خطة رئيس شبكة فيسبوك مارك زوكربيرغ في الانتخابات الأميركية التي يعلن عن تفاصيلها بتسلسل في بيانات منظمة على حسابه الرسمي دليل على استيلاء “الرجل القوي” على السلطة في “عالم مواز” بات اليوم يوجه العالم الحقيقي. واشنطن - تبدأ فيسبوك في نهاية الأسبوع الحالي حملة لتختار من بين موظفيها متطوعين للمساعدة في مراكز التصويت الأميركية خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر القادم، وفقا لرئيس الشبكة مارك زوكربيرغ. وقال زوكربيرغ في رسالة عبر صفحته على فيسبوك “نحن على بعد أقل من شهرين من الانتخابات الأميركية، ونشهد نقصا هائلا في العاملين في مراكز الاقتراع، ويمكن أن يؤدي النقص إلى ساعات انتظار طويلة في صناديق الاقتراع، مما يجعل من الصعب على الناس المشاركة في العملية الديمقراطية، وتشير التقديرات إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى ما يقرب من نصف مليون موظف استطلاع هذا العام، خاصة بسبب جائحة كوفيد – 19 المستمرة. وللمساعدة في جذب المزيد من الأشخاص لهذه الوظائف المهمة، تطلق فيسبوك حملة لتوظيف موظفي الاقتراع في نهاية هذا الأسبوع، مما يسهل على الأشخاص الاشتراك والعمل كعمال اقتراع مع سلطات الانتخابات في الولايات”. وأضاف زوكربيرغ “للقيام بذلك، سنعرض رسالة في الجزء العلوي من موجز الأخبار للأشخاص في الولايات المتحدة الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما، وقد قدمنا أيضا أرصدة إعلانية مجانية لكل سلطة انتخابية في الولايات حتى تتمكن من تعيين عمال الاقتراع عبر منصاتنا، بدأت كاليفورنيا بالفعل في عرض هذه الإعلانات وستنضم إليها عدة ولايات أخرى في الأيام المقبلة، كما نقدم أيضا إجازة مدفوعة الأجر لجميع الموظفين في فيسبوك في الولايات المتحدة الذين يرغبون في التطوع لموظفي الاقتراع”. واستكمل زوكربيرغ “حملة التوظيف هذه هي جزء من حملة معلومات التصويت الأكبر على فيسبوك، بهدف مساعدة 4 ملايين شخص على التسجيل والتصويت”، معلنا تبرعه هو وزوجته بمبلغ 300 مليون دولار لمنظمات غير حزبية تدعم الولايات والمقاطعات المحلية في تعزيز البنية التحتية للتصويت، وأضاف أن “التصويت هو صوت، وفي الديمقراطية، هو الطريقة المثلى التي نحمل بها قادتنا ونتأكد من أن البلد يسير في الاتجاه الذي نريده”. ويصنف نفوذ مارك زوكربيرغ بالمذهل، ويتجاوز بكثير تأثير أي شخص آخر في الولايات المتحدة، إذ يتحكم في ثلاث منصات اتصالات أساسية؛ فيسبوك وإنستغرام وواتساب، والتي يستخدمها المليارات من الأشخاص يوميا. ويعمل مجلس إدارة فيسبوك باعتباره لجنة استشارية أكثر منه مشرفا؛ لأن مارك زوكربيرغ يتحكم في نحو 60 في المئة من القوة التصويتية. ويمكن له وحده تحديد كيفية تكوين خوارزميات فيسبوك لتحديد ما يراه المستخدمون في صفحتهم الرئيسية، وإعدادات الخصوصية التي يمكنهم استخدامها وحتى الرسائل التي تصل إليهم. ويضع كذلك القواعد لكيفية التمييز بين الخطاب العنيف والتشهيري والعدواني فحسب، ويمكنه اختيار تنحية منافس ما من خلال الاستحواذ عليه أو حظره أو استنساخه. واعتبر المؤيدون لزوكربيرغ أن ما يفعله الرجل، هو جهد مقدر لحماية نزاهة الانتخابات الأميركية، على الصعيدين الداخي والخارجي. بينما رأى معارضون أن زوكربيرغ بهذا البيان يؤكد نفسه رقما مهما في الانتخابات الأميركية، مثل اللوبيات (جماعات الضغط) وأباطرة المال والسياسة. ويقول معلقون إن زوكربيرغ قد وضع بذلك صورة للإعلام الجديد، الذي لا يقنع بمهمة نقل الخبر، ولا يرضى بأقل من صنع تفاصيل تفاصيله، ولن يندهش الناس، وفي ظل هذا المنطق، أن يستيقظوا ليجدوا زوكربيرغ طرفا في كل انتخابات بالعالم. وساعد النمو غير المسبوق لفيسبوك وسيطرته على سوق الإعلانات الرقمية، إلى جانب غوغل وغيرهما، في تسريع انهيار نماذج الأعمال الصحافية المحطمة. وأدى ذلك إلى اندماج وإغلاق المطبوعات وتسريح الصحافيين في كل مكان. وأدت هيمنة الأخبار على فيسبوك وخوارزميات التوزيع المُتقلِّب إلى ظهور الصفحات والمواقع شديدة التحزب لملء الفجوات والاستفادة من قدرة المنصة على تحقيق الدخل من المشاركة؛ مما أدى بدوره إلى إتاحة وفرة من المعلومات المضللة سريعة الانتشار والمعلومات المضللة التي لم يكن فيسبوك قادرا (أو ربما راغبا) في ضبطها بشكل مناسب. لقد جعلت مجانية فيسبوك للجميع منه المنصة المفضلة للتلاعب السياسي. يفوز فيسبوك من كل الاتجاهات، فحجمه وقوته يخلقان حالة من عدم الاستقرار، وعلاج ذلك، وفقا لفيسبوك، هو منح الشركة سلطة إضافية. ومع بقاء شهرين فقط على الانتخابات، ينصب تركيز الأميركيين على نزاهة العملية الانتخابية. ومع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقويض نتائج الانتخابات، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر. وكتب زوكربيرغ الخميس 3 سبتمبر “مسؤولية حماية ديمقراطيتنا تقع على كاهلنا جميعا”. ولكن ماذا يعني أن تكون إحدى تلك المؤسسات المكلفة بحماية الديمقراطية مبنية، في حد ذاتها، بشكل أقرب للدكتاتورية؟ ويقول خبراء إن كلمات زوكربيرغ تبدو “حكيمة” اليوم لأن موقع فيسبوك، الذي لا يخضع لرقابة أو تنظيم الحكومات، يضع نفسه في خط الدفاع الأساسي لحماية تلك المؤسسات. في البداية، قد يمنح التعهد الانتخابي الأخير لزوكربيرغ شعورا بالارتياح (فشخص ما، يفعل شيئا!)، لكن خطته هي الاعتراف بامتلاك قوة عظمى من شأنها أن تجعل الأميركيين غير مرتاحين. وفي سعيهم لدرء استيلاء رجل قوي محتمل على السلطة في مكان، لا ينبغي أن نسمح لرجل أقوى بالاستيلاء على السلطة في مكان آخر.
مشاركة :