فجأة أصبحت القاعدة في الدراما التلفزيونية هي المسلسلات متعددة الأجزاء، والجزء الواحد هو الاستثناء، فبات المشاهد خلال السنوات الخمس الأخيرة يتابع مسلسلات يتراوح عدد حلقاتها ما بين 60 و 120 حلقة، وإن كان رمضان 2015، أقل موسم شهد هذه النوعية من مسلسلات الأجزاء، وهناك أعمال تعرض خارج الموسم الرمضاني وتمتد حلقاتها لأكثر من جزء، فهل هذه ظاهرة أم موضة تسيطر على الدراما المصرية؟ هذا ما يجيب عنه المعنيون والنقاد في هذا التحقيق الذي نستعرض فيه أبرز مسلسلات الأجزاء. في رمضان 2015 اقتصرت الظاهرة على الكبير أوي الذي قدم الجزء الخامس منه، ومن المتوقع أن يزيد عدد أجزائه أكثر من ذلك، بعكس المواسم السابقة التي شهدت عرض ثلاثة أعمال خلال رمضان 2014 من مسلسلات الأجزاء هي شارع عبدالعزيز 2 والباب في الباب 4 والكبير أوي 4، وفي رمضان 2013، ثلاثة مسلسلات أجزاء أيضاً هي الكبير أوي 3، وجوز ماما 3، والباب في الباب 3، فيما كان العدد أقل في رمضان 2012، الذي شهد مسلسلين فقط هما كيد النسا 2 والباب في الباب 2، أما رمضان 2011 فقد شهد أكبر عدد، حيث عرض خلاله 8 مسلسلات أجزاء، حتى الذي عرض لأول مرة، تم التنويه عن أنه جزء أول وسيليه جزء ثان، مثل مسلسل كيد النسا وعرض معه الكبير أوي 2، والدالي 3، وراجل و6 ستات الجزء 6، وجوز ماما مين 2، والباب في الباب الجزء الأول، والمصراوية 3، والهاربة 2. الأمر لم يكن قاصراً على ما يعرض خلال موسم الدراما الرمضانية فقط، بل إن ما يعرض بعيداً عن رمضان، اتجه أيضاً لعمل أجزاء من المسلسلات، مثل مسلسل سيرة حب الذي صور منه ثلاثة أجزاء في 90 حلقة، وهناك نية لتقديم جزء رابع، ومسلسل الخطيئة الذي صور في جزأين، وهناك نية لتصوير جزء ثالث، وكذلك آدم وجميلة، وعيون القلب، وكذلك هبة رجل الغراب الذي تعدى في الجزأين الأول والثاني أكثر من 90 حلقة، ويتم التجهيز للجزء الثالث، كذلك مسلسل سراي عابدين، الذي عرض الجزء الثاني منه بعيداً عن شهر رمضان، وغيره الكثير من المسلسلات، التي كان ربما أحدثها مسلسل سلسال الدم إخراج مصطفى الشال الذي يعرض بعيداً عن شهر رمضان، وقدم منه جزءان في أكثر من 100 حلقة، ويتم حالياً تصوير الجزء الثالث، دون أن نعرف كم ستصل عدد حلقاته، بعد أن اضطرت قناة إم بي سي مصر - التي تعرضه حصرياً، إلى اختصار مدة الحلقة بالتتر إلى 30 دقيقة فقط، بسبب حجم الإعلانات، لتعرض الحلقة على ثلاثة أجزاء، مدة كل جزء 10 دقائق، يتبعه 15 دقيقة إعلانات، ليصل وقت عرض الحلقة بالإعلانات إلى 75 دقيقة، ما نتج عنه أن الجزء الأول من المسلسل الذي كتب في 30 حلقة، وصل إلى 43 حلقة، الأمر الذي راعاه مؤلف المسلسل مجدي صابر في الجزء الثاني، ليكتب الحلقة بمعدل 28 دقيقة، ودقيقتين للتتر لتصبح 30 دقيقة، فجاء الجزء الثاني 60 حلقة، وربما سيكون نفس عدد حلقات الجزء الثالث. من جانبه يقول مخرج سلسال الدم مصطفى الشال: الفترة الزمنية التي يتناولها المسلسل تحتاج إلى جزء ثانٍ، وثالث، خاصة أن هناك أكثر من جيل يظهر في المسلسل، فالأحداث تدور خلال 30 سنة، يظهر خلالها أكثر من جيل، وجميعهم يصر على الثأر، فضلاً عن ارتباط ذلك بالفساد، وبالتالي هناك ضرورة درامية تحتم وجود أكثر من جزء لمتابعة المتغير من الأحداث، في ظل عدم وجود مط أو تطويل، خاصة أن وقت الحلقة 30 دقيقة، الحدث يتطور خلالها وفي تصاعد دائم، وسط حالة من الإثارة والتشويق، بدليل هذا الكم الكبير من الإعلانات الذي يتخلل المسلسل، والذي يصل غالباً إلى ضعف وقت الحلقة. يضيف الشال: أنا مع الأجزاء إذا كان هناك ضرورة وحتمية لذلك، وليس لمجرد استثمار نجاح أو رضوخ لطلبات بعض القنوات الفضائية، فكلما زاد عدد الحلقات، زادت التعاقدات على الإعلانات. وحول إذا ما كان المخرج يفضل تقديم جزء ثان من المسلسل أو إخراج عمل جديد، يجيب الشال: حتى لو قدمنا جزءاً آخر من العمل، فنحن نتعامل معه باعتباره عملاً جديداً مستقلاً، غير أن الأمر هنا في الأجزاء يكون مرهقاً جداً للجميع، سواء المؤلف أو المخرج أو حتى الممثلين، لأنك مرتبط بأحداث بعينها وفترة محددة، فضلاً عن ضرورة الحفاظ على الشكل والملامح العامة، حتى لو مر على تقديم العمل ثلاث أو أربع سنوات. من جهتها تؤكد الناقدة ماجدة موريس أن مسلسلات الأجزاء يتوقف نجاحها على عاملين أساسيين الأول أن يحقق العمل نجاحاً ملحوظاً يشعر به الجمهور قبل صناعه، والثاني أن تحتمل الخطوط العريضة للدراما تقديم جزء ثان أو ثالث، دون اللجوء إلى مط وتطويل الأحداث، لأن الجمهور يمل سريعاً حتى لو كان العمل جزءاً واحداً وبه مط وتطويل، لذلك نرى بعض المسلسلات تكون ناجحة في الجزء الأول، ويفشل الجزء الثاني منها بسبب مطه، لأن الدراما تكون انتهت، والحدث أصبح مكشوفاً للمشاهد دون تصاعد أو جديد. بدوره يقول الناقد طارق الشناوي: أساس العمل في المسلسلات الدرامية التي يكون لها أكثر من جزء يتوقف على دراما العمل نفسه، فهل سيسمح بعمل جزء ثانٍ أو ثالث أم لا؟ فعلى سبيل المثال مسلسل الجماعة من المفترض أن يكون له جزء ثانٍ لأن هناك خطاً تاريخياً متعلقاً بتاريخ الجماعة لم يكمله المؤلف وحيد حامد، ويمكن استكمال جزء ثانٍ وثالث للعمل، لكن النجاح وحده ليس منطقاً، فلا بد للعمل أن يكون قائماً على تطور الحدث الدرامي. يتابع الشناوي: هناك مثال آخر عكس الأول، فأعتقد أن الاتفاق كان منذ التعاقد على مسلسل سراي عابدين على تقديم 90 حلقة، لكن صناعه عندما وجدوا رد فعل سلبي حول الجزء الأول، قررت الشركة المنتجة أن تكتفي بعدة حلقات لاحقة، وكأنها جزء ثانٍ، وعرضت بعيداً عن شهر رمضان، لأن المسلسل من وجهة نظري لم يحقق نجاحاً فنياً ولا جماهيرياً. وفيما يخص الأجزاء في مسلسلات الست كوم يقول طارق: فكرة الأجزاء في حد ذاتها ليس فيها مشكلة، فهي مطبق ومعمول بها في العالم كله، وليس هناك ما يمنع أن تقدم في مصر أو أي دراما عربية، بشرط أن تطبق من خلالها مقاييس نجاح الست كوم بمعنى أن يكون هناك جديد دائماً، فمعنى ست كوم اختصار لكلمة مواقف كوميدية وبالتالي لا بد أن يكون هناك دائماً مواقف جديدة تأخذ الدراما للأمام، لا أن تظل الدراما واقفة عند حدث واحد ويلجأ الممثلون إلى الإفيهات والنكات ليقال إنه عمل كوميدي. المخرج جمال قاسم يشير إلى أن الأمر ليس مملاً بقدر ما يشكل خطراً على الدراما المصرية، ودخولها في نفق الاستسهال وتعبئة شرائط بعدد حلقات، بغض النظر عن مضمونها، إذا ما استمر الخضوع لشروط الإعلانات ومطالب القنوات الفضائية، فإذا كان الأمر يمثل بعض الاستثناءات اليوم، فمن المثير للقلق أن يصبح هو القاعدة خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يحتاج إلى وقفة جادة خاصة من الكتاب والمخرجين، والإصرار على عدم التلاعب في وقت الحلقات لصالح الإعلانات، أو لزيادة عدد الحلقات. ويلمح قاسم إلى ضرورة العودة إلى المسلسلات ذات 15 حلقة، لأن هناك بعض المنتجين يلجؤون إلى زيادة عدد الحلقات والأجزاء من أجل زيادة الربح، وهو ما شجعته القنوات الفضائية، خصوصاً في مسلسلات النجوم، ضماناً لزيادة مدة التعاقد مع شركات الإعلانات أطول مدة ممكنة. من جهتها أرجع مسؤولون عن بعض شركات الإنتاج- رفضوا ذكر أسمائها- هذه المشكلة إلى أكثر من سبب، من بينها وأهمها الارتفاع المبالغ فيه في أجور النجوم، ما يلتهم ما يقرب من نصف ميزانية المسلسل، إضافة إلى ارتفاع تكاليف بناء الديكورات والتصوير وبقية العمليات الفنية، وبالتالي فإن تصوير 15 حلقة من المسلسل، سيكبد المنتج خسائر كبيرة، بل 30 حلقة يمكن أن تحقق بالكاد ما تم إنفاقه على المسلسل، وفي كثير من الأحيان تسبب خسائر، ورغم ذلك يستمر المنتج أو الشركة في الإنتاج، رغم الخسائر، لأنه يريد أن يستمر ويكون موجوداً على الساحة، وإلا كانت نهايته، لذا يلجأ بعض المنتجين وشركات الإنتاج إلى الاستفادة من وجود النجم أو الاسم الكبير، وفرصة بناء ديكورات مرة واحدة لتصوير أكبر عدد من الحلقات لتغطية نفقات المسلسل، لكن بالتأكيد لن يكون ذلك على حساب المضمون، والمؤشر في ذلك هو الجمهور الذي لا يرحم، والذي لن تستطيع إقناعه بعمل فاشل مهما كان اسم النجم الذي يقوم ببطولته، وهناك أمثلة كثيرة شاهدناها في دراما رمضان هذا العام، ولأسماء نجوم كبار، انصرف عنهم الجمهور لأن أعمالهم لم تعجبه، ولم تشفع أسماء أو نجومية هؤلاء الفنانين. أجزاء ليالي الحلمية عن مسلسلات الست كوم وعودتها مرة أخرى في أجزاء، رغم ابتعاد أبطال العمل عن المسلسل عدة سنوات مثل عودة مسلسل تامر وشوقية في جزء جديد بعنوان لما تامر ساب شوقية، تقول الناقدة خيرية البشلاوي: بعيداً عن التقييم الفني لمسلسل لما تامر ساب شوقية لأنه لم يكن بالمستوى المطلوب منه، فأنا أرى أن ذلك يكون أفضل، فإن يبتعد صناع العمل عنه عامين أو أكثر، لحين العثور على تطور جديد للدراما يسمح بتقديم جزء جديد، أفضل من الإصرار على تقديم أجزاء متتالية بغض النظر عن الضرورة الدرامية، وهذا الكلام ينطبق على الست كوم، والمسلسلات الكبيرة. وأذكر أن هناك أقلاماً عدة طالبت الراحل أسامة أنور عكاشة تقديم جزء سادس من مسلسل ليالي الحلمية على نجاحه وشدة ارتباط الجمهور به، ولقوة الفنانين الذين شاركوا فيه، غير أن رده كان حاسماً: عندما تتواجد أحداث جديدة.. سأقدم جزءاً سادساً، وهذا هو الكاتب الذي يحترم فنه ويحترم الجمهور. مفاجأة الجمهور يؤكد ياسر زايد، مخرج هبة رجل الغراب أن المسلسل سوف يكون له جزء ثالث ورابع، موضحاً: ليس فقط لأن العمل ناجح جماهيرياً وحقق نسبة مشاهدة عالية، بل الأهم أن الدراما في المسلسل تحتمل ذلك، والخطوط الدرامية كبيرة، وبها تطور دائم، ولأن الشخصيات مرسومة بشكل جيد ودقيق، والمشاهد أحبها وتفاعل معها، بما فيها الشخصيات الشريرة، لكن الأهم ألا يجد المشاهد في الأحداث ما يتوقعه، ولا بد أن تفاجئه في كل جزء، بل وكل حلقة بما هو جديد، حتى يظل مرتبطاً بالعمل ومتابعاً له، وهذا الكلام ينطبق على أي شكل درامي، سواء ست كوم أو مسلسل كبير، أو حتى في السينما، فلا يمكن أن يقوم صناع فيلم بعمل جزء ثانٍ منه لمجرد نجاح الجزء الأول، وإلا انصرف الجمهور عنه من اللحظة الأولى.
مشاركة :