتالي أفسح لهما المجال من خلال التخلي عن خدمات اللاعبين الأكثر خبرة في خط الوسط.وبعد أن سجل فان دي بيك هذا الهدف المهم في مرمى نيس، أشار بأصابعه إلى رقمي 3 و4، في إشارة إلى رقم 34 الذي كان يرتديه نوري، وقال وهو يبكي: «لقد عبرت عن ذلك بكل مشاعري. أريد دائماً أن أسجل، لكن كانت لديّ رغبة أكبر للتسجيل في هذه الليلة، من أجل نوري ومن أجل عائلته». ورغم أن فان دي بيك سجل مرة أخرى في مرمى نيس على ملعب أياكس، بينما كان والد نوري وشقيقه يشاهدان المباراة من المدرجات، فقد خسر أياكس هذه المباراة، وتعثر خلال مسيرته في المسابقة.وبدأ الفريق مرحلة التجديد في الموسم التالي، وفاز أياكس بلقب الدوري الهولندي الممتاز للمرة الرابعة والثلاثين في تاريخه، كما فاز بلقب كأس هولندا، وقدم مستويات استثنائية في دوري أبطال أوروبا. واستمر فان دي بيك في التحسن، وأصبح ركيزة أساسية في خط وسط الفريق، وسجل هدفين رائعين في مرمى يوفنتوس في الدور ربع النهائي، وفي مباراة نصف النهائي التي خسرها الفريق في الثواني الأخيرة أمام توتنهام هوتسبير.وأصبح لاعبو أياكس أمستردام أكثر اللاعبين المطلوبين في سوق انتقالات اللاعبين، فانتقل دي يونغ إلى برشلونة مقابل 75 مليون يورو، وذهب ماتيس دي ليخت إلى يوفنتوس مقابل 85 مليون يورو، وكان فان دي بيك على وشك الانتقال إلى ريال مدريد، لكن النادي الملكي لم يتحرك بقوة لضمه خلال الصيف الحالي. لكن ما الذي دفع ريال مدريد للتراجع عن ضم فان دي بيك؟ ربما لأنه يفتقر إلى جاذبية النجوم! فلا يزال النجم الهولندي الشاب يتصرف في بعض النواحي مثل الأطفال المطيعين الطيبين، ولا يتفاخر أبداً بما حققه، بل على العكس تماماً يتحلى بتواضع شديد.وعندما كان فان دي بيك في العاشرة من عمره، كان يريد الذهاب إلى نادي فيتيس، بدلاً من أياكس، حيث كان يشعر بالضياع بعض الشيء بين الأطفال الأكثر جرأة القادمين من المناطق الحضرية خلال فترة الاختبار الأولى، لكن حبه لنادي أياكس -الذي اكتسبه من والده- غير رأيه في نهاية المطاف. وتخلى فان دي بيك عن اللعب الاستعراضي والتمريرات الذكية، وترك ذلك لزملائه في الفريق مثل نوري، وبعد ذلك حكيم زياش، وحاول أن يقوم بمهام أخرى تساعد الفريق ككل. وحتى الآن، لا يزال فان دي بيك بديلاً في صفوف منتخب هولندا، ولا يُنظر إليه على أنه لاعب من طراز فريد في النواحي الهجومية.وقد دفع مانشستر يونايتد الذي ربما اهتم باللاعب نتيجة اهتمام توتنهام هوتسبير به 34.7 مليون جنيه إسترليني من أجل إتمام هذه الصفقة. وقد كان أياكس مرناً في التفاوض، كما وعد فان دي بيك قبل عام. ويشكك بعضهم في قدرة اللاعب الهولندي الشاب على التألق مع مانشستر يونايتد، خاصة أنه سيدخل في منافسة شرسة مع اللاعب البرتغالي برونو فرنانديز من أجل حجز مكان له في التشكيلة الأساسية للفريق، بالإضافة إلى أن لاعبين مشابهين لفان دي بيك، مثل سيم دي يونغ وديفي كلاسن، قد رحلا عن أياكس وهما قائدين للفريق، لكنهما فشلا في تقديم مستويات جيدة مع نيوكاسل وإيفرتون، وإن كان السبب في ذلك يعود جزئياً إلى تعرضهما لكثير من الإصابات.ومن ناحية أخرى، أظهر فان دي بيك قدرته على تقديم مستويات جيدة في المراحل النهائية لدوري أبطال أوروبا. وربما لا يعيش اللاعب الهولندي الشاب حياة النجوم، ولا يرسم الوشم على جسده، لكن المأساة التي عاشها جعلته لاعباً صلباً. وسوف يرتدي فان دي بيك القميص رقم (34) الذي كان يرتديه نوري، بعد الاتصال بعائلة نوري، والحصول على موافقتهم. وقال والد نوري لإذاعة «إن أو إس» الهولندية إن نوري -الذي لا يستطيع التحدث، ولكن يمكنه التواصل عن طريق رفع حاجبه أو الابتسام- عندما يسمع صوت دوني، فإنه يستجيب من خلال النظر إلى الأعلى وتتسع عيناه. وأضاف والد نوري: «إنه يعرف ما قيل، وهو سعيد من أجل دوني».
مشاركة :