الشارقة: أوميد عبدالكريم إبراهيم تقوم فكرة الصالونات الأدبية بشكل عام على عقد لقاءات دورية للمثقفين من روائيين، شعراء، كتّاب، فنانين وغيرهم؛ بهدف عرض النتاجات الأدبية لأيٍّ منهم، ومناقشتها وتبادل الرؤى حولها، وما يتخلل ذلك من متعة أدبية، وصقلٍ للذوق العام، وإثراء للمعرفة، وقد شهدت دولة الإمارات بزوغ فكرة الصالونات الأدبية منذ فترة طويلة، وبلغت أنشطتها وفعالياتها في بعض الأوقات ذروتها، وهو ما يطرح تساؤلاً حول ما تمثّله هذه الصالونات من إضافة إلى المشهد الثقافي، وكذلك المعوقات التي يمكن أن تواجه سير عملها؛ لا سيما وأن أنشطتها خفتت في الآونة الأخيرة. يُجمع عدد من المثقفين الإماراتيين في هذا الاستطلاع على أن الصالونات الأدبية لعبت دوراً محورياً في خلق مساحات أرحب لتبادل النقاشات البنّاءة التي من شأنها إثراء المنتج الأدبي؛ كما ساهمت في الارتقاء بالذائقة الثقافية عموماً، ونقلت عملية القراءة على وجه الخصوص إلى مرحلة جديدة حفَّزت من خلالها مختلف شرائح المجتمع على ممارستها؛ بعد أن كانت مقتصرة على صفوات ونُخبٍ بعينها، ويؤكدون في الوقت ذاته أهمية وجود إطار مؤسسي جامع يُنظم عملها ويضمن استمراريتها، ويذلل العقبات التي قد تعترض طريقها. تجربة شخصية تتحدث الشاعرة والكاتبة كلثم عبدالله عن تجربتها الشخصية مع الصالونات الأدبية، وتقول: كانت لي تجربة في عام 2002، واستمرت 3 سنوات، وكان اسمه «صالون الأربعاء»، وشَمل المثقفين من رجال وسيدات؛ كالصحفيين، الكتاب، الشعراء، الروائيين، المسرحيين، الفنانين وغيرهم، وكانت فعاليات ذلك الصالون الأدبي كثيرة، ولاقى تفاعلاً كبيراً من جانب الشرائح المذكورة أعلاه؛ فضلاً عن مثقفين من عدة دول أخرى، وفي بعض الأحيان كان يوجد عشرات المبدعين من حوالي 15 دولة أو أكثر، وحظيت أنشطة الصالون باهتمام بالغ من مختلف الأطراف. تعتبر هذه الصالونات متنفساً فسيحاً من خلال طرحها المشاركات والأعمال الأدبية؛ كما كانت بمثابة نافذة أدبية تُطلُّ على شرائح المجتمع المختلفة بهدف إشراكها في النتاجات الثقافية المتنوعة؛ بما يعكس التعددية الثقافية التي تتميز بها الإمارات؛ لا سيما وأن مثقفين من الدول العربية كانوا يشاركون بأعمالهم الأدبية أيضاً، ولكن في الوقت الراهن ثمة ركود في عمل هذه الصالونات، وتحولت فعالياتها مؤخراً إلى تقنيات «الأونلاين»، وبالتالي تغيرت معايير العمل فيها، فمثل هذه التقنيات لا يستسيغها الكثيرون؛ كما أن البعض لا يتقن التعامل معها، وهو ما تسبب بشحِّ الإقبال على فعاليات وأنشطة هذه الصالونات؛ فضلاً عن غياب التفاعل المباشر بين المشاركين، وكذلك التعارف وتبادل الرؤى والأطروحات وجهاً لوجه، ومن المعوقات الأساسية الأخرى التي تقف أمام عمل هذه الصالونات؛ غيابُ جهة حاضنة لها تُسهل عملها؛ على أن تكون مساحة الحرية متاحة، ولكن في الوقت نفسه تحت مظلة وإشراف مؤسسة رسمية؛ لأن مثل هذه الصالونات لا غنى عنها في أي مجتمع من أجل تسليط الضوء على المثقفين والمبدعين ونتاجاتهم. همّة الاستمرارية ترى الكاتبة والروائية ريم الكمالي أنه قد لا تكون هناك معوقات بالمعنى الدقيق للكلمة أمام سير عمل الصالونات الأدبية في الإمارات، ولكن في بعض الأحيان يمكن للجانب المادي أن يلعب دوراً في هذا الإطار إلى حد ما؛ لا سيما وأن مدن الإمارات كبيرة، وتفصل بينها مساحات جغرافية كبيرة في بعض الحالات؛ كما أن هذه الصالونات عندما تتجمع في مدينة معينة؛ فإن ذلك يُصعّب على المقيمين في المدن الأخرى الحضور باستمرار للمشاركة في الفعاليات التي تُقام فيها، وربما يكون التواصل عن بعد هو الحل الأنسب في مثل هذه الحالة؛ لذلك أستطيع القول إنه لا توجد عوائق جوهرية أمام عمل هذه الصالونات، والعائق الوحيد (إن وجد)، فإنه يكمن في همّة الاستمرارية لدى القائمين على الصالون برأيي، ولكن هذه الصالونات تمارس أنشطتها الثقافية منذ مدة طويلة، وهذا دليل على أنه لا يوجد ما يعيق استمراريتها. لا شكَّ في أن هذه الصالونات ساهمت في خلق نشاط قرائي واطلاعي كبير، وحفَّزت على القراءة وأوجدت مساحات للمناقشات المثرية، وبفضلها أصبحت هناك جودة في اختيار نوعية الكتب؛ إلى جانب الاطلاع على العناوين والإصدارات الجديدة باستمرار، وقراءة مختلف أشكال الأعمال الأدبية؛ وأصبح كل ما هو جديد متوفراً في هذه الصالونات الأدبية التي تُعرِّفنا بالعناوين والكتب الجيدة أيضاً، فضلاً عن المناقشات التي تدور فيها حول الأعمال الأدبية لأي كاتب، وطريقة النقاش في هذه الصالونات تدعم عملية اختيار مختلف الإصدارات والمؤلفات؛ كما أن الآراء والمناقشات المتنوعة تثري الساحة الثقافية وتُنمِّي ذائقة الكتابة والقراءة، وهي تناقش أيضاً مختلف الأعمال الأدبية عربياً وعالمياً، وهو ما من شأنه دفع عجلة الواقع الثقافي نحو الأمام باستمرار. القراءة للجميع يشير الكاتب غيث الحوسني إلى أن الانطلاقة الأولى للصالونات الأدبية تمثّلت بتجمعات بسيطة في المقاهي والأماكن العامة، وقد كان الالتقاء صعباً أحياناً بسبب مشاغل وإيقاعات الحياة؛ لذلك لجأنا إلى تسخير وسائل التواصل الاجتماعي لهذا الغرض، وقد نجحت هذه العملية إلى حدّ ما، وكنا ندير النقاشات بشكل دوري لفترة، ولكننا ارتأينا أن هذه الطريقة غير مضمونة، وتتخللها الكثير من العوائق، فقد يكون كتاب ما متوفراً، ولكنه قد يكون «مُقرصناً»؛ أي أن يأتي شخص مجهول ويقوم بتحميل أحد الكتب على الصفحات الإلكترونية دون وجود مسوّغ قانوني، وهذا أشبه بعملية سطو على حقوق الناشر والكاتب معاً، وبالتالي وضَعَنا هذا التحدي أمام معضلة الحصول على «الكتاب الشرعي»، فعدنا إلى نقطة البداية من خلال شراء الكتاب من الناشر مباشرةً، وحتى في هذه الحالة قد لا يكون الكتاب متاحاً بشكل فوري. ويتابع: «لقد ساهمت الصالونات في نشر مفهوم القراءة، وجعلتها أكثر شعبية بدلاً من أن تكون نخبوية ومقتصرة على شرائح بعينها، وفتحت نافذة ثقافية على الجميع بغض النظر عن مستوياتهم؛ من أجل الحصول على منتج أدبي والتعرف على مضمونه، وبالتالي أشركت القراء العاديين في القراءة، وفي ظل طفرة الكتابة التي نشاهدها اليوم، ولو أن المحتوى يكون مائعاً أحياناً؛ فقد ساهمت هذه الصالونات في اختيار المضمون الأدبي الرفيع والرصين، ووجَّهت الكتّاب المبتدئين أو الشباب للقراءة بعيون أدبية؛ فضلاً عن الاستفادة من الكتاب الكلاسيكيين، وساهمت كذلك في اكتشاف كتب جديدة وجعلتها متداولة بين الناس، وسلّطت الضوء عليها، وناقشتها من مختلف الزوايا. سلوك تشاركي يؤكد الشاعر حسن النجار أن الصالونات الأدبية جددت دماء القراء، وأثرت في المشهد الثقافي الإماراتي بشكل جليّ، وزادت من رقعة القراءة بين شريحة الشباب، وأجّجت روح القراءة لديها، وجعلت المشهد الثقافي فتيّاً، وساهمت في إيجاد أصوات جديدة؛ كما عززت قيمة القراءة بين شرائح المجتمع بشكل تصاعدي، وأخرجت القراءة من بين جدران المنازل والسلوك الانعزالي الذي كان يرافقها، وحوّلته إلى سلوك تشاركي يتضمن النقاشات والتعارف، وانتشار هذه الصالونات بات أشبه بالموضة الحميدة المحببة والمفيدة، وأمست موجودة حتى في المكتبات والدوائر الرسمية. مما يميز هذه الصالونات أيضاً أنها تحتفي بالأعمال الأدبية العالمية والمحلية على حدّ سواء، وتحتفي أيضاً بالكتّاب الموجودين، وكذلك الجدد، وتسلط الضوء على نتاجاتهم الأدبية وتناقشها من مختلف الزوايا، وغالباً يتم ذلك بحضور الكاتب نفسه، وهذا من شأنه إثراء العمل الأدبي؛ كما أنها تضفي المزيد من التناغم بين الكتّاب وأعمالهم من جهة، وبين القراء من جهة أخرى، ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن فكرة الصالونات الأدبية حرّة وغير مقيدة بمكان أو مؤسسة، وعليه فإنه لا يوجد ما يعيق القيام بهذه الخطوة؛ حيث يمكن لأي تجمع من المثقفين أو القراء إنشاء مثل هذه الصالونات بكل يسر وسهولة.
مشاركة :