عائلات تستقل قوارب الموت في تونس طلبا للهجرة

  • 9/18/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تجلس التونسية مبروكة وأطفالها أرضا في غرفة حيث يتقاسمون طعاما بالكاد يكفي لشخصين وتقول "ليس لدينا حل، إما ان نموت جميعا أو ننجح في الوصول" الى أوروبا، بعد محاولتين فاشلتين لمغادرة تونس بحرا. تقول مبروكة (38 عاما) مرتدية ملابس باهتة في منزلها الذي تآكلت جدرانه والذي لا تتوافر فيه الماء ولا الكهرباء في حي شعبي بمدينة صفاقس (شرق) "إن توفر لي قارب سنحاول مرة أخرى من أجل علاج ابني". حاول زوجها رؤوف حويج مرتين خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس عبور البحر بطريقة غير قانونية مع كل أفراد العائلة بعد أن ضاقت به الحال ولم يعد يجني من جمع البلاستيك وقطع الخردة الذي كان يقتات منه، ما يكفي من المال لعلاج ابنه البكر أحمد (22 عاما) المقعد منذ إصابته قبل خمس سنوات بنزيف حاد في الدماغ في حادث. وحاول 8020 شخصا الهجرة بصورة غير قانونية من تونس منذ مطلع العام وحتى منتصف أيلول/سبتمبر، بينهم حوالى 250 قاصرا، وفق احصائيات وزارة الداخلية التونسية. وأوضح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في ملف الهجرة غير القانونية، ان عدد الوافدين الى السواحل الايطالية منذ مطلع العام الحالي تخطى 22 ألفا، مسجلا رقما غير مسبوق منذ العام 2011، مع بدء تزايد أعداد القصر بين المهاجرين. ويقول المكلف بالاعلام رمضان بن عمر ان المنظمة تقدر بحوالي ثمانية آلاف عدد المهاجر غير القانونيين الذين وصلوا إلى السواحل الايطالية خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الحالي، وان "ما بين تسعين ومئة عائلة تونسية وصلت السواحل الايطالية". -"سرقت البحر"- تم توقيف رؤوف في محاولته الثانية وبقيت مبروكة وحدها تواجه وضعا صعبا مع أطفالها الخمسة. تقول وعيناها دامعتان "لم أقترف ذنبا، لم أسرق ولم أقم بجريمة، فقط سرقت البحر وحاولت"، مضيفة "يئست من الحياة وازداد وضعي تأزما، أريد ان أعالج ابني، لا أطلب شيأ آخر". في مقطع فيديو صورته العائلة بالهاتف خلال محاولة عبورها البحر في تموز/يوليو الفائت، يظهر الأب رؤوف يصرخ بوجه قوات من خفر السواحل طوقته وأجبرته على العودة الى الميناء "لا تلوموني على اصطحاب ابنائي، لم يلتفت لي أحد ولم يساعدني أحد". على ظهر المركب، جلست زوجته مبروكة وكل أفراد العائلة يحيطون بالابن المقعد الممدد وجهاز التنفس الاصطناعي مشدود لأنفه. تقول الوالدة وهي أميّة "توجهت للمسؤولين للاعانة، لم يستجب لي أحد ...أعطوني فقط 180 دينارا (55 يورو) ثمن الضمادات"، وهي تشعر بخوف متواصل من أن يفارق أحمد الحياة في كل لحظة. شهدت حركة الهجرة غير القانونية عدة محطات منذ 2017، ولا سيما مع ظهور القصّر في هذه الرحلات، وهو ما بررته المنظمة موضحة أنه أصبح "هناك وعي" بأن القاصر يتمتع بالحماية عند وصوله السواحل الأوروبية وبالتالي لن يتم ترحيله. وأوضح بن عمر إن العائلة التونسية كانت في السابق "عنصرا مقاوما" لهجرة أبنائها وتحاول صد هذه الخطط وإفشالها، ولكن "شيئا فشيا أصبحت محبطة ومثقلة بالأعباء وبالوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب وأصبحت لا ترى مانعا في تمويل مشروع الهجرة لأبنائها وبدأت تشارك في عملية الهجرة". واتخذ رؤوف ومبروكة قرارهما اثر محاولات ناجحة لعائلات في منطقتهم تمكنت من الوصول الى ايطاليا، "وهي في وضع جيّد وهناك من اتصل بنا وقال تعالوا لايطاليا يمكن ان نعالج أطفالكم"، وفقا لمبروكة. تقول ابنتها آية (12 عاما) في المطبخ حيث تجلب بعضا من ماء المطر الذي يتم جمعه لاستعماله في الطهي "لا أعرف البحر، وكنت خائفة"، وبيت العائلة يبعد حوالى عشرة كيلومترات عن الشاطئ. -"خيار عائلي"- تقول مريم شقيقة مبروكة البالغة 37 عاما والتي قضى زوجها وابنها غرقا خلال محاولتهما عبور البحر "أختي وزوجها على حق، ولو كنت مكانها لفعلت نفس الشيء". يعتبر الباحث في علوم الاجتماع فؤاد غربالي أن هناك "تحوّل إلى هجرة عائلية وهذا معطى جديد ولافت. الهجرة باتت خيارا عائليا...هي محاولة لكسب تعاطف الجمعيات المناهضة للترحيل من أوروبا". ويتابع الباحث "الأطفال هم حبل نجاة لعدم الترحيل من أوروبا"، معللا ذلك بأن "هناك حالة من الإحباط الجماعي المعممة" سببها "بدرجة أولى الوضع المعيشي". كما ان سياسات الهجرة المتبعة من قبل الدول الأوروبية "غير مرنة ...فالحصول على التأشيرة ليس أمرا سهلا"، وفقا لغربالي. تعيش تونس منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الاسبق الراحل زين العابدين بن علي انتقالا ديموقراطيا تواجهه العديد من الصعوبات، منها ملف البطالة التي تبلغ 30 في المئة في بعض المناطق المهمشة. وترسل مريم أطفالها لالتقاط الحلزون وطهيه للفطور عندما لا تجد هي وأختها المال لشراء الطعام، وتقول بنقمة ومرارة "مهما يكن، فان العيش في ايطاليا يبقى دائما أفضل بكثير من تونس".

مشاركة :