أصبح شبه مؤكد أن شائعة "الاندماج" بين المصرفين السويسريين الأول والثاني، "يو بي إس" و"كريدي سويس"، تبدو قريبة جدا من الواقع، ومنطقية من الناحية الاقتصادية، بل خطوة يشجعها المشرعون والمنظمون الماليون في بلاد المصارف، لكن هناك عديدا من الحواجز تتعلق بثقافة عمل كل مصرف وشخصيته وسياسته. "المصرفان السويسريان الرئيسان يستعدان لعملية اندماج"، وفقا لما ذكره تقرير نشرته أمس مدونة الأخبار المالية "إنسايد بارادبلاتز". سيطلق على المشروع، "سينيال" - إشارة باللغة العربية. وأفيد بأن أويلي ماورير وزير المالية الاتحادي، قد أبلغ بالخطوة، وأن شركة ماكينزي للتدقيق الحسابي القريبة من المؤسستين الماليتين متعددتي الجنسيات، ستلعب دور مستشار الصفقة التي تم تحديد هدف إنجازها بحلول نهاية العام المقبل. وسيتولى أكسل ويبر رئيس مصرف "يو بي إس"، الذي بادر بالمشروع، رئاسة المصرف الكبير الجديد. ومن المتوقع أن يتقاعد أورس روهنر، رئيس "كريدي سويس"، في ربيع 2021. وقد رفض المصرفان طلبا لـ"الاقتصادية" للتعليق على هذه الأخبار. ما منطق هذه الخطوة؟ من سيسيطر على هذا الاندماج؟ ما احتمالات تحقيق التقارب؟ ما العقبات؟ أسئلة عديدة بدأت الأوساط المالية والاقتصادية طرحها على نطاق واسع. منطق الانصهار تقول المدونة، "بعد الأزمة المالية في 2008، لم تغير المصارف الأوروبية بشكل عام، وكذلك في سويسرا، نموذج أعمالها بشكل جذري. وأدى الحد من المخاطر في الميزانية العمومية، تحت ضغط الهيئات الحكومية المصرفية، إلى كبح الأنشطة المصرفية الاستثمارية التي تتعطش لرأس المال. وقد اتخذت تدابير الادخار، لكن لم يكن هناك أي شك في ضآلة نجاحها مقارنة بالحجم الهائل من النجاحات التي سجلتها المصارف الأمريكية". علاوة على ذلك، لم تضف المجموعتان المصرفيتان السويسريتان قيمة عالية لمساهميهما. كما كانت أسهم كلا المصرفين "مخيبة للآمال". كانت قيمة تداول سهم "يو بي إس" 18 فرنكا (المبلغ ذاته بالدولار تقريبا) في أيلول (سبتمبر) 2009، أما أمس (الثلاثاء) فهو 11.3 فرنك فقط. وسهم "كريدي سويس" الذي كان يساوي 11 فرنكا بالضبط قبل 11 عاما، يتراجع حاليا عند 10.1 فرنك. ولم يكن أداء أسهم المصارف الأوروبية الأخرى أفضل حالا. تؤكد مدونة "إنسايد بارادبلاتز"، أن المصرف المركزي الأوروبي قد أكد من جديد رغبته في تحقيق اندماجات بين مصارف أوروبية سواء داخل البلد الواحد أو عابرة للحدود الأوروبية. آخر اندماج بين المصارف الأوروبية جرى بين "كايكسا" و"بانكيا" في إسبانيا، وهي خطوة عدّت أنها يمكن أن تسهل عمليات اندماجات أخرى في القارة. علاوة على ذلك، كان هناك حديث منذ فترة طويلة عن اندماج بين "سانتاندر" و"كومرزبانك" - أو "بي بي في آي" - الألمانيين من جهة، مع المصرف العملاق "دويتشه بنك". تتوقع المدونة إجراء مزيد من معاملات الاندماج في أوروبا في الأشهر المقبلة. ما يتعلق بالاندماج المحتمل بين "يو بي إس" و"كريدي سويس"، يقول التحليل، إنه سيكون متسقا مع منطق الاندماجات الأوروبية. ترى أنه باندماج المصرفين يمكن للمركز المالي السويسري أن يكون له "مؤسسة مصرفية عالمية" في إدارة الثروات بحجم المصارف الأمريكية الكبيرة. وتتوقع أن يرافق هذا الحدث تغيير في نموذج الأعمال التجارية، وتعزيز الربحية، والسماح بتحقيق تغييرات لمنصات تقنية المعلومات. أي من المصرفين سيهيمن؟ هناك عدد قليل جدا من عمليات الاندماج جرت على قاعدة "نظير لنظير". ولم يكن زواج "يو بي إس" مع "سوسيته دو بانكس سويس" في كانون الأول (ديسمبر) 1997 واحدا من قاعدة الزواج المتكافئ القائم على قدم المساواة. كان "سوسيته دو بانكس سويس" أصغر حجما، لكنه أكثر حيوية، وعلى هذا الأساس تمكن المصرف الكبير "يو بي إس" من السيطرة على الصغير. اليوم، إذا أصبح المصرفان الكبيران واحدا، فمن المنطقي أن يتولى "يو بي إس" الهيمنة على "كريدي سويس"، حتى لو بدت ثقافة المؤسسة الأخيرة في إدارة الثروات أكثر تنظيما. في سوق الأوراق المالية السويسرية "بورصة"، تبلغ قيمة "يو بي إس" 43 مليار فرنك (47.3 مليار دولار)، في حين تبلغ قيمة "كريدي سويس" 24 مليار فرنك فقط (26.4 مليار دولار). الأول يدير 3588 مليار فرنك من الأصول، والثاني 1443 مليار فرنك. الأول يوظف 70 ألف شخص (20 ألفا في سويسرا)، و"كريدي سويس" 50 ألفا (15 ألفا في سويسرا). مشكلات تنظيمية في إدارة الثروات وإدارة الأصول، لن يشكل زواج مصرفين رئيسين أي مشكلة تنظيمية، لأن أيا من المصرفين لا يتطلب كثيرا من رأس المال. التحدي الذي يواجهه مثل هذا النوع من الزواج هو تحقيق مجموعة متماسكة وفعالة. تقول تحليلات الاقتصاديين، إنه بين مصارف الاستثمار، ستزيد المؤسسة الجديدة من مكانة بلاد المصارف في التصنيف الدولي، لكن بسبب اللوائح التي تم تشديدها في الأعوام الأخيرة، سيتم تحديد الأولويات بوضوح. يضيف هؤلاء: "ربما لا ترحب هيئة مراقبة المصارف السويسرية "فينما" بقيام عملاق مالي يراكم ويركز عديدا من المخاطر. وقال لـ"الاقتصادية"، إيمانويل جاريسوس المحلل الاقتصادي، "من كبير جدا على الفشل"، يمكن أن ننتقل إلى "كبير جدا على التحكم فيه". ويضيف: هل نسينا دروس 2009؟ من الأفضل إخراج مصرف للاستثمار من هذه "الصفقة" من خلال الانقسام. المعوقات الوطنية في الخدمات المصرفية للأفراد، عادة ما تكون المعوقات المحلية التي تقف في الطريق ضخمة. تستحوذ المؤسستان على نحو ربع الرهون العقارية، مقارنة بالثلث لمصارف المقاطعات الـ26، و17 في المائة لمصرف "رافهايزن". يقول المعارضون، إن هذا الاندماج سيجعل من المؤسسة الجديدة أكثر هيمنة على سوق الرهن العقاري، وربما يدفع المصارف الأخرى إلى التخلي عن هذا النشاط. عليه، يتوقع هؤلاء ألا ترحب مصارف المقاطعات بهذا الاندماج، وستكون معارضة رئيسة له أمام "فينما". يتحدث المتشائمون عن احتمال خفض آلاف الوظائف يصل إلى شطب 10 - 20 في المائة من المجموع، أو ما لا يقل عن 15 ألف وظيفة في جميع أنحاء العالم، في خضم أزمة وباء مدمرة للاقتصاد، ما يمكن أن يولد صراخات كبيرة، ليس فقط في مؤسسات حماية الموظفين، ولكن أيضا داخل كثير من الطبقة السياسية. يقول هؤلاء، إنه بسبب المصارف الرقمية، والأزمة الاقتصادية الناجمة عن كوفيد - 19، من المتوقع أن تجري المصارف الكبرى مزيدا من خفض العمالة بشكل حاد في الأعوام المقبلة، لكن البيئة الاقتصادية الحالية غير مواتية إلى حد كبير للإعلان عن إعادة هيكلة واسعة النطاق، ولا سيما أن عمليات التسريح الجماعي من شأنها أن تشوه الصورة التي حسنت فيها المصارف للتو نتائج أعمالها. في سوق الأوراق المالية، كان رد فعل سهمي المصرفين إيجابيا إلى حد ما مع أخبار الزواج، ما عدّ علامة أولى على الثقة، لكن الزيادة المتواضعة للسهمين، ربما تعبر عن "صعوبة المهمة"، حسب الاقتصاديين هنا.
مشاركة :