الحرائق تحوّل جنة الغابات في البرازيل إلى جحيم | | صحيفة العرب

  • 9/16/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بورتو جوفري (البرازيل)- حوّلت الحرائق المستعرة في بانتانال البرازيلية هذا المعقل البارز للتنوع الحيوي إلى بؤرة خراب تطغى فيها رائحة الشجر المحترق وألسنة اللهب على المشهد، في منطقة تُعرف بغناها الكبير بالثروة النباتية والحيوانية. ويحاول فيليبي مايا، وهو موظف في فندق كان يوفر قوت عيشه من السياحة البيئية، احتواء تقدم النيران عبر استخدام خرطوم مياه لرش أحد الجسور الخشبية التي تتيح العبور فوق الأنهار عند طريق نرانسبانتانيرا الممتدة على 150 كيلومترا وتربط بوكونيه ببورتو جوفريه في وسط البرازيل الغربي. وتشهد المنطقة أسوأ جفاف منذ 47 عاما، ما تسبب في جفاف الكثير من المجاري المائية. وعادة ما تشهد المنطقة حرائق في مثل هذه الفترة من السنة، إلا أن حرائق الموسم الحالي خرجت عن السيطرة تماما. نيران الحرائق أتت على ما يقرب من 23 ألفا و500 كيلومتر مربع منذ مطلع العام الجاري في المنطقة الرطبة الأكبر في العالم وقد أتت النيران منذ مطلع العام الجاري على ما يقرب من 23 ألفا و500 كيلومتر مربع، أي حوالي 12 في المئة من المنطقة الرطبة الأكبر في العالم، والتي تمتد أيضا على أجزاء من باراغواي وبوليفيا. ويقول فيليبي مايا، على بعد بضعة أمتار من منطقة تستعر فيها النيران “في كل يوم، نمرّ على هذا الطريق، وكل مرة نرى فيها بؤرة حريق في الجوار نرش الجسور بالمياه لتفادي احتراقها أيضا”. وقد انبرى الكثير من السكان والمرشدين السياحيين والموظفين وأصحاب المؤسسات السياحية لمساعدة عناصر الإطفاء ليلا ونهارا. ويقول روبرتو كارفاليو ماسيدو، وهو مرشد سياحي انضم إلى أفواج المتطوعين، “هذا محزن. لقد واجهنا جائحة كورونا التي يطول أمدها لفترة تفوق ما كان متوقعا في البرازيل، وكنا نظن أننا سنكون أمام موسم سياحي جيد، إلى أن اشتعلت الحرائق”. وحددت الأقمار الاصطناعية التابعة للمعهد الوطني للبحوث الفضائية بين الأول من يناير والثالث عشر من سبتمبر 14 ألفا و764 بؤرة حريق في منطقة بانتانال البرازيلية، أي بزيادة نسبتها 214 في المئة مقارنة مع الفترة عينها من العام الماضي. وقد جرى تخطي الرقم القياسي للحرائق المسجلة في سنة كاملة (12536 بؤرة حريق) في أقل من تسعة أشهر. وذكرت وسائل إعلام برازيلية أن مساحة المنطقة المتضررة تعادل مساحة فلسطين المحتلة. بؤرة خراب بؤرة خراب ويقود روبرتو كافاليو ماسيدو سفينة على متنها أيضا فريق من الإعلاميين، ليجوب الأنهار في متنزه إنكونترو داس أغواس الطبيعي، وهي منطقة فيضانات واسعة تبدأ في نقطة انتهاء طريق ترانسبانتانيرا. ويتعارض اللون الأخضر الطاغي عند ضفتي النهر مع السواد الذي اتّشحت به مساحات كبيرة بفعل احتراق الأشجار. وتُهدد الحرائق المستعرة في بانتانال الواقعة في أقصى جنوب غابة الأمازون المطيرة، والتي تمتدّ من البرازيل إلى باراغواي وبوليفيا، محمية طبيعية تضمّ أكبر عدد من الفهود في العالم، ويصنّفها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة على أنها من الأنواع “شبه المهددة”. وتنتشر في المنطقة عادة أنواع حيوانية كثيرة بينها التماسيح الأميركية الاستوائية (كيمن) وثعالب الماء العملاقة وآكلات النمل، إضافة إلى أكبر نوع من السنوريات في الأميركيتين وهو النمر الأميركي (الجاغوار). وقد أمضت المرشدة الشابة إدواردا فرنانديس أمارال يوم الأحد بصحبة فريق من الأطباء البيطريين وعلماء الأحياء، في البحث عن نمر أميركي مصاب جراء النيران، إلا أن الحيوان لم يظهر. وتوضح “كل الحيوانات التي تمكنا من مساعدتها كانت في وضع حرج للغاية، مع حروق تصل إلى العظام”. وتواجه الحيوانات التي تصمد في وجه النيران خطر النفوق جوعا أو عطشا. وتقر إدواردا فرنانديس باستحالة احتساب عدد الحيوانات المتضررة بدقة، لكنها تؤكد على أن الأضرار هائلة. وتقول “آمل على الأقل أن تسمح هذه الصور للناس بأن يفتحوا أعينهم ويدركوا فرادة التنوع الحيوي الموجود هنا. نحن في حاجة للحفاظ عليه، فهو ثمين للغاية”. وتظهر خارطة بانتانال وفّرتها وكالة الأراضي البرازيلية الوطنية، راهنا كوكبة من النقاط الحمر التي ترمز إلى الحرائق. عادة ما تشهد المنطقة حرائق في مثل هذه الفترة من السنة، إلا أن حرائق الموسم الحالي خرجت عن السيطرة تماما وتنجم هذه الحرائق غير المسبوقة قبل أي شيء عن الجفاف الاستثنائي، إذ لم تتخط كمية التساقطات المسجلة بين يناير ومايو نصف المعدل السنوي كما أن مناطق كثيرة لم تطلها السيول كما هو الحال في العادة. غير أن الخبراء يعتبرون أن عوامل أخرى ساهمت في هذا الوضع، خصوصا استبدال أنواع نباتية أصيلة في المنطقة بأخرى متأتية من الخارج بهدف استخدامها لرعاية المواشي، وهي تحترق بسرعة أكبر. وحسب دراسة حديثة بجامعة ستوني بروك الأميركية، فإن من بين التأثيرات الأخرى، انخفاض تدفق المياه إلى الأحواض التي تضم الأمازون، مما يؤثر على الصيد والزراعة ويعمق أزمة التهديد لأصناف الحيوانات ويزيد من تفاقم تغير المناخ الإقليمي والعالمي. ويضاف إلى ذلك الشعور السائد بـ”الإفلات من العقاب” بسبب “نقص الموارد لدى الهيئات العامة لحماية البيئة”، وفق فينيسيوس سيلغيرو من “معهد مركز الحياة” وهو منظمة غير حكومية. ويتهم المدافعون عن البيئة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو اليميني المتطرف والمشكك في واقع التغير المناخي، بتهديد الموارد الطبيعية الحيوية في البلاد من خلال سياسات لتوسيع الزراعات والتعدين في أراض محمية، رغم إعلان السلطات حالة الطوارئ في المنطقة. ويقول هؤلاء إن الحفاظ على التنوع البيولوجي أمر مهم لأنه يضمن الاستدامة لجميع أشكال الحياة. وعلى غرار منطقة الأمازون، فإن منطقة بانتانال مهددة أيضا بالاستيلاء على الأراضي لمراعي الماشية وزراعة فول الصويا. Previous

مشاركة :