تأخر إصدار قانون منع الاحتكار 25 عاما وصدر بضغط أوروبى رغم أنف الجميع50% من البنوك فى عصمة رجل واحد.. والأغذية المستوردة فى أيدى 5 رجال أعمال الموزعون يتحكمون فى الأسعار فى المحافظات و5 من الكبار يحتكرون التوكيلات الأمريكيةربما يجد الطفل اليتيم من يحنو عليه، لأسباب أخلاقية أو دينية أو لمائة سبب آخر، ولكن هذا القانون اليتيم لم يجد يوما من يسانده أو يحاول أن يتقدم به خطوات، إنه مثل ثمرة أى علاقة غير مشروعة ابن حرام تريد كل الأطراف أن تدفنه فى سرية مع ضمانات كافية أنه لم يتنفس أو يطلق صراخا.وقد تأخر ميلاد قانون منع الاحتكار عن موعده الطبيعى لمدة أكثر من 25 عاما، هذا أطول حمل عرفه العالم، لأن قانون المنافسة هو قانون حاكم وحاسم فى دنيا الاقتصاد الحر، ولكن كل الأطراف تجاهلت هذه الحقيقة، كبرت الاحتكارات وتوحشت واستوطنت صناعات وتوكيلات محلية ودولية، ولكن ظل الجميع يرفض أن يسمح لقانون منع الاحتكار بالمرور حتى من مجرد مشروع قانون تعده وزارة وليست حكومة، ولكن القانون وجد من يدافع عنه فى منتديات الاقتصاديين وخبراء الاقتصاد الحر داخل أسوار الجامعات، وزاد من قوة الدفع الذاتى للقانون ظهور احتكارات كبرى أشهرها الحديد بالنسبة لإمبراطور الحديد أحمد عز الذى استطاع أن يمد يديه وملكيته إلى نسبة كبرى من صناعة الحديد فى سنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وكان عز هو الواجهة، ولكن الاحتكار كان يتوغل وينتشر ويتشعب ويتعمق فى العديد من قطاعات الصناعة والتجارة فى مصر، كانت الحيتان الأخرى تسبح فى المياه العميقة وتحتل معظم المراكز فى جمعيات واتحادات كل من الصناعة والتجارة على حد سواء، وحتى الحكومة وبعض أجهزة الدولة كانت لديها مبررات قوية لمنع صدور تنظيم المنافسة ووقف تحكم وسيطرة المحتكرين على مساحات شاسعة من النشاط الاقتصادى.1- اتحاد المحتكرينولاشك أن وراء هذه الكراهية الجماعية لقانون منع الاحتكار سبب وجيه، فعلى غرار عنوان قصة إحسان عبد القدوس كان لسان حال الجميع يقول: ياعزيزى كلنا محتكرون، الحكومة أكبر محتكر لخدمات استراتيجية مثل الكهرباء والمياه وكل المواد البترولية من بنزين إلى سولار، ومن أنبوبة البوتاجاز إلى المازوت وغاز، ولسنوات طويلة كانت الحكومات تنظر إلى تقديم هذه الخدمات كواجب بديهى تجاه مواطنيها، ولكن تغيرت النظرة فأصبحت الحكومة تعاير المواطنين الذين تحول اسمهم إلى مستهلكين بالخدمة أو بالأحرى بدعم الخدمات، وكرد فعل بدأ بعض النشطاء والخبراء يتهمون الحكومة باستغلال احتكارها، والتلاعب فى التكلفة الحقيقية للخدمات والسلع، بينما وجه آخرون للحكومة اتهاما بالفشل فى إدارة الخدمات التى تحتكرها، وتحميل المواطنين فاتورة الفشل، ومن هنا كانت هناك مقاومة رسمية وتنفيذية لفتح الباب لقانون تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار.البنك المركزى لم ينظر بعين الرضا لحكاية الاحتكار، لأن محافظ البنك المركزى يسيطر على نحو 50% من سوق البنوك، فالمحافظ هو رئيس الجمعية العمومية لكل البنوك الحكومية الأربعة الكبار فى أوائل القرن الحالى الأهلى، مصر، الإسكندرية والقاهرة بالإضافة إلى مساهمات عامة فى بنوك أخرى من جانب وزارة المالية أو هيئة الاستثمار، وهذا الوضع لا يزال ساريا، فالقرارات المصيرية فى أكبر البنوك لا تزال فى يد المحافظ، ولذلك كان من الطبيعى أن يرفض كل المحافظين تطبيق قانون الاحتكار فى مجال البنوك، واختيار الرقابة الداخلية على شكاوى الاحتكار والإضرار بالمنافسة فى قطاع البنوك.وفى قطاع الأعمال وممثليهم فى المنظمات الأهلية لم يختلف الوضع، فالنسبة الأكبر من رؤساء هذه المنظمات كانوا هم الأكبر فى السوق وبعضهم يستحوذ أو يحتكر نسبًا تزيد على 60% من سوق أعماله سواء صناعة أو استيرادًا أو توزيعًا، وكان أهم وأكبر خمس عائلات فى البيزنس يحتكرون سوق التوكيلات الأمريكية والأوروبية، وهكذا تكاتف الجميع على مشروع قانون الاحتكار، ولم يجد أنصارا أقوياء فى البرلمان الخاضع للحكومة والحزب الوطنى المنحل، خاصة أن بعض كبار رجال الأعمال نجحوا فى اختراق مزدوج لكل من الحكومة والحزب.2- دعم أجنبىولكن كل هؤلاء الخصوم الأقوياء عجزوا فجأة عن منع القانون من الظهور، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يهزم الأقوياء سوى الأقوى منهم، كانت الدولة المصرية بكل مؤسساتها تسعى أو بالأحرى تهرول للانتهاء من إجراءات الشراكة الأوروبية، وكان إصدار قانون منع الاحتكار وتوابعه أحد الشروط الحاكمة لتوقيع الشراكة، وظلت الحكومة تؤجل هذه الخطوة، ولكنها وجدت نفسها فى النهاية مضطرة لشرب المر واحتمال أشواك الملف الكريه من أجل الشراكة.وتحت هذا الضغط الأوروبى اضطرت الحكومة لإصدار قانون منع الاحتكار وإنشاء جهاز تنظيم المنافسة ومنع خطايا الاحتكار.ولكن لأن النفوس لم تكن صافية، والنوايا كانت سلبية تجاه الملف، فقد حرصت أطراف عديدة على أن يصدر القانون ويولد الجهاز ضعيفا، منزوع الأنياب وبلا صلاحيات تقلق باب أو منام كل المحتكرين حكومة وأهالى، فلم يعط للجهاز حق الموافقة أو رفض الاستحواذات التى تزيد على نسبة مؤثرة فى السوق مثل 25% أو 50%، واكتفى بمجرد الأخطار، ولم يمنح القانون فى نسخته الأولى، للشريك المبلغ عن جريمة اتفاق بين كبار المحتكرين حصانة من العقوبة، وعلى الرغم من تغيير هذه المادة بعد ثورة يناير، فإن الجهاز منى بخسارة فادحة بعد هذه الثورة، هجرة عدد كبير من الموظفين المؤهلين بل إن الحكومة تركته بدون تعيين مدير للجهاز لأكثر من عامين، وعلى الرغم من تحقيق الجهاز تحت قيادة الدكتورة منى الجرف بعض النجاحات إلا أن الحكومة ظلت تتجاهل تعديل القانون الذى يجعله قادرا على ضبط السوق، ولم يهتم الوزير السابق طارق قابيل ولا رئيس حكومته بتفعيل هذه التعديلات الخاصة بالاندماج بين الشركات والاستحواذات الكبرى وإقرارها.كما أن الاهتمام بتدريب الكوارد بالجهاز لم يأت على بال الحكومة، ربما لتظل كفاءة كوارد الجهاز محل شك من حيتان السوق.ولكن مرة أخرى يتلقى القانون أو بالأحرى ملف منع الاحتكار دعما أجنبيا للمرة الثانية أو بالأحرى قبلة الحياة، وهذه المرة بسبب قرض صندوق النقد، تصوروا صندوق النقد يصر على أن يوقف حيتان الاحتكار، ونحن نماطل المرة تلو الأخرى، ثم نضطر للموافقة من أجل شريحة قدرها 2 مليار دولار.3- فساد الأسواقوفى الوقت الذى وافقت الحكومة على تفعيل قانون منع الاحتكار للحصول على 3 مليارات دولار، فقد أضاعت علينا كمواطنين مئات المليارات بسبب فساد معظم أسواق السلع والخدمات، فنحن نحظى بأسوأ معاملة، فجأة تختفى سلعة ما، ثم تظهر بسعر مرتفع، لأن هذه السلعة تخضع لاحتكار عدة أشخاص، لاحظ مثلا تشابه عروض السمن والزيت رغم اختلاف الأسماء، لأن كل هذه الأسماء المتنوعة هى ملك لشركة واحدة، لاحظ أيضا أن معظم السلع المستوردة ترتفع أسعارها بغض النظر عن سعر الدولار أو سعر المنتج فى الخارج، والسبب أن هناك عدة أشخاص يسيطرون على سوق الاستيراد والتوكيلات، ولاشك أنك لاحظت اختفاء سلع جيدة بأسعار مناسبة، لأن شركة كبرى اشترت الشركة المنتجة لهذه السلعة وأغلقت المصنع أو أجبرت المصنع على الخروج من السوق، لاحظ ثبات أسعار العقارات فى مصر لأن الكبار فى السوق قرروا ألا يخضعوا لنظرية العرض والطلب بل لقانونهم الخاص، لاحظ خريطة موزعى سلع استراتيجية مثل الحديد أو الأسمنت فى المحافظات، ولم تجد فى كثير من الأحيان تنوعا أو منافسة بين الموزعين، وحتى فى البنوك ستلاحظ أن سعر الفائدة أو حتى الخدمات والشهادات التى تقدمها كبرى البنوك تتشابه إلى درجة التطابق.ولكل ذلك وغيره نعيش كعبيد وليس كمستهلكين فى معظم حياتنا، والسبب ببساطة وعلى بلاطة أننا نفتقد قوة تنظيم المنافسة ومنع الاحتكارات السامة والمسيطرة.4- عالم حرولاشك أننا من كثرة خضوعنا لأسواق فاسدة نتصور أن العالم كله يعيش هذه المأساة، ولكن الحقيقة مختلفة تماما، ففى كل البلاد الرأسمالية بحق وحقيق يعيش المستهلك فى عالم حر، عالم من الاختيارات المتعددة، فى فرنسا مثلا أوقفوا اندماج شركتين عملاقتين للمنتجات البترولية، لأنهم اكتشفوا أن هذا الاندماج سيجعل إحدى المدن الصغيرة تحت رحمة محطات بنزين شركة واحدة، فأجبروا الشركة على بيع عدد من محطات البنزنين لشركة ثالثة، وذلك حتى لا يكون المواطن الفرنسى فى هذه المدينة الصغيرة تحت رحمة أو بالأحرى فى قبضة شركة واحدة، ويزيد الأمر قوة عندما يتعلق الأمر بالطعام، فى بعض المدن الصغيرة أو القرى لا يمكن فتح محلين للبقالة أو السوبر ماركت لأن عدد السكان قليل، ولذلك قررت الحكومة أن تضع بالاشتراك مع مجلس المدن الصغيرة أو هذه القرى أسعارًا استرشادية للسلع، فى معظم دول الاتحاد الأوروبى لا يمكن السماح لسلسلة سوبر ماركت واحدة احتكار طريق سريع يخدم عدة مدن صغيرة وقرى، ولم تنتظر كبرى الدول الرأسمالية وقوع مخالفة أو جريمة، لأن الأصل فى النظام الرأسمالى الحر هو المنافسة وأن يجد المواطن خيارات وبدائل، لا أن يعيش عبدا لشركة واحدة أو موزع واحد، وحتى فى حالة المعشوقة كرة القدم لا يمكن التحجج بشراء حق البث أو بالأحرى احتكاره، فالمحكمة الأوروبية أصدرت حكما باستثناء مباريات الدولة من احتكار البث، ولذلك يحق لكل دولة فى المنافسات الأوروبية عرض مباراة فريقها الوطنى على قناة أرضية، فالاقتصاد الحر لا يحرم الأفراد من حرية الاختيار والانتقاء، لأن ضياع هذه الحرية هى جريمة أخلاقية واجتماعية فى حد ذاتها، أما التلاعب من جانب الشركات والاتفاق على تهديد حرية المستهلك فتلك جريمة تكلف مرتكبيها ثمنا فادحا، هناك قضايا أو بالأحرى جرائم احتكار تصل الغرامة فيها لمليارات من الدولارات أو اليورو، فالاقتصاد الحر ليس فقط حرية العمل وجنى الأرباح، ولكنه فى الأصل حرية المستهلك فى اختيار سلعة وخدمات بحرية من بين عروض مختلفة، أما الاقتصاد الحر عندنا فمفهومه هو حرية رجال الأعمال فى التنكيل بنا والسيطرة علينا.عرفتم الآن لماذا كان قانون المنافسة فى ثلاجة مكافحة الفساد سنوات طويلة؟ ولماذا ولد ضعيفا وظل مريضا بفقر الأنيميا؟ ربما لأن كلمة الحرية - أى حرية - تثير حساسية كل الكبار فى مصر.
مشاركة :