لطالما كان للكتّاب والفنانين مكتبات أخرى متخيّلة، سحريّة، مكتبات تنتمي للماضي الغابر، أو للمستقبل، أو لكوكب آخر. ربما أحد أشهر تجليات المكتبة في الأدب، كانت في رواية "اسم الوردة" لأمبرتو إيكو (1980)، مشهد في القرون الوسطى في دير مملوءة بالكتب، حيث يبدأ الراهب ويليام بمحاولة اكتشاف الفاعل لجريمة قتل حدثت في المكتبة، ليكتشف فيما بعد أن السبب كان محاولات أمين المكتبة الشيطانية لإخفاء كتاب كلاسيكي عن العالم.. ويتوصل ويليام في ذروة القصة لمعرفة أن المكتبة التي وجدت من الأساس للحفاظ على الكتب، تحولت إلى طريقة لدفن الكتب". هذه المكتبات المتخيّلة تعد شاهدًا على القيمة السحرية والمعقدة للمكتبات، ولكن المكتبة كما نعرفها أصبحت معرضة للتهديد، أصبح بإمكان نقرة زر أن تفتح لنا مكتبة أضخم من أي مكتبة أخرى يمكن للخيال تصورها. وصلنا إلى عصر يمكن فيه الوصول إلى ملايين الكتب من دون الحاجة إلى مغادرة المنزل، ولم يشهد التاريخ مرحلة كهذه، القارئ الآن أكثر حظًا من أي قارئ آخر، كل ما تحتاج إليه هو اتصال بالانترنت، لتدخل إلى جنة مواقع مثل: Project Gutenberg ،The Internet Archive ،Google Books ،Amazon Kindle Store ،iBooks Store. هذه المواقع هي بالتأكيد مكتبات المستقبل، أو مكتبات الحاضر بالأحرى، فكرتنا القديمة عن المكتبة أنها يجب أن تكون في مساحة كبيرة كمكتبة الكونغرس، أو مساحة صغيرة كالمكتبات المحلية لم تعد فكرة صامدة. المكتبة الآن تحولت إلى مساحة افتراضية تتكون من أعداد لا نهائية، مكتبة المستقبل أكبر من كل مكتبات التاريخ مجتمعة، وأصغر من كتاب على رف هذه المكتبات، ومثل هذا الإنجاز لم يسبق له أن دخل حيز الاستيعاب في الماضي إلا في قصص الخيال، في قصة بورخيس القصيرة التي كتبها سنة 1941 "مكتبة بابل" قام بتخيل الكون ذاته على أنه مكتبة من أبعاد لا نهائية، متماثلة بصورة رائعة، وتحتوي داخلها على خلود فريد، لتتناقض فوضى الكتب داخلها مع النظام الهندسي والمعماري المحكم لتصميمها، هذه المكتبة تحتوي على كل كتب العالم، وإضافة إلى ذلك فإن العناوين تملأ الرفوف دون نظام معروف. التكرار والتماثل يمحو نظام المكتبة، ويمحو أي معنى جوهري، لنصل إلى هذا الاستنتاج: "المكتبة عبارة عن نظام دوري لا منتهي، إن حاول مسافر أبدي عبورها بأي اتجاه، بعد قرون سيرى المجلدات ذاتها مكررة بالفوضى ذاتها، وهذا التكرار سيكون نظامًا: بل سيكون النظام".
مشاركة :