الإيمان بالله هو الركن الأول من أركان الإيمان بل هو أعظمها وبقية الأركان فرع عنه، وهو أهم ما خلق له الخلق وأرسلت به الرسل، فالإيمان بالله هو أساس كل خير ومصدر كل هداية، ومن يتتبع دعوات الرسل في القرآن الكريم يستنتج أن كل رسول يبدأ دعوته بذلك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (النساء 136). ويعني الإيمان بالله التصديق التام والاعتقاد الجازم الذي لا يعتريه أيُّ شك بوجود الله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وبوحدانيته أي أنه واحد أحد فرد صمد لا شريك له في ربوبيته أو في ألوهيته أو في أسمائه وصفاته. ويستدل الإنسان على الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى بفطرته السليمة التي توجهه إلى الله، وبالأخص في وقت الشدة، فإذا عصفت به الأزمات أو حلت به الخطوب نراه يرفع يديه متذللاً خاضعاً لربه يرجو عنده تفريج الهموم وكشف الكروب ورفع البلاء، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (النمل 27)، وقال ، صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ... (رواه البخاري). والعقل المفكر الواعي الذي يقبل الحق ويحترم الحقائق، ويرفض الوهم والخرافة ويأبى الميل مع الأهواء والشهوات هو الآخر دليل لصاحبه على وجود الله عز وجل، فهو يدرك أن هذه المخلوقات الكونية التي تسير على نظام بديع متناسق متآلف لا بد لها من خالق أوجدها، فمن المستحيل أن توجِدَ نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة، قال تعالى: وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون (الرعد 4). ومن يستعرض الشرائع السماوية وأحكامها المتضمنة في الكتب السماوية يرى أنها تحقق مصالح الخلق وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، فيوقن أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به، ومعجزات الأنبياء والرسل التي تفوق قدرات البشر وشاهدها الناس في زمانهم، أو سمعوا بها هي الأخرى برهان قاطع ساطع على وجود من أرسلهم إلى الناس وأجراها على أيديهم تأييداً ونصراً لهم. أما الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى فهو إفراده بأفعاله، ويعني الاعتقاد بأنه الخالق الرازق المدبر لأمور خلقه، المتصرف في شؤونهم في الدنيا والآخرة، الملك والمالك لا شريك له في ذلك كله، قال تعالى: أَلا لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِين (الأعراف 54). وبناء على ذلك فكل من اعتقد غير ذلك فقد كفر، ومن اعتقد أن لله شريكاً في الربوبية سواء في ذلك النبي والولي وغيرهما فقد أشرك بالله الشرك الأكبر، ومن اعتقد أن أيَّ حكمٍ أفضل أو مساوٍ لحكم الله يكون مشركاً بالله الشرك الأكبر. والإيمان بألوهية الله عز وجل وهو توحيده بالعبادة يعني إفراده بأفعال خلقه، فالصلاة والزكاة والصيام وغيرها من العبادات لا ينبغي أن تكون لغير الله بل تكون خالصة له وحده، قال تعالى وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت (النحل 36 ). ومن مقتضى الإيمان بالله سبحانه الإيمان بأسمائه وصفاته، وهو إيمان معرفة بأن نؤمن ونصدق بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف أو تشبيه أو تعطيل أو تمثيل أو تكييف أو تفويض لمعناها، قال تعالى وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِها (الأعراف 180 ). وبمقتضى هذا الإيمان أيضاً يجب علينا أن ننفي ما نفاه سبحانه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فقط، وأن نسكت عما سكت عنه الله ورسوله ، قال تعالى .. قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه (البقرة 139)، وتفسير ذلك أننا لا نعرف شيئاً عن أسماء الله وصفاته إلا عن طريق الوحي لأنها توقيفية بالإجماع ، بمعنى أننا نتوقف فيها على ما أخبر به الوحي . ولا يجوز كذلك جعل صفاته سبحانه وتعالى مماثلة لصفات المخلوقين، أو الحكم بأن معانيها مجهولة وغير معقولة لا يعلمها إلا الله بأن نفوِّض هذه المعاني وكيفيتها إلى الله عز وجل، قال تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الشورى 11 .. د.تيسير التميمي* www.tayseer-altamimi.com info@tayseer-altamimi.com *قاضي قضاة فلسطين، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً، أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس
مشاركة :