مستقبل التعددية القطبية في عالم ما بعد كورونا

  • 9/19/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في سبتمبر 2020 تعقد الأمم المتحدة جمعيتها العامة الـ(75) في وقت يبدو فيه أن فكرة المؤسسات متعددة الجنسيات التي تعزز التعاون العالمي مهددة؛ نظرًا إلى أن الاتفاقيات بين الدول يبدو أنها تحدُث بشكل أقل انتظامًا، وأن إدارة «ترامب» سحبت الولايات المتحدة من العديد من المنظمات والاتفاقيات، التي تهدف إلى تعزيز التعاون العالمي، فضلا عن أن هذا الاجتماع أيضًا له أهمية، حيث يأتي في أعقاب جائحة كورونا، التي أثرت على الأعمال المعتادة للجمعية بشدة. واستجابة لهذه التحديات عقد «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، (RUSI) بلندن، ندوة عبر الإنترنت بعنوان «التعددية القطبية في عالم ما بعد كورونا»؛ بهدف مناقشة التحديات المعاصرة والمستقبلية التي تواجهها التعددية القطبية والمؤسسات العالمية متعددة الجنسيات في العالم، رأسها «هون ألكسندر»، النائب السابق عن حزب العمال، والذي تولى منصب وزير الدولة للتجارة، ولأوروبا، وللتنمية الدولية، وكان المتحدث الرئيسي بها السفيرة «إليزابيث كوزينز»، الرئيسة الحالية لمؤسسة الأمم المتحدة، وهي المؤسسة الخيرية الرئيسية للمنظمة.في البداية وصفت «كوزينز» التهديد الحالي للتعاون الدولي والمتعدد الجنسيات بأنه «السؤال الأساسي»، حيث يقف العالم حاليًا عند نقطة تحول في التعددية القطبية، موضحة إيمانها المستمر بهذه القضية، وأن التحديات التي يواجهها العالم حاليًا مثل جائحة كورونا «عالمية بطبيعتها ولن يتم حلها إلا من خلال العمل الجماعي العالمي»، مضيفة أن الوضع «يعد اختبارًا لنا جميعًا ونحتاج بشدة إلى اجتيازه».وفيما يتعلق بالوضع الحالي للمؤسسات متعددة الجنسيات مثل الأمم المتحدة، وصفتها بأنها «تحت الحصار»، لكنها قالت أيضًا: إنها «بحاجة إلى التغيير»، كما أشارت إلى أن عام 2020 شهد العديد من التحديات للتعددية، مثل (جائحة عالمية تأتي مرة واحدة في القرن، وحرب تجارية وتوترات متصاعدة بين الولايات المتحدة والصين)، بالإضافة إلى أنها احتلت المركز التاسع عشر بين أكثر عشرين عامًا تسجيلاً لأعلى درجات حرارة عالمية حدثت في العشرين عامًا السابقة. لذلك، من وجهة نظرها، من «الواضح تمامًا» أن العالم يواجه ما اسماه الأمين العام السابق للأمم المتحدة، «كوفي عنان»، «مشاكل من دون جوازات سفر»، وأن الأمم المتحدة بحاجة إلى التكيف مع هذه التهديدات والصعوبات. بالإضافة إلى ذلك، دعت إلى «العودة إلى الأساسيات وتجديد الثقة في التعددية القطبية بعرض قيم تشدد عليها»، ووصفت هذه العملية بأنها «جزء مهم من إعادة بناء تحالف أساسي للنظام متعدد الأطراف».وعندما سُئلت كيف أن أخطاء الماضي تحول دون القدرة على المضي قدمًا في المستقبل؛ مع طرح مثال سوريا كدراسة حالة في هذا الصدد. ردت بوصف مثل هذه الإخفاقات السابقة بأنها «مخزية»، و«يجب أن تحفزنا على القيام بعمل أفضل في المستقبل». ومع ذلك، قالت إن «هناك إخفاقات وكذلك إنجازات على الجبهة المتعددة الأطراف».. والسؤال الحقيقي، هو حول «نوع العالم الذي نريد أن نحيا فيه»، ومدى مشاركة الحكومات والمواطنين، وأكدت مرة أخرى التزامها الخاص بالتعاون الدولي، وأن غالبية مشاكل العالم لا يمكن معالجتها «دون العمل معًا بطريقة ما».وفي ردها، على سؤال «ألكسندر»، عن الكيفية التي يمكن أن تفسر بها ظهور النزعة القومية والشعبوية في الخطاب السياسي الغربي، وما إذا كانت هذه أعراض للأزمة الحالية في التعددية؛ أرجعت ذلك إلى الضغوط التراكمية، مثل «تأثير العولمة»، و«تسليح وسائل الإعلام»، و«انعدام الثقة في المؤسسات العامة»، كما انتقدت أيضًا «البيئة الإعلامية الشرسة» في العالم الغربي، واصفة إياها بأنها «تهديد» وشيء يحتاج العالم إلى «معالجته». من جهة أخرى، رفضت فكرة أن المنظمات الدولية تفقد الدعم العام من خلال الاستشهاد ببيانات استطلاعات الرأي من الولايات المتحدة كدليل على أن الأمريكيين ما زالوا «يدعمون بشدة شراكة قوية بين الأمم المتحدة وأمريكا»، وأن الأخيرة ما زالت تحتفظ بدور نشط في الشؤون الدولية.ورد «ألكسندر» على هذا الطرح، بالسؤال عن كيفية تزاوج هذه البيانات مع منظمة الصحة العالمية، التي لا تثق بها «واشنطن»، وامتنعت عن تمويلها، كما أشار أيضًا إلى أن «مجلس الأمن» كان «صامتًا بشكل ملحوظ» خلال جائحة كورونا. وردت «كوزينز» بأن هناك «تباينا بين الرأي العام الأمريكي والحكومة الأمريكية» بشأن قضية التعددية، مع كون الأمم المتحدة دائمًا «ورقة سياسية» في يد واشنطن.وحول المستقبل المحتمل للتنمية المستدامة والتعاون الدولي في أعقاب جائحة الفيروس التاجي، أشارت «كوزينز» إلى الصعوبات العالمية الحالية على أنها «الاختبار الأشد في حياتنا»، لكنها ادعت أيضًا أنه سيكون من «الخطأ» رؤية التعافي الاقتصادي من الجائحة بمنأى عن خطط التنمية المستدامة، وأن العالم إذا كان قد أحرز المزيد من التقدم في أهداف التنمية المستدامة، فمن المحتمل أن تكون الاستجابة العالمية للجائحة أقوى.وفيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة نفسها وصفتها بأنها «تدور حول جعل قضايا العولمة والاقتصادات الموسعة أكثر عدلاً واستدامة». ومع وضع ذلك في الاعتبار، دعت إلى أن يكون هذا المبدأ في «جوهر» استراتيجية التعافي الاقتصادي العالمي من الجائحة. أما عن الدعم المالي الكبير الذي وفرته الحكومات والمنظمات العالمية فقد أعربت عن دعمها لمزيد من الاستثمار في «اقتصادات المستقبل»، مشيرة إلى وجود المزيد من التمويل في الوقت الحالي لدعم اقتصادات الماضي.وعندما سأل «ألكسندر» عن الدورة الـ«75» للأمم المتحدة، وجدول الأعمال كونه يتضمن التركيز على «تحويل العالم من خلال التنمية المستدامة»، وكذلك «فقدان التنوع البيولوجي العالمي»، أوضحت السفيرة الأمريكية السابقة، أن هناك إقرارا بأن جائحة الفيروس التاجي ستكون على رأس الأولويات، وهذا ينطبق أيضًا على قضية المناخ، والتنوع البيولوجي. وذكرت أنه سيكون هناك «بلا شك» ما وصفته بـ«مسرح سياسي متعدد الأقطاب» داخل الجمعية العامة يتناول الكثير من المناقشات الجوهرية.من ناحية أخرى أشارت إلى الرسالة «الواضحة»، التي تحملها الجمعية العامة في دورتها الحالية، والتي مفادها أنه «لن تحرز أي دولة نجاحات إذا سار العالم على طريق الحملات القومية للتطعيم» بشكل منفرد، وأنه إذا لم نتخذ «إجراءات عاجلة وإعلان حالة الطوارئ المناخية»، فإننا فعلا أمام أزمة كبيرة، وأنه «إذا تركنا حالة عدم الثقة والشك يسيطران على تقييماتنا الاستراتيجية»، فلن يكون هناك أي فائز أو منتصر». وأخيرا، ذكرت أن قادة العالم يجب أن يدركوا أن «التاريخ سيحكم وسيقيم ما يفعلونه في هذه اللحظة».بالإضافة إلى ذلك، تحدثت عن كيفية استمرار عمل «النظم» التي يعتمد عليها المجتمع الدولي مثل «الغذاء والمناخ والطبيعة» في ظل «الضغوط والتهديدات التي يصعب تجنبها»، وسلطت الضوء على فكرة، «وحدة الهدف» في التعاون الدولي المشترك لمواجهة الجائحة، وأن التعاون الدولي لا يعني أن البلدان يجب أن تتفق على كل قرار سياسي مشترك فحسب، بل يجب أن تعمل معًا حتى لا «يتسببوا في إفقار شعوبهم والتأثير على حياتهم الاقتصادية بلا داع». وردا على سؤال «ألكسندر» عما إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «سيقلل» من التأثير العالمي للمملكة المتحدة، أشارت «كوزينز» إلى الرغبة الواضحة لحكومة المملكة المتحدة في الاضطلاع بدور أكثر نشاطًا في قيادة العالم، وبالتالي «رحبت» بالخروج باعتباره خطوة تقدمية من وجهة نظرها. وحول قضية زيادة مشاركة الصين في المؤسسات الدولية، تحدثت أيضًا عن كيف أن المؤسسات الدولية غالبًا ما تكون «ساحة تنافس» بين القوى العظمى، «خاصة وأن الصين بدأت تفرض نفسها» على المسرح العالمي، وأشارت إلى أن بكين تلعب «دورًا أكثر وضوحًا وقويًا» من ذي قبل، وهو ما يمكن إرجاعه للانسحاب الأمريكي من المؤسسات الدولية؛ لذلك أكدت أن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن «يخلق مساحة أكبر» لدولة مثل الصين لملء الفراغ.وعندما سُئلت عما إذا كانت سمعة ومكانة الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة قد تدنت من جراء السيطرة عليها من قبل «وجهة نظر أحادية» بدلاً من تبنيها «رؤى حضارات مختلفة تعمل وتتعاون معًا». ردت أنه في ضوء خبرتها العملية بالمجال الدبلوماسي ترى أن العالم والأمم المتحدة مليئان بـ«وجهات نظر متنافسة» بفعل وجود «ثقافات متنافسة في الأصل» تعتريها الكثير من «نقاط التوتر والجدل» باستمرار. وفي شرحها لهيكل الأمم المتحدة وأهميته التاريخية، أشارت إلى ان تكوين المنظمة في فترة الأربعينيات كان في الأساس بين دول «خرجت لتوها» من الحرب العالمية الثانية وأرادت إنشاء مؤسسة دولية لجعل العالم «أكثر استقرارًا وسلامًا»، و«خلق فرصة لتحقيق تقدم أكبر في هذا الصدد».وتعلق السؤال الأخير بتأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم والفرق الذي ستحدثه بالنسبة للولايات المتحدة. ورغم دورها الدولي البارز كانت «كوزينز» صريحة بشأن التهديد الذي يشكله إعادة انتخاب ترامب بالنسبة للتعاون الدولي والأمم المتحدة على حد سواء، وأوضحت أنه «لا يمكن لأحد أن يحدد مدى أهمية هذه الانتخابات» بالنسبة لـ«صحة ديمقراطيتنا» و«مكانة الولايات المتحدة في العالم، كما انتقدت نهج الإدارة الأمريكية الحالية إزاء السياسة الخارجية، وأكدت أن فترة ولاية ثانية «تشكل تهديدًا خطيرًا» لمفهوم التعاون الدولي المشترك، ووصفت رئاسة «بايدن» المحتملة بأنها «من شأنها أن تحدد مسارًا مختلفًا وجديدًا»، لكن من الواضح أن كلا الإدارتين، سواء «بايدن» أو «ترامب»، ستواجهان «تحديات مشتركة» مثل صعود الصين و«جدول أعمال داخلي صعب»، من شأنه أن يصرف انتباه الرئيس الأمريكي الجديد عن القضايا الدولية.على العموم، قدمت الندوة وصفا دقيقا للتحديات الحالية التي يواجهها التعاون الدولي والتعددية القطبية. وعلى الرغم من عدم وجود «خطة» مفصلة واضحة المعالم لتعزيز هذه التعددية قبل الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد أظهرت المعلومات التي أوضحتها إحدى الشخصيات البارزة في الأمم المتحدة أن المنظمة لا تزال ملتزمة بتعزيز التعاون والتوافق الدوليين. ومثلما كان هذا الالتزام بالتعاون المشترك سمة أساسية, رأيناها طوال التاريخ الممتد للمنظمة الدولية, لا يزال يتحتم علينا تحويل تصريحات وقرارات تلك المؤسسة الدولية إلى أفعال يجب تحقيقها بالكامل على أرض الواقع دون أدنى تأثير من طرف ما مهما كان.

مشاركة :