الأفلاج العمانية.. مزيج من الواقع والأسطورة

  • 7/31/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يعد نظام الأفلاج في عُمان أحد النظم المتبعة في استخراج المياه من طبقات الأرض حيث تترسب مياه الأمطار بنسبة تقدر بنحو 80%، ويبلغ معدل العمق للبئر الرئيسية للفلج 65 قدماً، إلا أنه ربما يصل في بعض الأحيان إلى 200 قدم، وبين العين الرئيسية المسماة أم الفلج والمصب النهائي هناك أعمدة خاصة مغروسة على مسافات متساوية تتراوح ما بين 50 إلى 60 قدماً، وهي أعمدة ضرورية للبناء الأصلي، ولأعمال الصيانة فيما بعد الإنشاء، وربما يصل طول القناة تحت الأرض مسافة تتراوح ما بين ميلين إلى ستة أميال، وتتدفق المياه من الفلج ذي الحجم العادي بمعدل تسعة غالونات في الثانية الواحدة، وتكفي بهذا المعدل لري مساحة واسعة من الأراضي بطريقة الري الدائم التقليدي. كل قطعة من الأرض الزراعية لها وقت مخصص للري يسمونها الدورة، وفي معظم المدن والقرى العمانية كانت توجد عادة ساعة شمسية يجري بواسطتها تحديد الأوقات المعينة لكل بستان أو قطعة من الأرض الزراعية، وهكذا يبدو أن امتلاك الأرض كان معزولاً عن ملكية حقوق المياه لري هذه الأرض، ولكن حقوق المياه تنتقل مع ملكية الأرض، بمعنى أنه إذا انتقلت ملكية الأرض من رجل إلى آخر فإن حقوق المياه تنتقل أيضاً إليه حسب نظام التوزيع المعمول به والمتفق عليه سلفاً. في المناطق ذات الأفلاج الصغيرة، والتي يمتلك الأراضي المحيطة بها عدد قليل من الناس، جرت العادة أن تجرى الترتيبات الخاصة بالصيانة بطريقة خاصة بين الأطراف المعنية، أو ربما تقع مسؤولية الإصلاح والترميم على صاحب الأرض، أما الأفلاج التي يشترك في كل واحد منها عدد كبير من الناس، جرت العادة على تعيين موظف خاص أو وكيل يتولى شؤون الإدارة لمصلحة المساهمين الرئيسيين يسمونه عرّيف الفلج، ولذلك يصبح الأمر بغير حاجة لمراجعة أصحاب الأراضي إذا ما حدث أمر يستوجب إنفاق بعض المال على أعمال الترميم والإصلاح والصيانة. ويقوم الوكيل بإدارة شؤون الأسهم الرئيسية، حيث يبيع الأسهم المتوافرة في مياه الأفلاج الموكل عن أصحابها لأي مشتر يدفع ثمنها، وربما يتم البيع بالمزاد العلني، وفي تلك الحالة، فإن كل من يرغب في الشراء لجزء من الأسهم من بين الحضور يرفع عصاه ويلمس بها كتف المنادي بالمزاد، وإذا قرر الانسحاب يسحب عصاه، وهكذا يبقى صاحب أكبر عرض هو الحامل لعصاه بين الجميع. إلا أن تشكيل أو إعادة تشكيل الأسهم التي يسمونها وقفا يحتاج لموافقة المساهمين الرئيسيين وفي حالة اعتراض شخص أو أكثر ترفع أي معارضة إلى القاضي المعني بالمنطقة للنظر فيها وإصدار الحكم بخصوصها. أما عن كيفية توزيع المياه على المزارعين، فجرت العادة منذ القدم أن يحصل المزارع على مياهه من ثغرة محددة لمدة معينة، إلا أنه وفي بعض المناطق والولايات، ربما يحصل المزارع على نصيبه من المنبع، أي قبل تفرع القناة الرئيسية إلى فروعها الثانوية، وفي تلك الحالة يكون للمزارع الحق في الحصول على مياهه من أي مكان في شبكة الأنابيب الرئيسية قبل تفرعها. وماذا عن حقوق الأولوية في استعمال المياه والاستفادة منها ؟! في أعلى الفلج وعند وصول الأنبوب إلى السطح هناك فجوة تؤخذ منها مياه الشرب، وللجميع الحق في ذلك متى شاؤوا من الأفلاج حتى إنه في المناطق السكنية يشترك الجميع في مياه الشرب وليس لأحد من بينهم أولوية على الآخر. أما ترتيب هذا الاستعمال فيبدأ بمياه الشرب، تليها مياه الحمامات السبوح، حيث تكون حمامات الرجال في مطلع مجرى المياه وتليها حمامات النساء، وتتألف هذه الأماكن من غرف صغيرة مستقلة كل منها قائمة بذاتها، في المناطق السكنية يشترك الجميع في مياه الشرب وبعد مواقع الحمامات، يأتي المكان المخصص لغسل الموتى، أما المساجد، فهي تحصل على مياه الوضوء من الأفلاج بصورة مباشرة. وبعد ذلك كله، يجري توزيع ما يتبقى من المياه على شؤون الزراعة، ولذلك توجد تفرعات عديدة للقنوات التي تنتشر من المجرى الرئيسي للفلج. ويقوم المعنيون بشؤون الأفلاج في سلطنة عُمان بتنظيفها وصيانتها باستمرار، خاصة فيما يتعلق بالتغطية الأسمنتية للأجزاء المتهدّمة أو الضعيفة. وإذا كانت تلك القصة التقليدية لوضعية الأفلاج في سلطنة عُمان وتاريخها، فإن الصورة الآن تبدو مختلفة إلى حد ما، ففي الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على استهلاك المياه في مختلف المجالات، ونظراً للندرة النسبية التي تعانيها مواردها، تقوم الحكومة العُمانية بالعديد من الجهود التي تستهدف توفير المياه بالقدر اللازم واستغلالها اقتصادياً وتطوير أساليب استخدامها بشكل متواصل. وفي هذا السياق، أنشئت سلسلة من سدود التغذية الجوفية وصيانة الأفلاج، والحد من استغلال الآبار، وذلك على ضوء دراسات علمية ومسوحات دقيقة متخصصة، وبلغ عدد الأفلاج التي تمت صيانتها من جانب الحكومة أكثر من ألف فلج، كما حفرت 117 بئراً لمساعدتها في المناطق التي كادت تتعرض فيها بعض نوعيات الأفلاج لمخاطر الجفاف. وفي الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على استهلاك المياه في مجالات التنمية على اختلافها وتنوعها، تبرز مشكلة الندرة في الموارد المائية لسلطنة عُمان كأحد المعوقات التي تحول دون تحقيق التنمية بمفهومها الواسع بالقطاع الزراعي. ولعل ذلك السبب الرئيسي وراء اتخاذ الحكومة العمانية لمحور الاهتمام بموارد المياه منطلقاً أساسياً للتفكير في الخطط المستقبلية التنموية. أنفقت عُمان الكثير لحساب تكاليف المشروعات التي تستهدف الحفاظ على الثروة المائية، خاصة فيما يتصل بجمع البيانات والمعلومات عن موارد المياه السطحية والجوفية، وإجراء البحوث والدراسات والمسوحات التي تهدف إلى استكشاف المزيد من الموارد من جانب، وإيجاد الأساليب الكفيلة بالحفاظ على المتاح منها وإحسان استغلالها، وتوسيع وتطوير وصيانة شبكات المراقبة للمياه السطحية والجوفية للاستفادة منها في تقييم الموارد المائية، وجميعها خطوات عملية في إطار السعي لاستكمال البنية الأساسية اللازمة من المعلومات والدراسات العلمية الدقيقة، والتي تعد ضرورية في إنجاح الاستراتيجية المائية المستقبلية حتى عام 2025م. وربما كانت مؤتمرات المياه التي تنظمها وتستضيفها مسقط خطوات فاعلة في مسار البحث عن مخرج للوفاء باحتياجات البلاد من المياه خلال المرحلة المقبلة، وتأمين مستقبل الأجيال في هذا الصدد، فهناك مؤشرات تدعو للتفاؤل، تتمثل في اكتشافات مهمة لأحواض جوفية في عدد من المناطق العمانية، مثل حوض المسرات وجنوب الباطنة، وكذلك المخزون الجوفي في منطقة النجد بمحافظة ظفار، وهو الحوض الذي أظهرت نتائج تقييمه المبدئية أن مياهه لا تقل عن خمسة آلاف مليون متر مكعب وربما تزيد عشرات المرات على هذا التقدير، وأن هناك إمكانية للبدء في تنمية زراعية مرحلية بتلك المنطقة باستخدام نحو 100 مليون متر مكعب من هذا المخزون سنوياً، وهي الكمية الكافية لزراعة 2500 هكتار. جهود لحمايتها تظل الأفلاج الرافد الأساسي والأبدي لحركة انسياب المياه في الشرايين العمانية بحكم طبيعة التضاريس التي تتميز بها جغرافيتها، وبالتالي يظل الحفاظ على سلامتها وضمان تدفق المياه في قنواتها هاجساً مستقبلياً كما في الحاضر والماضي، وما يعزز هذا الاعتقاد أن قضية حفر الآبار بالقرب من أمهات الأفلاج والأودية كانت محور البحث في الدورة الاعتيادية الأولى للسنة الثانية من الفترة الثانية لمجلس الشورى العُماني مطلع العام 1996، حيث اتخذت مجموعة من التوصيات الرامية للحفاظ على سلامة الأفلاج وضمان تدفق المياه في قنواتها من دون إزعاج الساعين لحفر الآبار عند أمهاتها الأمر الذي يسبب تهديداً لحركة سريان المياه في الأفلاج. وقبل كل ذلك، ومن بعده أيضاً، تظل الأسطورة حول منشأ شرايين الحياة العمانية المجسدة في الأفلاج لها ما يبررها في التراث باعتبارها واحدة من الخوارق التي لم يكن ليقوى على تنفيذها بشر عاديون.

مشاركة :