من نافلة القول إن الديمقراطيين الأميركيين والجمهوريين من طينة واحدة، لا فرق بين هؤلاء وهؤلاء في السعي لتحقيق المصالح العليا الاستراتيجية لدولتهم وأحزابهم. فهم لا يتورّعون عن استخدام كل ما لدولتهم العظمى من جبروت اقتصادي وسياسي وعسكري واستخباراتي وتكنولوجي لفرض الهيمنة على الشعوب الكبيرة والصغيرة، الغنية والفقيرة، الحرة المستقلة والأسيرة، وبكل ما لديهم من اجتهادات واختراعات وأساليب ووسائل كفيلة بتحقيق المطلوب، حتى لو اضطروا إلى مخالفة مبادئ الشرعية الدنيوية والسماوية والعرفية والأخلاقية، عند الضرورة. أما في ما يعنينا، نحن سكان الأرض العربية المأكولين المذمومين فلم يختلفوا في تعاملهم معنا على طول تاريخنا الحديث الطويل. فسجل حكوماتهم الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة يُخبرنا بأن بلادنا وشعوبها ليست لها عند أيٍّ منهم أهمية واعتبار إلا بمقدار ما يحتاجون منها إلى أدوات محلية في حروبهم السياسية والاقتصادية مع الدول أو القوى المنافسة التي لا تقل عنهم طمعا في ثروات أرض هذه البلاد وبحارها وأنهارها وجبالها وصحاريها الواسعة ومواقعها الجيوسياسية التي يعرفون أهميتها التي لا تعوّض. والمُنقِّب المستقلّ المحايد الذي يفتش في أنقاض العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن والسودان وفلسطين، على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، لا بدّ أن يُفاجأ بأن أميركا الجمهوريين أو أميركا الديمقراطيين، منذ قرن من الزمان، تصول وتجول بين ظهرانينا، وتُصادق من يعادينا، وتعادي من يصادقنا، وتعطي الحكم في أوطاننا العزيزة لمن تشاء، وتنزع الملك ممّن تشاء، وقد نبقى أسراها أجيالا قادمة عديدة ما دامت تجد منا من يعاونها ويأتمر بأمرها. وعلى هذا أصبح من اللازم أن نَتّهِم بالغفلة كلَّ عربي أميركي يتعصب للمرشح الديمقراطي أو للمرشح الجمهوري، بالرغم من أن الجاليات العربية الأميركية، كلها، بقضّها وقضيضها، ليس لها في مسار الانتخابات الأمريكية أكثر من طنين ذبابة حول دكاكين القصابين. ويمكن أن نفهم الدوافع التي تجعل العرب الأميركيين المختومة قلوبُهم وجيوبُهم بالولاء الإيراني يتحمسون لنصرة جو بايدن، ظالما أو مظلوما، وذلك لأنهم يتوقعون منه أن يكون بردا وسلاما على دولة الولي الفقيه، ونفهم أيضا سبب كرههم الشديد لدونالد ترامب والترويج لهزيمته في الانتخابات القادمة، وذلك لأنه جعل عداوته مع النظام الإيراني ورَقةَ انتخابه الرابحة الأقوى من كلّ ما لديه من أوراق غيرها. ولكن الذي لا يمكن فهمه هو أن عربا أميركيين غير معروف عنهم موالاةُ النظام الإيراني وحلفائه منشغلين بتلميع المرشح الديمقراطي بحماس ليس له نظير، وتكسير أجنحة منافسه الجمهوري، وكأنّ في يد هذا مفتاح الجنة، وفي يد ذاك مفتاح جهنم التي أعدّت للكافرين. فهم منهمكون في اصطياد أيّ خطأ من أخطاء ترامب، حتى لو كان عابرا وعاديا يرتكبه البشر كل يوم، فينفخون فيه وُيطوّلونه ويُعرّضونه، ويدللون به على سقوطه المؤكد القريب. وبالمقابل، يجعلون الحبة الصغيرة من حبات جو بايدن قبةً، ويتغنون ويباهون بها، ويجعلونها برهانهم على فوزه المؤكد المنتظر، رغم أن الكثير من الأميركيين يخالفونهم الرأي فيه، ويسخرون من ضعفه الذي عرف عنه على طول سجله السياسي الطويل. والحقيقة هي أنْ لا خلافَ على أن للرئيس الأميركي ترامب فضائل وإنجازات كثيرة لجمهرة واسعة من الأميركيين، لكنه، في ما يخص قضايانا العربية، لا يقل سوءًا عن أي رئيس غيره، إلا أن له حسنة واحدة للعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين المعتقدين، وهي قراراته وسياساته الهادفة إلى طرد الإيرانيين من أراضيهم، في يوم من الأيام. نعم، إنه بالغ كثيرا في إرضاء اليهود الأميركيين وإسرائيل، ولكن الذي ينبغي الإقرار به، من باب العدل والإنصاف، هو أن خصومه الديمقراطيين لا يقلون عنه ذوبانا في العشق اليهودي، والانبطاح أمام حبيبهم الأول نتنياهو. شيء آخر، إن المقيم في أميركا أقدر من غير المقيم فيها على رؤية الشارع الانتخابي الأميركي على حقيقته، دون تكبير ولا تصغير. ولو كان منصفا وغير متورط في انحيازه لأحد المرشحيْن، بدوافع طائفية أو قومية أو دينية أو مصلحية، فإن عليه أن يبشر خصوم ترامب من العرب والإيرانيين وجماعة حزب الله والقاعدة والإخوان المسلمين بأن الناخب الأميركي ميال، بالفطرة، إلى الرئيس القوي القادر على نفعهم ماليا وصحيا وضرائبيا، مهما كانت خطاياه وزلات لسانه. وترامب، هو ذاك، مهما تعاونت على حربه الإذاعات والجرائد ومراكز الاستطلاعات، وما أكثرها، فثلاثة أرباع كلامها حرب مصالح، وصِدامات حزبية تعوَّدت عليها أميركا والعالم في مواسم الانتخاب. أما ما ينبغي أن نفعله، نحن عرب أميركا، تخصيصا، أن نجلس على التل، ونتفرج على أفلام كارتون السياسة في أميركا، وألّا نكون كالداخل بين البصلة وقشرتها. فإن رحلَ ترامب إنّ أميركا لن ترحل، وستبقى كما هي، بوردها، وشوكها. وإن فاز باراك أوباما العائد بثياب جو بايدن فهي باقية أيضا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا إليه راجعون.
مشاركة :