الرأي اليوم / طريق الطائفية في الكويت | الإفتتاحية

  • 7/31/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يصعب تحديد وقت بعينه للقول إن الكويت دخلت معه بقوة عهد الخطاب الطائفي، إنما قبل أن نسعى لتبيان معالم هذا الطريق، لنتفق بداية على ترك الشعر والعواطف والمثاليات، ونعترف أن التمايزات موجودة وأن إنكار وجودها يفاقم... وجودها. نعود إلى الطائفية بالمصطلحات التي إن تعددت إلّا أنها تدل على التمييز بمعناه الضيق لا التمييز الكبير المستدل من كلمة أمة، الطائفة هنا ليست المذهب بالمعنى الحرفي للكلمة بل الجماعة في إطار مجموعة كبيرة أو جزء منها، والطائفي هو من يلتزم أفكار هذه الجماعة مع عصبية وتزمت تتدرج إلى إنكار حقوق الجماعات الأخرى واعتبارها «خصماً» أو «خطأً تاريخياً» ينبغي تصحيحه أو «انحرافاً عقائدياً» يجب محاربته. وفي الجانب العملي، يصعب حقيقة فصل الطائفية عن السياسة بل عن الانتهازية أحياناً بمعنى الاستغلال والاستفادة، أي أنك تستغل مشاعر ما أو ظرفاً ما لتستفيد منه لتوسيع دائرة فكرك أو نفوذك وتنفيذ أهدافك... قديما كانت الطائفية تستخدم في تمتين العصبية أما اليوم فالعصبية صار لها مصطلح آخر هو الشعبية أو زيادة الأنصار والتابعين والموالين. وطريق الطائفية إلى الكويت لا يختلف عن طريقها في أماكن أخرى، لكن خصوصية المجتمع الكويتي وبساطته ونظام الحكم والوضع الاقتصادي الجيد نسبياً كلها عوامل ساهمت سابقاً في احتواء المشاعر النافرة أو المتطرفة، إضافة بالطبع لما جبل عليه الكويتيون من قيم التسامح وتقبل الرأي الآخر وحرية التعبير وغياب القمع والاضطهاد. وكي نكون دقيقين في المصطلحات فإن الطائفية غير التطرف وإن كانت نتيجتهما قاسية جداً إذا اندمجا، ولذلك فالتطرف كان موجوداً مع سيادة الأنظمة الثورية لكن الطائفية كانت شبه كامنة أو متوارية أو ذائبة خلف الخطاب القومي الوحدوي العروبي أو الاشتراكي اليساري أو العلماني، وكانت الكويت شعبياً متأثرة بالمد العروبي وقضية فلسطين إلى جانب وجود طبقة يمكن تسميتها بـ«المحافظين التقليديين» الذين كانوا ضد الانجراف العاطفي وراء زعامات ثورية على أساس أن مصلحة الكويت أولاً... وفي الحالتين لم يعرف جيلنا الطائفية بالشكل الذي يعايشه الجيل الحالي. حصلت تغيّرات كبرى في المنطقة وبرز الدين عامل تغيير في طهران وكابول. صارت الإمبراطورية الإيرانية جمهورية إسلامية وصارت أفغانستان التي كانت ملكية فشيوعية إمارة إسلامية. وألهمت «الجمهورية» و«الإمارة» كارهي سياسة أميركا في المنطقة وانحيازها الظالم لإسرائيل وجرائمها، ووجد المحبطون في التجربتين أملاً في متابعة النضال، وهنا لا بد من التوقف عند أسماء يسارية عربية وبعضها مسيحي اعتنقت فكر الثورة الإيرانية أو التيارات الجهادية التي تقنّنت في تنظيمات لاحقاً. حتى هنا، كنا ما زلنا أمام تجارب إسلامية، ثم تغير الأمر بشكل درامي مع الحرب العراقية – الإيرانية وما رافقها من خلط بين العروبة والسنة وكذلك بين التدخل في الدول الأخرى وما سمي «تصدير الثورة»... بدأ الفرز يأخذ أبعاداً مخيفة مع نشوء أحزاب وتيارات سياسية طائفية في مناطق عربية عاشت حروباً بالواسطة. انتهت الحرب العراقية – الإيرانية وغزا صدام الكويت محدثاً المزيد من الزلازل لا بل تقمّص أيضا الدور الديني وصار «الرئيس المجاهد» مع شعار «الله اكبر» على العلم، وعاد «المجاهدون» من أفغانستان وصارت دول الخليج ساحات تحركهم وحروبهم أحيانا... وفي مناطق الزلازل تحت شعارات الإسلام يدخل مليون طرف من مدعي العلم إلى دعاة الشهرة إلى دعاة التحريض إلى تجار الدين إلى مستغلي الطائفية إلى قوى إقليمية وغربية كبرى ترى في أوطاننا ومجتمعاتنا مختبرات لتخصيب الطائفية فالتطرف فالإرهاب ثم تصدير التجربة أو توجيهها. صارت الطائفية مذهباً وعقيدةً وإيديولوجيةً وهويةً، فقبلاً كنت تقول فلان يساري أو قومي أو محافظ أو ماركسي أو علماني أو حتى «إخواني»، اليوم تقول مثلاً سني وشيعي ومسيحي... وهذا أخطر ما في الموضوع. وصرنا في الكويت نأخذ البعد الطائفي في الاعتبارين الاجتماعي والاقتصادي بعدما صار هناك تصنيف سياسي، بمعنى المصاهرة والتجاور أو بمعنى التوظيف والترقية، وصارت الورقة الطائفية للأسف لعبة الحكومات والمجلس على السواء، فعندما تريد تحييد نواب من هذه الطائفة أو تلك أو من هذه القبيلة أو تلك «تغازلهم» بصفقات سياسية وغير سياسية أملاً في انسحاب الرضا على قواعدهم التي – وللأسف الشديد – اختارتهم ربما لصوتهم الطائفي أو القبلي أو المناطقي الأعلى. نحن هنا إذاً، أمام مؤثرات خارجية ألهبت المنطقة واستجاب بعض الكويتيين لها، وأمام تجار دين وانتهازيين وغاسلي عقول باسم الشريعة فيما الهدف سياسي بحت، وأمام خيبات أمل وإحباطات دفعت إلى البحث عن خطاب ديني، وأمام حرب عالمية أشبه بوحش يغذي الضحية كلما ضربها، وأمام أخطاء حكومية وبرلمانية تاريخية... لكننا وهذا الأهم أمام ثورة تكنولوجية يؤجج من يستخدمها بلا وعي كبير كل الغرائز المنفلتة من عقالها مذهبياً وطائفياً. اليوم ليس كالأمس، يظهر رجل يدعي أنه عالم وهو في الواقع نكرة، يقول كلاماً مسيئاً يمثله ويشبهه هو فقط، فتجد آلاف الردود عليه في وسائل التواصل الاجتماعي تتجاوز شخصه ورأيه وتسقطه على طائفة بأكملها ليتصدى الآلاف من الطائفة الأخرى في المقابل... ومن يستطيع بعدها أن يحصي حجم الضرر والفتن والتعبئة السوداء التي يمكن أن تترجم سلوكاً عدائياً. طريق الطائفية في الكويت طويل وتنقيته أيضاً طويلة وإغلاقه أطول، لكن عوامل الانتصار ليست مستحيلة. نعرف أن جهد مجموعات كثيرة مخلصة يمكن أن يخربه تصرف جاهل أو مجنون أو موتور أو إرهابي لكننا نعرف أن الإرادات المخلصة للحفاظ على هذا البلد مليئة بالخير والحرص والمحبة والوطنية. المخارج كثيرة وتحتاج بحثاً أطول لكن أولها إعلاء شأن المواطنة كي تصبح هي العقيدة الوطنية التي تحل محل العقائد الأخرى، على أن تبني التيارات السياسية (إن أرادت التحوّل إلى أحزاب لاحقاً) برامجها على مبدأي المواطنة والتنمية كي لا تكون هناك هويات أخرى. التمايزات موجودة هنا وفي دول شرق آسيا وفي أميركا وأوروبا، إنما المطلوب أن تكون مصدر تكامل لا مصدر تناقض، وأن تتقن لغة التعايش تحت سقف الدستور والقانون (بما فيه الوحدة الوطنية) من أجل أن نسلم أبناءنا مقاليد بلد لا... مضارب. جاسم مرزوق بودي

مشاركة :