إن تحديد شهر أكتوبر لانعقاد دور المجلس العادي لا يرقى إلى مرتبة القداسة في المواقيت المحددة لبعض الواجبات في العبادات، حيث يعتبر ميقات العبادة عنصرا جوهريا فيها، لا ينفك عنها ولا يقترن بها كأمر عارض، بل هو جزء لا يتجزأ من تكوين الفريضة. لا قداسة لشهر أكتوبر في مقالنا أول من أمس تحت عنوان "ما الذي يحول دون فض دور انعقاد المجلس؟"، حيث تتعدد الإجابات التي يحاول أصحابها بناءها على تحليل سياسي، والبعض من هذا المنظور يعيد حساباته وترتيب أوراقه، حاولت من منظور دستوري وقانوني لا أملك إلا أدواته أن أبدد هاجس الخوف لدى البعض الذي يفسر النص من ظاهره، ليصل إلى زعم بأن هناك التزاماً على المجلس بعقد دور خامس في شهر أكتوبر توجبه المادة (86)، وهو ما تناولنا الرد عليه بأن تحديد شهر أكتوبر لا يعدو أن يكون ميعادا لانعقاد دور الانعقاد السنوي المنصوص عليه في المادة 85 من الدستور. وما هو مقرر ومسلم به أن الميعاد أو الأجل المحدد لاستخدام الحق أو تنفيذ الالتزام، هو وصف يلحق بأيهما، لا عنصر جوهري فيه، وأنه أمر عارض، ولو كان الالتزام بالميعاد واجبا حتميا ابتداء أو انقضاء لا ميعادا تنظيميا. ومن هنا فإن تحديد شهر أكتوبر لانعقاد دور المجلس العادي لا يرقى إلى مرتبة القداسة في المواقيت المحددة لبعض الواجبات في العبادات، حيث يعتبر ميقات العبادة عنصرا جوهريا فيها، لا ينفك عنها ولا يقترن بها كأمر عارض، بل هو جزء لا يتجزأ من تكوين الفريضة، في قوله تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" وفي قوله سبحانه "الحج أشهر معلومات". أما الميعاد سالف الذكر لدور الانعقاد العادي فهو كما قرر الفقيه الراحل د. عبدالرازق السنهوري أمر عارض، ومن القواعد الفقهية التي تبنتها مجالس الأحكام العدلية أن الأصل في الصفات العارضة العدم، والعدم لا ينشئ دور انعقاد غير مستحق دستوريا، ودون مبرر أو مقتضى. لم نبتدع هذا التفسير والواقع أننا لم نبتدع تفسيرا للمادة (86) بربط الميعاد المحدد فيها لدور الانعقاد العادي، بدور الانعقاد السنوي المستحق دستوريا بموجب المادة (85)، بل سرنا على خطى المحكمة الدستورية عندما ربطت بين الميعاد الذي حددته المادة (87) من الدستور لدور الانعقاد العادي الأول واستحقاقه دستوريا طبقا للمادة (83) في طلب التفسير رقم 10 لسنة 2020، بمناسبة ما أثير حول موعد إجراء الانتخابات للفصل التشريعي الجديد برباط وثيق في القرار سالف الذكر، وننقل بالحرف الواحد ما قررته في هذا السياق فيما يلي: "وقد دل الدستور بالمادتين (83 /1) و(87 /1) على أمرين متلازمين ومتكاملين: أولهما: أن مدة مجلس الأمة محددة بأربع سنوات ميلادية يبدأ حسابها من تاريخ أول اجتماع للمجلس بعد انتخابه وتنتهي تلك المدة بانقضائها. ثانيهما: أن حلول مجلس جديد محل المجلس السابق منوط بإجراء انتخابات عامة في الميعاد المحدد يعقبها دعوة المجلس الجديد لأول اجتماع له، وذلك خلال أسبوعين من تاريخ انتهاء تلك الانتخابات، فإذا لم يصدر مرسوم الدعوة خلال تلك المدة، اعتبر المجلس مدعوا للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين. ومؤدى هاتين المادتين باعتبارهما حلقتين متعاقبتين في تتابعهما الزماني أن أولاهما، وقد حددت لمجلس الأمة مدة قدرها أربع سنوات، لا يجوز الانتقاص منها، وثانيتهما أن حلول المجلس الجديد محل المجلس السابق يكون بعد إجراء انتخابات عامة في ميعادها المحدد بحيث لا يخل ذلك بمدة المجلس السابق بما يعني لزوما، وفي إطار التنظيم المتماسك للدستور الذي صاغته أحكامه ومقاصده التي تستخلص من عباراته وتكامل نصوصه وامتناع تعارضها، "وجوب استكمال المجلس لمدته المقررة بالدستور وإجراء انتخاب مجلس جديد في الميعاد الدستوري المحدد ليعقب المجلس السابق مباشرة بعد انتهاء مدته، وهو ما يتمخض التزاماً لا فكاك منه ولا محيص عنه بوجوب التقيد بالأمرين معا لورودهما بنصين آمرين لا يجوز مخالفتهما". فهناك تطابق كامل بين تفسير المحكمة الدستورية، للميعاد المحدد في المادة (87) من الدستور، لدور الانعقاد العادي الأول بربطه بما نصت عليه المادة (83) بأن يجري التجديد لمجلس الأمة خلال الستين يوما السابقة على انتهاء الفصل التشريعي، فالفصل التشريعي ودور انعقاده الأول مستحقان دستوريا، بموجب هذه المادة، وجاءت المادة 87 لتحدد ميعاد انعقادهما. وهو ما يصدق على تفسيرنا للمادتين (86،85)، بوجوب الالتزام بهما معا باعتبارهما نصين آمرين لا يجوز مخالفتهما، في إطار التنظيم المتكامل لنصوص الدستور. فالتطابق كامل بين دلالة الميعاد المحدد في المادة 87 لدور الانعقاد العادي الأول، وبين دلالة الميعاد المحدد في المادة (86) لأدوار الانعقاد العادية التالية، في تحري مقاصد النصين، وقوفا عند الغاية من تقريرهما والغرض المقصود منهما، والذي يفترض أن يكون النصان معبرين عنه ومحمولين عليه. فالمادتان تفرضان التزاما على رئيس الدولة بتوجيه الدعوة الى المجلس للانعقاد في الميعاد الذي حددته كل منهما، حيث توجب المادة (87) فقرة أولى توجيه هذه الدعوة خلال أسبوعين من تاريخ انتهاء الانتخابات العامة بالنسبة الى دور الانعقاد العادي الأول، وإلا اعتبر مدعوا للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين، والمادة (86) توجب توجيه هذه الدعوة، قبل شهر أكتوبر، بالنسبة إلى أدوار الانعقاد السنوية التالية المستحقة دستوريا وفقا لأحكام المادة 85، وإلا انعقد المجلس في السبت الثالث من هذا الشهر. فلم نخرج في تفسيرنا للمادة (86) من الدستور، عندما ربطنا الميعاد المحدد فيهما بدور الانعقاد السنوي المنصوص عليه في المادة (85) سالفتي الذكر، عن تفسير المحكمة الدستورية سالف الذكر وربطها بين تفسير نص المادتين 83 و87 من الدستور، باعتبار أن الأخيرة حددت ميعادا للفصل التشريعي ودور الانعقاد العادي الأول فيه المنصوص عليهما في المادة (83). وكان انطلاقنا والمحكمة الدستورية في هذا التفسير المنهج الأصيل في تفسير النصوص الدستورية، الذي أثبتته في قرارها بأن التوفيق بين النصوص يعني التقريب بينها، فلا يفهم بعضها بمعزل عن البعض الآخر إنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء دلالة باقي النصوص.
مشاركة :