الكشف عن مخطوطة نادرة للملاح أحمد بن ماجد

  • 9/17/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كشف جامع المراجع والمخطوطات القديمة الإماراتي محمد ناصر الكوده -لـ«الاتحاد الثقافي»- عن اقتنائه مخطوطة نادرة تضم قصائد وأراجيز أمير البحار شهاب الدين أحمد بن ماجد، المولود عام 1418م والمتوفى عام 1501م، مضيفاً أن زمن تدوين المخطوطة يعود إلى 260 عاماً، وأن أهمية هذه المخطوطة تكمن في احتوائها على تسع منظومات شعرية تتراوح بين القصيدة والأرجوزة، تظهر لأول مرة، ولم يسبق نشرها في أية كتب أو مخطوطات سابقة لابن ماجد، وهي بذلك تفتح أفقاً جديداً لدراستها وكتابة بحوث مستقلة حولها. وأوضح محمد الكوده أن قسم المخطوطات بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، أكدّ له هذه المعلومة، بعد بحث في الوثائق المعتمدة لدى المركز، وبعد إجراء مقارنات وافية بين القصائد والأراجيز الواردة في المخطوطة التي يملكها الكوده، وبين تلك المذكورة في نسخ المخطوطات وأصولها المعنيّة بالنتاج الأدبي والشعري لابن ماجد والمتوفرة في قسم المخطوطات بالمركز. ويعدّ محمد الكوده من الباحثين الإماراتيين الشغوفين باقتناء المخطوطات العلمية والثقافية التي تتطلّب العناء والبحث والمراجعة والسفر ومتابعة مقتني المخطوطات النادرة حول العالم، ما أدى إلى امتلاكه مكتبة شخصية عامرة بالعديد من المقتنيات والمدوّنات والمخطوطات التي يزيد عمر بعضها عن ألف عام، باذلاً من أجل ذلك جهداً كبيراً للحفاظ عليها من العطب أو التلف الذي يستدعيه ضغط الزمن وتأثيره السلبي على مزايا وبنية المخطوطات الأصلية. وأشار الكوده أن المخطوطة وقت اقتنائها لم تكن مرتّبة، وكانت تحتاج لعمليات ترميم ومعالجة، مضيفاً أن قسم المخطوطات بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي تكفّل بالحفاظ على المخطوطة والاعتناء بها تحقيقاً لأهداف المركز باقتناء الأوعية الثقافية بمختلف أشكالها ومن ثم حفظها وفهرستها، وكذلك مساعدة مقتني المخطوطات للحفاظ على ما لديهم من كنوز ثقافية مدوّنة. 15 أرجوزة وقصيدة وقال الكوده: «قام مركز جمعة الماجد مشكوراً بترميم كامل لمخطوطة أحمد بن ماجد.. مع الحفاظ على الغلاف والأوراق الأصلية» مضيفاً أن مجموع الأراجيز والقصائد التي تضمها مخطوطته هي 15 أرجوزة وقصيدة، موضحاً أن هذه الأراجيز والقصائد تعتبر بحد ذاتها من النوادر، وتكتسب المخطوطة التي لديه أهمية خاصة، لأنه لا توجد أية مخطوطة أصلية أخرى لأحمد بن ماجد لدى المهتمين بالمخطوطات في الإمارات، كما أنه من اللافت للنظر هنا -كما أوضح الكوده- أن المخطوطة مؤرخة، وأن اسمي ناسخ المخطوطة والمنسوخ له مذكوران فيها، مما يضيف لها ميزة فريدة أخرى، فناسخ الكتاب هو: «حسين بن عبدالله بن حسين بن محمد بن جمعة» أما المنسوخ له الكتاب فهو: «الشيخ أحمد بن حسن الزرافي». جلفار/‏‏‏‏ الصير وللتحقق أكثر من الشخصية المنسوخة لها المخطوطة التقى «الاتحاد الثقافي» بالباحث الإماراتي المتخصّص في علم الأنساب عبدالله خليفة المهيري حيث ذكر لنا أن بني زراف أو الزرافيين هم من أقدم القبائل العربية التي سكنت (جلفار/‏‏‏‏ الصير) في القرن الخامس عشر الميلادي وما قبله، ويعدّ فصل ابن عبدالباقي في كتابه «المراقي» أقدم مصدر تاريخي يذكر بني زراف في (جلفار/‏‏‏‏ الصير). وأضاف المهيري أن عبدالباقي هو أحد فقهاء عُمان في القرن التاسع الهجري/‏‏‏‏ الخامس عشر الميلادي، وكان حيّاً إلى سنة 906 هجرية/‏‏‏‏ 1501م، وأورد المهيري نص ما جاء في فصل ابن عبدالباقي، والذي يقول فيه: «وجلفار هي الصير دار بني مالك من بني سفاف وبني زراف». وقال المهيري: «ذكر الكثير من الرواة وبعض الباحثين أن بني زراف كانوا يسكنون مدينة جلفار (رأس الخيمة) شتاء، ويذهبون لمنطقة (الحيل) صيفاً، وقد انتقل بعضهم إلى منطقة شعم، وحين انتقل الشيخ محمد بن صالح المنتفقي من (جلفار) إلى (بخاء) انتقل معه تلميذه عبدالواحد بن سبيت بن سليمان بن ثاني الزرافي، ثم توفي فيها -رحمه الله- وله في شعم وبخاء وكمزار ذرية باقية إلى يومنا هذا، وكان لآل عبدالواحد الزرافي قدم راسخة في العلم والإفتاء والقضاء في كل من شعم وبخاء وكمزار». منظومات ورسائل وأضاف المهيري: «كما اشتهر بنو زراف بالتجارة، فعملوا على نقل التوابل والحرائر الهندية، وعرفوا أيضاً كمرشدين ماهرين للقوافل التجارية، وقد اشتهر منهم التاجر محمد بن عيسى الزرافي الذي كان موضع ثقة جميع تجّار ساحل عمان»، وأضاف المهيري أن «من أشهر علمائهم الأفاضل الشيخ أحمد بن حسن الزرافي الذي ورد اسمه في مخطوطة قديمة نسخت له سنة 1185 هجرية/‏‏‏‏ 1771م، وهي عبارة عن مجموعة منظومات ورسائل للملاّح الشهير والربّان الخبير أحمد بن ماجد من أهل جلفار». حقائق دالّة ويتبيّـن لنا من هذه المعلومات المهمة والتي ذكرها لنا كل من: محمد ناصر الكوده، والباحث عبدالله المهيري وجود عدّة حقائق دالّة على الحضور الثقافي الطاغي لمنطقة (جلفار/‏‏‏‏ الصير)، وأنها كانت أساساً ومنطلقاً ومهداً للمخطوطة التي تضم تسع منظومات شعرية لابن ماجد لم يعثر عليها في كتبه السابقة، ومن المرجّح أن تكون هذه المنظومات الشعرية من ضمن الثماني عشرة قصيدة لابن ماجد والتي دلّت الأبحاث أنها ما زالت مفقودة. قفزة إبستمولوجية كما توضح هذه المخطوطة الجديدة المُكتَشفة لابن ماجد، أهمية المخطوطات التاريخية من حيث قابلية الكلمات المدوّنة في استحضار الأحداث المنسية، وتجسيد الحالة الخيالية المتعلقة بشخصية ما، أو واقعة مهمة ظلّت حبيسة زمنها البعيد والمجهول والغارق في القِدَم، وتمثّل المخطوطة قفزة إبستمولوجية هائلة دون شك، لأنها نقلت التجربة البشرية من المرحلة الشفاهية إلى المرحلة التدوينية، استناداً إلى تعريف «الإبستيمو» اليونانية المعنية بطبيعة ونطاق المعرفة. «الميرانتي».. «أمير البحار» يُذكر أن أحمد بن ماجد اشتهر في الوثائق الأوروبية القديمة والبرتغالية تحديداً باسم «الميرانتي»، أو «الأميرال» ويقصد بالاسم «أمير البحار» كما يلقّب بمعلّم بحر الهند، حيث كان خبيراً ملاحياً وبارعاً في علوم الفلك والجغرافيا والأنواء والرياح ضمن نطاق بحري واسع يمتد من البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي ومضيق ملقا وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي. ويذكر المؤرخون فضل ابن ماجد في إرساء قواعد الملاحة فيما وراء بحر الهند، وقد بقيت مؤلفاته وتطويراته للأدوات الملاحية كالبوصلة والاسطرلاب و«وردة الرياح» في مجال الملاحة سائدة في كل من البحر الأحمر، والخليج العربي، وبحر الهند، وهو من أشهر من كتب موضوع المرشدات البحرية الحديثة، وكان ضليعاً بعلم الفلك وتطبيقاته في علم الملاحة، وكان يعرف أسماء الكواكب العربية واليونانية، وتحدّث في كتاباته عن شؤون ومواضيع متعددة مثل الدين والتاريخ والأدب والأنساب، وتدلّ آثاره على أنه تحدّث بلغات ولهجات متنوعة مثل التاميلية والفارسية والسواحلية التي يتحدث بها سكان وأهالي الشواطئ الشرقية لأفريقيا. 40 أثراً وكتاباًً تُضاف مخطوطة ابن ماجد هذه إلى قائمة الآثار والكتب التي تركها لنا الملاّح الشهير والتي يزيد عددها عن أربعين مؤلفاً، نذكر منها: «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد»، و«المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر»، و«حاوية الاختصار في علوم البحار» وكتاب «العمدة المهدية في ضبط العلوم البحرية» وكتب أخرى مثل «المِلَل» و«الفصول» و«القصيدة الهمزية» و«الأرجوزة السبعية» وغيرها. القيمة المعرفية المكتنزة إن التمعُّن في التفاصيل والمفردات والحروف المكتوبة بخط اليد قبل مئات السنين، يفتح لنا أفقاً جديداً من الدهشة والانحياز الجمالي لصالح اللحظة الإشراقية التي باتت تجمعنا الآن مع كاتب المخطوطة المنتمي لزمنه الخاص، أثناء انغماسه في سحر الكتابة، وشغفه الطازج بالزخرفة والتزيين، ومع الشخص الذي خُصّصت ووُجّهت له المخطوطة، وكذلك مع تضمينات المتن والهوامش فيها، ومع الألوان والإشارات وطبيعة الخط، ومع القيمة المعرفية المكتنزة للمخطوطة ذاتها، وما أحاط تدوينها من ظروف ثقافية واجتماعية ساهمت في الاشتغال عليها وإنجازها.

مشاركة :