لا تستغرب عزيزي السائح الآتي إلى باريس من طنجة أو وهران إذا رأيت رجلاً أنيقًا بقبعة من الكتان، وهو يمسك بالأقلام الملونة العريضة ويرسم على جدران مطار «أورلي». إنه ليس من فناني الشوارع، بل يحمل لقبًا نبيلاً واسمًا شهيرا في العالم، من روسيا واليابان إلى حدود الصين. فقد منحت إدارة مطارات باريس الضوء الأخضر لمصمم الأزياء الفرنسي جان شارل دوكاستلباجاك لكي يعيد رسم جدران المطار القديم، جنوب باريس، بشكل يمنحه لمسات فنية مشرقة. ورغم انتقال حركة المسافرين من «أورلي» إلى مطار «شارل ديغول» الأضخم والأحدث، شمال شرقي العاصمة، فإن 29 مليون مسافر ما زالوا يمرون سنويًا بالمطار الأول الذي بات مخصصًا لعدد من شركات الطيران العربية والأفريقية. منذ مطلع الأسبوع، بدأ المصمم تمارينه على عدد من اللوحات البيضاء الكبيرة، على أمل اختيار الأشكال التي يراها مناسبة لتنفيذ جدارية بعرض 200 متر وارتفاع 17 مترًا. ويقول شارل تيلتسين، مدير المحطة، إنها ستكون واحدة من أكبر الجداريات في العالم. وتم الاتفاق على أن تحمل الجدارية رسومًا وعبارات مستقاة من آراء السياح وتعليقات المسافرين والطرائف والحكايات التي وقعت للعاملين في المطار. كما سيستلهم المصمم ذكرياته الخاصة وهو يستخدم المطارات بشكل مكثف، بحكم مهنته. ولأن الفكرة كلها تقوم على العفوية والطرافة فإنه لم يضع للأشكال المرسومة تصورًا مسبقًا، بل قرر أن يترك الحرية لإلهامه يقوده أثناء العمل. ولن يكتفي الفنان برسم الجدارية، بل سيوزع على بعض المسافرين المحظوظين نماذج ورقية من تخطيطاته الملونة وبإمضائه. توصف المطارات، عادة، بأنها الأرض التي لا يملكها أحد «نو مانس لاند». لكن دوكاستلباجاك ينوي أن يمنح الواجهة الخارجية للمطار طابعًا حميمًا يشعر معه المسافر بنوع من الصداقة والانتماء. وسيكون بإمكان المغادرين أو الواصلين إلى «أورلي» أن يتمتعوا برؤية الجدارية التي من المنتظر أن تكون مكتملة في الخريف المقبل. أما الذين مروا بالمطار خلال الأيام الثلاثة الماضية فقد رأوا الرسومات والتخطيطات الأولية التجريبية، ومنها صورة بالحب الوردي لعاشقين يتوادعان، وطفل يتشبث بدمية صوفية حمراء، أو مسافر يحمل حقيبة باليد وباليد الثانية غيتارًا أخضر. والطريف أن الفنان أضاف لجميع هذه الشخصيات أجنحة صغيرة تدل على تهيؤهم للطيران. يبلغ جان شارل دوكاستلباجاك من العمر 65 عامًا. وهو من مواليد الدار البيضاء في المغرب يتحدر من أسرة قديمة من نبلاء منطقة «بيغور»، واشتهر منذ ثمانينات القرن الماضي كمصمم للأزياء من جيل «الشباب المجددين» في الموضة الباريسية أمثال غوتييه وموغلر ومونتانا وكينزو. كما عمل مصممًا المسرح والسينما بالإضافة إلى شهرته ككاتب وجامع أعمال وتحف. وقد ظهرت تأثيرات طفولته المغربية وهوايته الفنية على الفساتين التي يصممها والمطبوعة أو المطرزة بألوان متعددة ومشرقة وبما يحيل إلى لوحات شهيرة. ومن أشهر زبائنه الممثلة الأميركية فرح فاوست والمغنية الفرنسية فانيسا بارادي والنجمة الاستعراضية الأميركية ليدي غاغا. ويحمل دوكاستلباجاك وسام الشرف الفرنسي وقد خصص له متحف «فيكتوريا وألبرت» في لندن معرضًا لأزيائه المتميزة كما دخلت فساتينه متحف الموضة في باريس.
مشاركة :