سرت بعض الأقاويل حول تورط النظام السوري بسلسلة من البيانات المحرفة، للتستر على مدى استخدام الأسلحة الكيماوية. فبعد مرور عام واحد على احتفاء الغرب بالتخلص من الترسانة السورية، باعتباره يشكل انتصاراً للسياسة الخارجية، توصلت وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أن النظام السوري لم يسلّم كل الأسلحة الكيماوية، كما كان يفترض، بل إنه لم يكن قريباً من المعدل المفترض أصلاً. وقال روبرت فورد، السفير الأميركي السابق لأميركا في سوريا في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما: يجب ألا يفاجأ أحد بمعرفة ان سوريا تخدعنا. وشدد على الحاجة للجوء إلى مفتشين أكثر تدخلاً. وإذا بدا الأمر مألوفاً لإيران، فيجب أن يتم اللجوء لمفتشين أكثر تدخلا. وتشكل سوريا، في الواقع، قضيةً جوهريةً أغشى فيها نظام شمولي فظيع أعين الغرب، في وضع ينبغي التعلم منه كثيراً. أولاً، سيكون المفاوضان جون كيري وزير الخارجية الأميركي والمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامنتا باور آخر من يعلن الفشل، إذا أنهما مقتنعان بأنهما حققا نجاحاً كبيراً بعد حلّ المشكلة. ثانياً، نتيجة للوارد أعلاه، سيتجاهل الغرب وينفي ويتستر على الدليل الذي يكشف خداع الطرف الآخر. ثالثاً، في حين تخلى الغرب عن فرصة إلحاق ضرر حقيقي من خلال توجيه ضربة عسكرية، فإن فرصة استعادة الإرادة وكسب الموافقة الدولية للتحرك إزاء الخداع السوري ستكون معدومة. رابعاً، كان يمكن تفادي كارثة أسلحة الدمار الشامل، والاضطراب العالمي، وهجرة الملايين، وموت الآلاف، وحتى عودة كانت شبه منقرضة قبل مرحلة الوصول إلى الخط الأحمر، ومنذ أعلنت الإدارة الأميركية للمرة الأولى أن الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يرحل. إلا أنه منذ رفض أميركا التحرك مبكراً وإزالتها للخطوط الحمر بات يمكن لسوريا التعويل على الاتفاق النووي الإيراني لممارسة المزيد من الخداع. خامساً، لا بد للأنظمة الشمولية من اللجوء إلى الغش والخداع، وإيجاد الكثير من الثغرات يجعل من الغش نهاية حتمية. ظن محللو وكالة الاستخبارات الأميركية بدايةً أن كشف مواقع الأسلحة يتوافق مع ما يعتقدون أنه موجود لدى النظام. لكن المفاوضين، طبعاً، أكدوا لنا أنهم كانوا يمكن أن يكتشفوا خداع سوريا لو كانت تفعل ذلك. إلا أن تطميناتهم لم تنفع لوقت طويل حسب ما تبين. وكان كل ذلك متوقعاً حين أثبتت الإدارة الأميركية عدم إصرارها على اللجوء إلى القوة في حال استدعت الضرورة ذلك. وبات المفاوضون منهمكين في عملهم التفاوضي لدرجة أحدثت تراخياً في تطبيق القرارات، وأتاحت للخصم التصرف بلا حسيب . وفقد الغرب بمرور الوقت اهتمامه بالمسألة، مما أطلق العنان للنظام. يجب ألا نتغاضى عن هذا الواقع، سيما حين يتحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنبرة حادة ضد منتقدي الاتفاق النووي الإيراني، الذين يعتبرون أنه منح إيران فرصة للغش، بينما كبّل أيدي الغرب ومنعها من ممارسة نفوذها. إلا أن الفارق هنا يكمن في مدى تعقيد دولة إيران . تصادم سُمح للمحققين، بموجب شروط انتشارهم في سوريا، بدخول مواقع معلنة من قبل نظام الأسد على أنها تشكل جزءاً من البرنامج النووي. ولم يسمح للمحققين باستخدام حق الطلب بدخول مواقع غير مصرح بها، ويعزو المحققون والمسؤولون الغربيون السبب في ذلك إلى عدم رغبة حكوماتهم بالتصادم مع النظام السوري.
مشاركة :