الشارقة - غيث خوري: نظم منتدى السرد في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في مقره في الشارقة مساء أمس الأول، محاضرة بعنوان جمالية التقابل والتكرار في فن السرد، قدمها الباحث والتشكيلي علي العبدان، وأدارها الكاتب محسن سليمان. واستهل سليمان الأمسية بقوله: إن الفنان علي العبدان واحد من الأسماء اللافتة في المشهد الفني الإماراتي، وله إسهامات واضحة على صعيد التشكيل، والموسيقى، والشعر، وفي الفترات الأخيرة أطل كناقد أدبي من خلال برنامج في حضرة الكتّاب والذي استضاف فيه العديد من الكتّاب العرب، إلى جانب دراسات عديدة قدمها في مجال الأدب والتراث، وتأتي هذه المحاضرة اليوم لترفد نشاط منتدى السرد بجهد نوعي وقراءات تحليلية ونقدية في مجال السرد. من جانبه قال العبدان: إنه اختار هذا العنوان للمحاضرة، لأن عنصري التقابل والتكرار يكونان جمالية في مختلف الفنون والآداب، وتأتي أهمية هذين العنصرين، لأنهما مبدآن سهّلا الفهم بالنسبة لجميع القراء، لا يحتاجان إلى نخب أو مختصين، وأيضاً لارتباطهما بالحياة بصورة وثيقة، فكلٌ من التقابل والتكرار هو ظاهرةٌ كونيّة، فالوُجودُ يُقابلُ العدم، والنور يقابل الظلام، والحق يقابل الباطل، والصدق يقابل الكذب، والحياة تقابل الموت، والنهار يقابل الليل، وبعض هذه الأمثلة يتكرّر؛ كالليل والنهار، والموت والحياة، وهكذا. وأضاف أنه إذا كان التقابُل هو التواجُه، فليس كلُّ تواجُهٍ مؤثراً بالضرورة، لذا فإن التقابل الذي أعنيه هو التقابل المؤثر، والذي قد تنشأ عنه جَماليّةٌ ما، وأشد ما يكون التقابل مؤثراً إذا كان ضِدِّيّاً، وأشد منه ما كان تناقضيّاً. فالتقابل التناقضي هو تواجُهٌ بين أمريْن نقيضيْن، والنقيضان حسب التعريف: هما ما لا يجتمعان ولا يرتفعان، ومعنى التعريف أن أحد الأمريْن فقط هو الذي يبقى. أما التقابل الضدّي فهو تواجُهٌ بين أمريْن ضدّيْن، والضدّان حسب التعريف: هما ما لا يجتمعان، ولكن يمكن أن يرتفعا، ومعنى التعريف أن أحد الأمريْن ينفي الآخر، لكن ليس بالضرورةِ أن يبقى أحدهما بالتعيين، فكلاهما يمكن أن يذهب بمجيء ضدٍّ ثالث. أما التكرار فهو التقابل ذاتهُ مُعاداً، فلا يُعقلُ تكرارٌ دون تقابل بين أمريْن، فتكرار الصوت يقتضي تقابلاً بين الصوت والصمت، وتكرار الإضاءة يقتضي تقابلاً بين الإضاءة والإظلام، وهكذا. وتابع العبدان: في فن السرد هناك تقابلٌ بين حدثٍ أو عنصرٍ ونقيضهِ أو ضدّه يجري في القصةِ أو الرواية، ويؤدّي هذا التقابل المؤثر إلى جَماليّةٍ أدبيةٍ تعتمدُ على اقتضاء التوازن بين النقائض والأضداد. كما أنَّ التكرار يقومُ بوظائفَ جَماليةٍ عدَّةٍ في السرد، منها: التوكيد، التحلية أو الزخرفة، الاقتصاد المؤدي إلى ربط الفقرات الأدبية بالذاكرة، إلى غير ذلك. وتناول العبدان عدة روايات بالتحليل مبيناً الوظائف الجمالية للتقابل والتكرار فيها، كرواية أوليفر تويست لتشارلز ديكنز، حيث تكثر المقابلة بين الخير والشر، ونجدُ تقابلاً تناقضيّاً مؤثراً بين حال اليتيم أوليفر وغيره من الأيتام، وما يتطلبه هذه الحال من الرعاية والعناية، وبين الحال النقيض المتمثل في سوء أوضاع دار الأيتام، وجشع السيدة المسؤولة عنها. وهناك التقابل الضدّي بين السيد بروان لو الطيب الذي يحاول مساعدة أوليفر، وبين السيد فاجين الشرير. أما جمالية التكرار فنجدها في وصف شحوب وضعف وشقاء أوليفر الذي يتكرّر في كثير من فقرات الرواية.
مشاركة :