السلطة الفلسطينية تراوح في مربع مأزقها

  • 9/20/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في لقاء أجرته صحيفة إسرائيلية مع السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، نُقلت على لسانه ـ خطأ ـ جملة ورد فيها اسم النائب الفلسطيني محمد دحلان، باعتباره خليفة محتملا لتولي الرئاسة الفلسطينية بعد محمود عباس (85 سنة). وخلال فترة وجيزة، وقبل أن تخرج ردود فعل مقر الرئاسة الفلسطينية، صحّح فريدمان الخطأ وأكد أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى طرح دحلان بديلا، ولا شأن لها بهندسة القيادة الفلسطينية. بدا أن سفير الولايات المتحدة، وهو في الأصل مستوطن يهودي متطرف اعترضت على تعيينه المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة نفسها؛ أراد التلويح لرئيس السلطة الفلسطينية بشبح دحلان وليس التصريح بأن هذه الشبح مطروح أميركيا للخلافة. وفضلا عن ذلك سارع الناطق باسم تيار الإصلاح في حركة فتح، الذي يترأسه دحلان، إلى الهجوم على السفير الأميركي، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق في اختيار قيادته، وأن دحلان لا يقبل بأن تفرضه أي جهة على شعبه، وأن من يتسلم قيادة دون تفويض لن يفلح في عمله. معنى ذلك أن السفير الذي نقلت على لسانه الجملة الخطأ، بادر إلى تصحيحها، والمعني بالأمر محمد دحلان رفض المنطق الذي صيغت به الجملة الخطأ. لكن أوساط رئيس السلطة، تصرفوا كمن ينتظرون أمرا جانبيا ينشغلون به للهرب من استحقاقات اللحظة، وأهمها الذهاب فورا إلى جمع الشمل، وأطلقوا هجوما على النائب محمد دحلان باللغة نفسها التي لم تنتج سوى المزيد من الشقاء للشعب الفلسطيني، ما يبرهن مرة أخرى، على أن السجال الداخلي والخصومات الداخلية هما الوسيلة المثلى بالنسبة لحاشية عباس، للبقاء في السلطة دون أي اعتبار للحد الأدنى من عناصر الجدارة للنظام السياسي الفلسطيني برمته، بل دون مراعاة للأوضاع السياسية المتغيرة، وتطورات التطبيع العربي مع إسرائيل التي تتطلب سياسات ضامنة لتفادي الخسارة الجسيمة مما يجري. في السنوات الأخيرة، أصبح المحتلون الإسرائيليون بين الفينة والأخرى، يستأنسون بفائض ما انعقد لهم من السرور، بسبب اتصالات عربية قديمة ـ جديدة، يظنونها تطبيعا حقيقيا، أو بسبب الانقسام الفلسطيني؛ فيتعمدون التسلّي والتلهّي بالحديث إما عن عدم وجود طرف فلسطيني صاحب قرار شامل، وإما بالحديث السمج عن ضرورة “إيجاد” قيادة فلسطينية جديدة، ويطرحون أسماء أو قصصا من نسج خيالهم، عن نزاعات فلسطينية على الرئاسة، ويحددون من يريدون ومن لا يريدون. وفي هذا السياق، تسمعهم لا يرون أنسب من النائب محمد دحلان لإخافة الرئيس عباس به. لذا ظلوا يستخدمون اسمه، وكان الأمر البديهي والطبيعي، لو كانوا راغبين فعلا في أن يتولى دحلان الرئاسة الفلسطينية، أن يداروا نواياهم وأن يخبئوا ما في جعبتهم. وفي الحقيقة هم كانوا ولا يزالون، يرمون الصنانير، ويصطادون ويقهقهون. بهذا المنطق تكشفت للفلسطينيين جميعا، مقاصد إسرائيل من طرح الصحافة الإسرائيلية اسم دحلان كخليفة محتمل. وأول المقاصد وجوهرها، ألا تقوم للكيانية الفلسطينية قائمة، وألا يتوقف السجال الداخلي حول فرضيات بلا أساس. وفي الحقيقة، لولا حفنة قليلة موتورة، من الفلسطينيين، لما كان ضروريا الاهتمام بما يقوله المحتلون، أو يقوله مستوطن يهودي متطرف، اختاره دونالد ترامب لكي يكون سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل. للأسف، كانت الحال الفلسطينية الداخلية المتردية، تضطر النخب إلى التعليق في كل مرة، على ما يُقال حول دحلان كبديل. فالكارثة الفلسطينية على مستوى الاجتماع السياسي، أنتجت أوضاعا ملتبسة، تعوم على سطحها بقعة من العناصر، لم يكن سيسمع بها أو بمخرجاتها أحد، لولا منصات التواصل الاجتماعي. فهؤلاء، يتلقفون أو يُلفّقون أي كلام، ثم يضخونه إلى “السوشيال ميديا”، لكي ينساق معه البسطاء. وفي المحصلة، يكون المطلوب هو أن تظل الساحة الفلسطينية، ما إن تخرج من سجال حتى تدخل في سجال آخر، لكي لا يكون هناك أي تركيز على المصير الوطني والقضية وأفاعيل الاحتلال، والانقسام، والإقصاء الداخلي والحالة المعيشية البائسة في غزة وما أنتجته من ظواهر الجوع والانتحار. بسبب الأزمة الفلسطينية الداخلية المتفاقمة، يجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين إلى تكرار ما قالوه مرارا، وهو أن شعب فلسطين لا يقبل الإهانة على نفسه، ولا التجاوز عن حقوقه الديمقراطية. فالأعداء وحدهم هم الذين يريدون أن يُعامل شعب فلسطين كقطيع، بينما القطعان هم المهووسون المستوطنون المتخلفون، مدمنو الشر والاعتداء. أما الفلسطينيون فقد حافظوا على عقولهم وضمائرهم وأمنياتهم الوطنية المشروعة، وهم شعب متحضر، وصاحب الحق الحصري في اختيار قيادته، لا أن يختارها له غرب أو شرق، أو عرب أو عجم، أو إسرائيل. لا حكم سياسيا لأحد دون شرط الرضا الشعبي ودون المؤسسات الدستورية. وليس في مقدور العالم كله تأمين شرط الرضا الشعبي لرئيس، دون صناديق الاقتراع والمؤسسات الدستورية. ومن دواعي الأسف، أن تغييب المؤسسات التي تؤمن انتقالا سلسا وطبيعيا للسلطة في حال شغور موقع الرئاسة، هو الذي سيفتح لإسرائيل الباب واسعا للتدخل في خيار الشعب الفلسطيني لمصادرة حقه في اختيار من يمثلونه ويحكمونه. عندما ترتكب إسرائيل الخطأ في الحسابات المتعلقة بتمثيل الفلسطينيين وحكمهم، فإنها تعرف أصدقاءها وأتباعها الحقيقيين، وربما يُفاجأ الناس بهم كونهم من غير العناوين المعروفة، وستكون المسألة مجرد إعادة صياغة لبنية الاحتلال وإضفاء نوع من الصبغة السياسية الفلسطينية المزوّرة على الحكم الاحتلالي لضمان ألا تكون المسألة شبيهة بحل الدولة الواحدة ثنائية القومية. بالنسبة للنائب محمد دحلان، فهو يعلم أكثر من غيره أن لا جهة في هذه الدنيا تملك الحق في إنزال رئيس على الشعب الفلسطيني بالمظلة. وفي رأيه بئس الإنسان الذي يقبل إنزاله بالمظلة، وبئس الشعب الذي يتقبّل هكذا إنزال. فهذه مسألة كانت وستظل محسومة، لكن صحافة الاحتلال لا تزال تصر على الترويج لكلام آخر. ولأن التطرف في موالاة إسرائيل، هو من صفات سفير ترامب لدى نتنياهو، فلا يزال الرجل يمارس هوايته وهي إرباك الوضع الداخلي الفلسطيني! بالنسبة للوطنيين من أصدقاء ورفاق محمد دحلان في تيار الإصلاح الديمقراطي، فإن الذي سرى على عباس عندما اختار التفرد، وإقصاء الناس، ومَسَخَ الكيان الوطني بشطب المرجعيات والمؤسسات الدستورية، بهدف إحكام قبضته على السلطة؛ سيسري على أي شخص يفقد عقله ويقبل الإنزال بالمظلة، كائناً من كان. هم جميعاً معنيون بالدفاع عن عباس نفسه، بقناعة وشجاعة، عندما يستهدفه المحتلون والموالون لهم، وليس ذلك استرضاء لعباس، وإنما هو موقف يتخذونه انطلاقا من قناعتهم بأن شعب فلسطين هو صاحب الحق الحصري في اختيار قيادته، وأن الاحتلال يريدهم أن يظلوا رهناً لمطولات التخوين والسجالات العقيمة لكي لا يبرحوا مربع العجز. كان الأوجب على عباس وحاشيته، أن يسارعوا إلى سد الثغرات في النظام الفلسطيني، والتأسيس لمرحلة جديدة، يتوافر فيها للفلسطينيين الحكم الراشد، الذي يمثل ويقود الفلسطينيين بحيوية المجتمع ومؤسساته. * نقلا عن "العرب"

مشاركة :