التستر التجاري.. اقتصاد الظل

  • 9/19/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يعد السرطان من أشرس أمراض عرفتها البشرية، وخطورته تنبع في أنه يبدأ بخلية واحدة ضارة تحل محل الخلية الصالحة دون أن تنتبه أجهزة الجسم المناعية والرقابية لهذا الدخيل الغازي، وسرعان ما تتكاثر تلك الخلايا الضارة وتتمدد وتتشعب حتى تحتل الجسد كله، كل هذا يحدث في صمت وهدوء ودون أعراض واضحة ودون أن يدري المريض نفسه، حتى يستفحل المرض ويشتد عوده ويصبح من المحال علاجه..وهذا هو حال التستر التجاري، بدأ منذ سنوات بمحلات تجارية بسيطة لمهن وحرف غير حيوية سيطر عليها بعض الوافدين، متسترا عليهم من بعض المواطنين والآن تمدد هذا الخطر واستفحل وبدأ يتوسع وينتشر ويحتل حيزا كبيرا في التجارة الوطنية.وقد نشر البرنامج الوطني لمكافحة التستر لحالات عدة لتستر تجاري بينت فيها كيف امتص التستر دماء الاقتصاد الوطني وحوله لخارج المملكة، وبقي المواطن المتستر بلا حول ولا قوة بل وكيف أضحى المواطن المتستر مستضعفاً أمام الوافد المتستر عليه الذي سيطر كالخلايا السرطانية على كافة الفرص التجارية.فجاء في التقرير أن أحد المتستِّرين في إحدى القضايا التي تم ضبطها، أدرك في وقت متأخر جدًا أنه في مأزق كبير بسبب الديون التي تراكمت عليه من محل قطع الغيار، ولم يعرف أبدًا ماذا يفعل بعد أن تستّر على أحدهم لفتح هذا النشاط. الحالة المادية السيئة التي مر بها دفعته لتسليم نفسه للسلطات طمعًا بإسقاط مليون ونصف المليون ريال التي تعتبر دينًا مسجلًا باسمه ولا يمكنه سداده مما يعرضه للسجن، السؤال هنا هو أين ذهبت المليون ونصف؟وكانت الإجابة أن المتستر عليه أخذها بالكامل وسافر بها خارج المملكة، المتستر في هذه الحالة وضع أهله في دوامة هم في غنى عنها ومصيبة ليس لهم ذنب فيها، فضر نفسهُ وأهله وقبل ذلك وطنه.وفي حالة أخرى لمواطنة سعودية تسترت على أحدهم ليفتتح عيادة تجميل باسمها، كانت تعتقد أن الأمر لا يتعدى فرصة استثمارية والعمل في مجال مربح. وبالطبع هي لا تعرف أي شيء عن طبيعة العمل، فجلب المتستر عليه زوجته بمهنة خادمة لتمارس الطب في العيادة، لتكتشف لاحقا وصول كم هائلٍ من الشكاوى للجهات المعنية من عملاء متضررين من أخطاء طبية مختلفة، وعند ضبط الحالة بعد عدة أعوام كان المتستر عليه قد كسب الأرباح الوفيرة وحولها للخارج دون علم السيدة وفي نهاية الأمر تحملت كل هذه التبعات وما ينص عليه النظام من عقوبات.وفي حالة ثالثة ضبطت مكافحة التستر إحدى الحالات التي كان فيها المتستر ينتظر رد قبوله في وظيفة متواضعة مع أنه قد سمح لمتستر عليه بفتح ورشة سيارات باسمه، وعلى النقيض كان المتستر عليه يعيش في حياة فارهة بعيدة عن الزيوت فبعد كشف الحالة والتحقق منها وجد أن المتستر عليه يمتلك فيلا في الرياض، في حال أن المواطن (المتستر) مستأجر ولا يملك سكنا خاصا به ووضعه المالي صعب إضافة إلى أنه المدان الأول أمام النظام.ومع صدور نظام مكافحة التستر الجديد بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (785) وتاريخ 28 / 12/ 1441هـ فسوف يسهم في التضييق على منابع التستر والقضاء على كافة أشكال اقتصاد الظل، فقد نص على عقوبات رادعة تصل إلى السجن خمس سنوات، وغرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال، وسنتناول جانبا من هذا النظام في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.@alzuair_

مشاركة :