باشرت القوات الأميركية والأوكرانية مناورة عسكرية يشارك فيها 1800 جندي، معظمهم من دول حلف الناتو، على مقربة من الحدود الأوكرانية البولندية. وتتواصل المناورة العسكرية «رابيد ترايدنت» - وهي أكبر مناورة متعددة الجنسية في أوكرانيا - طوال أسبوعين. ولا يرتجى خير من عرض العضلات العسكرية في المنطقة. فمثل هذا العرض قد يهدد عملية السلام ويعمّق الأزمة الداخلية في أوكرانيا. وتوجه المناورة العسكرية المشتركة رسالة واضحة إلى روسيا بأن واشنطن وحلفاءها عازمون على إحباط طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. سعى الناتو وواشنطن إلى استخدام كل الوسائل المتاحة للتصدي لروسيا اقتصادياً وسياسياً. وفرضت العقوبات على موسكو، وجمدت أرصدة بعض الشخصيات والشركات الروسية، ومنع بعض المسؤولين من السفر إلى دول أوروبية. فارتفع معدل أسعار الفائدة في روسيا وضعفت قيمة الروبل وانزلقت موسكو إلى كساد اقتصادي. وعزلت روسيا في المجتمع الدولي عزلاً سياسياً إثر إقصائها من نادي مجموعة الدول الثماني التي صارت اليوم مجموعة الدول السبع. ويحسب الغرب أن المناورة المشتركة، تحمل الكرملين على تغيير موقفه المتشدد إزاء الأزمة في أوكرانيا. لكن الخيبة تنتظر أميركا وحلفاءها. فالمشاعر الوطنية في روسيا تعاظمت وبلغت مستوى غير مسبوق. ولن يستسلم بوتين والشعب الروسي أمام هذا الاستفزاز الغربي المسلح. وإذا واصل حلفاء الناتو استعراض عضلاتهم العسكرية من طريق توسيع نطاق التدريبات، فمما لا شك فيه أن موسكو سترد وتنتهج تدابير انتقامية قاسية. وحذرت العاصمة الروسية من عواقب المناورات العسكرية الجارية في أوكرانيا، وأشارت إلى أن هذا المناورات هي مرآة سياسة حلف الناتو الاستفزازية المسلحة بدعم السلطات في كييف. وأعلنت، إثر مدة وجيزة من بداية المناورات، إجراء تدريبات إطلاق مناورات صاروخية بالذخيرة الحية في شبه جزيرة القرم الأحد (في 26 الجاري). لذا، جلي أن عواقب «رابيد ترايدنت» لا تسير على ما يشتهي حلف الناتو. ويمكن أن تؤدي إلى تواتر المناورات العسكرية وتأجيج التوتر في المنطقة. فتتعاظم احتمالات نشوب حرب «ساخنة». ويعم المنطقة التوتر وتصير أكثر البؤر السريعة الاشتعال في العالم. ويتعذر تحقيق الأمن والاستقرار بواسطة تدريبات عسكرية متعددة الجنسية. فالمناورات المشتركة تعزز الشكوك الروسية حول نوايا الغرب وتفاقم حذر الكرملين إزاء الدول الغربية. ولا يمكن إذكاء الريبة أن يساهم في نزع فتيل الأزمة، بل هو يعرقل تنفيذ اتفاق السلام الذي أبرم في مينسك في شباط (فبراير) الماضي. وتدعو اتفاقات مينسك التي وافقت عليها روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا، إلى الوقف الفوري والكامل لإطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة. ولا يخفى أن الثقة المتبادلة بين موسكو والغرب هي ركن التزام اتفاق وقف إطلاق النار. أمّا المناورات العسكرية المشتركة، فتقوض مساعي مد جسور الثقة - وهذا شرط تحقيق المصالحة بين الجانبين. ويتعذر إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة في أجواء الريبة المتبادلة. وتستثمر واشنطن ودول الناتو التدريبات العسكرية لبلوغ غاياتها السياسية. لكن، من الواضح أن أياً منها غير مستعد لخوض حرب فعلية. فالاقتصاد الروسي المتعثر يقيد يد موسكو وقدرتها على تحمل تكاليف الحرب. أمّا الولايات المتحدة فتعد للانتخابات الرئاسية في 2016. وهي غير مستعدة، مهما كانت قدراتها العسكرية ونفوذها الاقتصادي، لشن حرب في مثل هذا الوضع الداخلي. والاتحاد الأوروبي يواجه تحديات اقتصادية. وآخر ما ترغب فيه بروكسيل هو اندلاع صراع عسكري من جديد. لكن رغبة الناس غالباً ما لا تحول دون اندلاع الحروب، في وقت تنفخ المناورات العسكرية المتكررة في احتمال نشوب نزاعات مسلحة وانزلاق المنطقة إلى الحرب. وتفادي الأسوأ يقتضي وقف التدريبات العسكرية على الفور. وحري بالأطراف كلها التزام الهدوء. ويساهم مد جسور الثقة وبدء مفاوضات مباشرة في تعزيز المصالحة بين الغرب وموسكو. ويؤدي التواصل، عوض عرض العضلات العسكرية، دوراً محورياً في ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
مشاركة :