كانت الكاميرا المتحركة هي البداية، مهدت للتصوير الرقمي، ووسعت من وسيلة نقل الصورة من إطارها الثابت إلى ذلك الفضاء الذي يتحرك، وربما يوثق، والأهم من ذلك كله، يهجس بهموم وقضايا الزمن المعاصر، ويعكس تفاعلات الفرد مع الأشياء والمؤثرات من حوله، وتطورت حتى صار (الفيديو آرت) نظاماً مستخدماً في الفنون التشكيلية المعاصرة، وصار له أنصاره، ومعارضوه.. بوصفه أحد تدفقات موجة الحداثة، فقد أصابه ما أصاب الذائقة الفردية، من تردد، ودهشة، ورفض، أو استيعاب وقبول. بهذا المعنى، فالفيديو آرت، ليس تياراً، بقدر ما هو نظام فني، جاء ليضيف إلى الفنون التشكيلية الجديدة، الفنون التي توقفت عند اللوحة المسندية الملموسة والمشاهدة، والملونة بريشة الفنان وخطوطه وإبداعاته البصرية، ليقدم فهماً جديداً، ويستخدم الصورة كوسيط، لكنه وهذا الأهم يطرح فهماً جديداً أو رؤية مبتكرة، أو يضيف فكرة، لم تكن مطروحة من قبل. تزامنت بدايات هذا الفن مع موجة ما بعد الحداثة، ويرجع البعض تطور الفيديو آرت إلى تطور تقنيات العرض التلفزيوني والسينمائي، هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فقد تم استثمار هذه التقنية، في استخدام صور متلاحقة، تهدف إلى تمرير جملة من المفاهيم والطروحات، التي هي انعكاس لمجمل ما يحيط بالفرد الإنسان من هموم وقضايا وهواجس اجتماعية وفكرية وسياسية، وفن الفيديو آرت بهذا المعنى، هو فن هادف، يطرح من خلال الصورة رؤية بصرية على تماس مع القضايا الراهنة، تعليقاً أو انسجاماً، وربما احتجاجاً ورفضاً، وصرخة مدوية من خلال الفن على الواقع الراهن. في الساحة الإماراتية، لا يختلف الوضع كثيراً، وإن كانت مجالات عرض نظام الفيديو آرت، بوصفه حلقة من حلقات الفنون المعاصرة، التي تضم (التركيبات والأطر والنظم والمفاهيم الفنية الجديدة) هي الأكثر استخداماً هنا، لا سيما مع تطور بينالي الشارقة للفنون، الذي أسهم بشكل وافر في التعريف بهذا الفن من خلال استضافته لتجارب عالمية رصينة في هذا المضمار. بعض الخبراء، يرجعون بدايات هذا الفن إلى أواخر ستينيات القرن الفائت، ويشيرون إلى أول معرض نظم في نيويورك 1969، وعرض على شاشة التلفاز، ليشكل مفاجأة للجمهور، وانتشر بعد ذلك في أوروبا بافتتاح جاليريات متخصصة، يمكنها استيعاب التجارب الجديدة في الفيديو آرت، كما تشير الدراسات، إلى غاليري برلين وجاليري دوسلدورف في ألمانيا، باعتبارهما احتضنا فن الفيديو آرت. وصف فن الفيديو آرت، بأنه نظام يعيد النظر في الكائنات والطبيعة والعاطفة، لأنه يعتمد الضوء كطاقة عابرة للزمان، ويمكن استخدامه للانتصار على وحشية الواقع، من أجل سيادة مبدأ الحلم. في الإمارات، يعتبر الجيل الشاب من الفنانين، هم الأكثر تفاعلاً مع هذا الفن، مع أن هناك بعض الأسماء المعروفة التي زاولته، مثل محمد كاظم، ابتسام عبدالعزيز وخليل عبدالواحد وغيرهم. التجارب الشابة، قامت على رصد ظواهر اجتماعية وبيئية، وبعضها يدقق في التفاصيل والملامح التي تختزنها الذاكرة الشخصية، أو الجمعية، ليعيد تفكيكها، بمهارة الحاذق، وضمن أفق التجريب لتطرح أسئلتها متسلحة بلذة الاكتشاف. كان بينالي الشارقة مع احتضانه تجارب الفيديو آرت العالمية، مساهما في عرض تجارب الإماراتيين والعرب، مثل خليل عبدالواحد الذي بدأ في هذا الميدان عام 2002، ضمن مشروع في هولندا اسمه وادي مع عبدالله السعدي ومشاركة ثلاثة فنانين هولنديين، وأتبعها في العام 2003 بمشاركة أولى على المستوى المحلي من خلال بينالي الشارقة. وسبق لخليل عبدالواحد أن وصف هذا الفن بأنه من الوسائل الممكنة لعرض وتقديم الأفكار من خلال جهاز بسيط، يعتمد بشكل رئيس على الصورة المرئية المتحركة، وأن هذا النظام كغيره من الوسائل التعبيرية الأخرى يستند إلى خامة متفق عليها بين الفنانين، وأن الإخلال بأي شرط من شروطه قد يفقد العمل هدفه، كما أكد على ضرورة استثمار هذا التوجه الفني في الإمارات واعتبره من الظواهر الصحية التي تقدم مجالاً جديداً للفنون يختبر إمكانات ووسائل لها علاقة بالتواصل الثقافي مع الآخرين. غير أن اللبس في اسثمار هذا الفن ما زال قائماً، بحسب ما سبق وأشارت ابتسام عبدالعزيز التي رفضت أن يكون الفيديو آرت يرتبط بفن عرض الصورة فقط، وأيضاً رفضت ربطه بالسينما، وأكدت أن الأساس في هذا الفن، هو كيفية التعبير عن المفهوم أو الفكرة التي يود الفنان توظيفها، من خلال الحركة والصورة وربما الصوت. قدمت عبدالعزيز معارض عدة تندرج تحت فن الفيديو آرت من بينها: سيرة ذاتية 2007، كما قدمت مشاركة في النمسا عام 2009 بعنوان تحويل الإنسان إلى رقم قدمت من خلاله آداءً حركياً صامتاً. توالت التجربة الإماراتية بإنتاج أحمد شريف عام 2003 عملاً بعنوان سكتشات اهتم من خلاله برصد حركة الماء على سطح بركة سباحة، كما عرض هذا العمل في هولندا في عام 2004. واستمرت الشارقة في احتضان هذا الفن، وقدمت خدمة للشباب الجدد فقبل نحو ثلاث سنوات احتضنت قاعة مرايا في القصباء، تجربة لافتة للشباب، غلب عليها الفيديو آرت، وشارك فيها كل من: (آلاء إدريس، ريم لوتاه، خالد عبدالله، شيخة المزروع، وعلياء لوتاه).
مشاركة :