بقلم : أ.د.سعد علي الحاج بكري مكتب الاقتصادية سفراء تطرح دراسة أجرتها رابطة الجامعات الأمريكية AAU سبع فوائد رئيسة تقدمها الجامعات للمجتمع. وتشمل هذه الفوائد، تفعيل القدرة على الابتكار؛ وزيادة فرص التوظيف؛ وتطوير الاقتصاد؛ ودعم العمل التطوعي؛ وخفض الجرائم؛ وتحسين الصحة العامة؛ والارتقاء بالحياة الثقافية؛ وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وتبين دراسة أخرى لمجلس التعليم الأمريكي ACE وجود سبعة تحديات رئيسة على الجامعات مواجهتها. وتضم هذه التحديات، التعليم الثانوي والتأهيل اللازم للقبول في الجامعات؛ وتمكين خريجي هذا التعليم من القبول، بما يشمل الرجال والنساء في المدن أو في المناطق النائية؛ وتأمين مصادر التمويل والتكاليف المطلوبة؛ واستخدام الأساليب والوسائل الحديثة؛ وتقديم التأهيل المناسب للخريجين؛ والاهتمام بجانب العولمة وتفعيل قدرة الخريج على التفاعل مع ثقافات العالم؛ وتعزيز التعليم المستمر والتعلم مدى الحياة. يلاحظ أن نتائج الدراسة الأولى تسوق لأهمية الجامعات وتركز على أثرها الإيجابي الكبير في المجتمع. كما يلاحظ أن نتائج الدراسة الثانية تبين المشكلات التي يجب على الجامعات مواجهتها كي تستطيع تحقيق طموحاتها. ولا شك أن الفوائد والتحديات المطروحة في هاتين الدراستين تتمتعان بأهمية كبرى، لكنهما ليستا كل شيء. ففي مشهد الجامعات في عالم اليوم تحديات كثيرة وآراء متشعبة تستحق أن نبينها في توجهنا نحو بناء مستقبل أفضل للأجيال المقبلة بمشيئة الله. طرحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، اليونسكو UNESCO رسالة التعليم العالي في القرن الـ 21 على أنها التعليم والتدريب، والبحث العلمي. أي أن لهذا التعليم العالي مهمتين رئيستين هما، تأهيل الخريجين؛ والعطاء المعرفي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الآراء بشأن مهمات الجامعات حول العالم ليست واحدة. فهناك من يرى أن المهمتين المطروحتين من قبل اليونسكو غير كافيتين؛ ولا بد من توسع الجامعات إلى مجالات أكثر رحابة. وهناك من يرى ضرورة تقليصهما والتركيز بصور خاصة على مهمة التعليم والتدريب وتأهيل الخريجين. وهناك بالطبع آراء مختلفة أخرى بين هذين التوجهين. ترى بعض الجامعات الكبرى نفسها أنها مراكز فكر شاملة، عليها أن تقدم التعليم والتدريب، وتثري المعرفة، وتسعى إلى تطبيقها وتفعيلها في الحياة العملية، وتعمل على خدمة المجتمع وحل مشكلاته ليس فقط على المستوى المحلي، أو المستوى الوطني، بل على مدى العالم بأسره. ولعله لا بد لبيان ذلك، من مثال محدد، وليكن مثالنا هنا جامعة ستانفورد الواقعة في منطقة ما يعرف بوادي السليكون حيث هناك فروع كثيرة لشركات الإلكترونيات والحاسوب، وحيث هناك تجدد مستمر في الشركات والمنتجات والخدمات التقنية. في جامعة ستانفورد مؤسسات فكر ومعاهد ومراكز عديدة. هناك مؤسسة هوفر Hoover Institution التي تضم في عضويتها أكاديميين وخبراء ومفكرين، غالبا من غير المتفرغين، في التخصصات المختلفة، ومن داخل ستانفورد وخارجها. وتقول هذه المؤسسة الفكرية عن نفسها إنها تسعى إلى تحسين حالة الإنسانية من خلال تطوير الأفكار التي تؤدي إلى الارتقاء بالاقتصاد وفرص العمل وتحقيق الرخاء، مع المحافظة على الأمن والسلام. ولدى الجامعة أيضا معهد فريمان سبوغلي Freeman Spogli Institute الذي يتكون من ستة مراكز بحثية وستة برامج بحثية تعمل في مجالات مختلفة تشمل، الطاقة؛ والتنمية المستدامة؛ والصحة؛ والتعاون الدولي؛ والأمن بما في ذلك الأمن الغذائي؛ وثقافات العالم؛ وقضايا الدول المختلفة في أوروبا وآسيا ودول أخرى. وتسمح الجامعة لمنسوبيها بالعمل في الشركات الخاصة، بل تسمح لهم أيضا بإقامة مؤسسات خاصة بهم، والتفرغ سنوات لإنشائها وتفعيلها، ثم العودة إلى الجامعة. وبين من مارسوا هذا الأمر فعلا رئيس الجامعة الحالي جون هينيسي John Hennessy الذي التحق بالجامعة عام 1977، وأسس عام 1984 شركة في مجال تطوير تكوين الحاسوب التي تعد من الشركات الناجحة في وادي السليكون. وقد تسلم هينيسي عدة مناصب جامعية، قبل أن يصبح رئيسا للجامعة عام 2005. وهناك جامعات كثيرة تحمل رؤية مماثلة لستانفورد منها هارفارد؛ وبرينستون في أمريكا، وأوكسفورد؛ وكامبردج في بريطانيا. وفي إطار الاتحاد الأوروبي EU، تم دعم مشروع المهمة الثالثة للجامعات الذي تم إنجازه عام 2011، ليدعو إلى عدم كفاية التعليم والبحث العلمي في الجامعات، وضرورة إضافة مهمة ثالثة تهتم بثلاثة محاور رئيسة هي، الابتكار ونقل التقنية من أجل التنمية؛ والتعليم المستمر لتأهيل القوى العاملة بالمستجدات العلمية والتقنية؛ والشراكة المجتمعية في التعامل مع المجتمع وقطاعاته المختلفة. في مقابل التوسع في مهمات الجامعات، صدر كتاب عام 2011 يرى أن مهمة التعليم في الجامعات لا تتمتع بالاهتمام المطلوب، ولا بد من إصلاح الأمر. والكتاب بعنوان استراحة عضو هيئة التدريس، لماذا لن تحصل عن التعليم الجامعي الذي أنفقت من أجله لمؤلفته نعومي سكايفر Naomi Schaefer. ولم يقتصر أمر التركيز على التعليم في الجامعات على الطرح في الكتب، بل جرى تنفيذه فعلا عبر جامعة جديدة، تدعى جامعة كويست Quest University أي جامعة التنقيب، تم إنشاؤها عام 2007 في مقاطعة كولومبيا الكندية. فقد أخذت هذه الجامعة على عاتقها مهمة التعليم فقط، ولكن بأساليب جديدة غايتها خريج متميز، وسيكون لنا عودة إلى هذا الموضوع في المقال القادم بمشيئة الله. بين توسع مهمات الجامعات والحد منها، يقول ريتشارد برودهد Richard Brodhead رئيس جامعة ديوك Duke University المرموقة، التعليم العالي الأمريكي هو الأفضل في العالم، لأن ليس له نظاما موحدا يقيده. ولعل المقصود بهذا القول إن هذا التعليم يستجيب للمتطلبات، وهي متطلبات غير موحدة وغير ثابتة، وتحتاج إلى مؤسسات تعليمية مختلفة ومرنة. لا شك أن التعليم العالي عموما، والجامعي خصوصا، ضرورة قصوى في هذا العصر. ولا شك أن الاحتياجات المعرفية للمجتمعات احتياجات واسعة النطاق، ومتعددة المهمات. وعلينا استيعاب هذه الاحتياجات والتخطيط لها والاستجابة لمتغيراتها بأفضل الأساليب والوسائل. وربما تستطيع كل جامعة، رسم الطريق الذي يمكنها من تقديم عطاء متميز. لا نريد لجامعاتنا أن تحد نفسها بنموذج واحد متكرر، نريد لكل جامعة أن تتمتع بطابع تميز خاص بها، وأن تسعى إلى خدمة المجتمع على أفضل وجه ممكن.
مشاركة :