بيروت - يركز الفنان اللبناني عبد القادري على العودة إلى الطبيعة من خلال مشروع جداريات تحمل عنوان "أود أن أكون شجرة" والتي بدأ في رسمها بعد انفجار مرفأ بيروت الذي دمر معرضه في غاليري تانيت بحي مار مخايل، أحد أشد أحياء العاصمة اللبنانية تضررا من الانفجار، ليلخص فيها موقفه مما حدث. هذا العنوان وليد فكرة أن الأشجار "لها القدرة على العطاء والقدرة على الشفاء" وأنها "راسخة بجذورها في الأرض". هذا المشروع من تصورات القادري وإخراج مارك موركش، ويتألف من جداريتين تنقسم كل واحدة منهما إلى رسومات على الورق المقوى. وقال القادري إنه يعكس فكرة "الحاجة إلى العودة إلى الطبيعة" في وضع "لا نستطيع فيه تحمل المزيد في هذا البلد". ويوضح "بتخايل.. مش بس أنا اليوم عم حسها، أغلب الناس إللي عم يتفاعلوا مع هيدا المشروع عم بيحسوا إنه فعلا نحن بحاجة لنرجع أكتر للطبيعة، بوضع بطلنا هلقد عنا القدرة نتحمل أكتر بهيدا البلد، لان الشجرة عندها هلقد قدرة على العطاء وهلقد عندها القدرة على الشفاء، وهلقد قوية وراسخة بجذورها، من هون اجت (جاءت) فكرة (أود اليوم أن أكون شجرة)". ووقع الانفجار الكبير في الرابع من أغسطس/آب بالمدينة المطلة على البحر المتوسط وأسفر عن مقتل نحو 190 وإصابة ستة آلاف آخرين وتدمير مساحات شاسعة من العاصمة. وكان لبنان يعاني بالفعل من تبعات انهيار مالي بدأ العام الماضي، فضلا عن ضغوط جائحة فيروس كورونا المستجد. عاش القادري في الخارج تسع سنوات، لكنه قرر العودة إلى لبنان في 2015. وقال إنه أراد "إعادة إطلاق الموسم (الفني)" إيمانا بدور الفن لكن "هذا ما حدث". وأضح "كان عندنا هدف إنه نرجع نفتح الموسم ونرجع نقول للناس نحن مآمنين بدور الفن ومآمنين أن الفن بيقدر يجمعنا وبيقدر يقدم شي مختلف عن إللي عم نشوفه.. صار هيك (هذا ما حدث).. بقيت تقريبا أسبوع.. مش بس صدمة معرضي (الذي دُمر تماما).. صدمة الناس يلي توفت، مهندس هيدي البناية توفى جان مارك بونفيس، أصحابنا مجروحين، بتخيل كانت الصدمة والوجع بأكتر من محل".وحل الدمار بمعرض غاليري تانيت، الذي كان القادري يقدم فيه أحدث عروضه "رفات آخر وردة حمراء"، مما أدى إلى إتلاف أعماله تحت تلال الحطام المتساقط من النوافذ والجدران. ولم تعد في المكان نوافذ أو أبواب، لكن القادري البالغ من العمر 36 عاما يقضي أيامه مع قلم رصاص وأصبع من الفحم ومع الأشجار التي يرسمها وسط الركام في الشوارع، حيث يقوم عمال ومتطوعون بالمساعدة في أعمال التنظيف وإعادة البناء في المباني المحيطة. وعندما يعود بالذاكرة إلى لحظات الانفجار، يستحضر مفردات "الصدمة" و"الوجع" و"خيبة الأمل الكبيرة". ويقول "أنا شخصيا ما بقى عندي أمل لحد ما يصير تغيير حقيقي بهيدي البلد، إللي عم بعمله اليوم بمعزل عن فكرة الأمل عم حاول اليوم ألاقي طريقة حتى أتخطى الشي إللي صار". وتُعرض لوحات "أود اليوم أن أكون شجرة" للبيع، بسعر يبدأ من 500 دولار أميركي للواحدة، وتذهب جميع العائدات إلى جمعية بسمة، وهي إحدى المنظمات التي تعيد بناء المنازل الأشد تضررا في بيروت. وقال القادري "اليوم كل المعارض ما بقى عندها القدرة ان لا تقدر تقدم معارض ولا تقدر تطبع كتالوجات.. وما بعرف قديش في ناس مستعدة أن تستثمر اليوم بالفن أو تشتري فن وإذا في (وإذا كان هناك من لديهم القدرة)، فهني كتير قلال (فهم قليلون جدا)، بتمنى أن الكم معرض (المعارض القليلة) إللي باقيين يكون عندن الإصرار والعزم والقدرة إنن يكملوا". ومن أهداف المشروع أيضا تكريم ذكرى المهندس المعماري الراحل جان مارك بونفيس الذي شيد مبنى غاليري تانيت. وكان بونفيس، أحد ضحايا انفجار الرابع من أغسطس/آب، ولاقى حتفه في شقته بنفس المبنى. رغم كل ذلك يرى القادري أن بيروت منارة للفن وعاصمة للثقافة ولن تخسر دورها. ويوضح "بيروت كانت كل عمرها مدينة بتصدر فن ومدينة، عاصمة أساسية بالثقافة، ما راح تخسر دورها وهيدا شي طبيعي، لأن هو موجود بنسيج المدينة، الأشخاص، الأفراد، المؤسسات إللي عم تشتغل عمستوى فردي، ما بتخيل رح يوقفوا يعنيي، بتمنى إنه ما يوقفوا، بس بظل الوضع ما بعرف قديش عندن القدرة إنن يكملوا".
مشاركة :