حلمي سالم..كان يخاف أن يموت جباناً

  • 8/1/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عندما رقد الشاعر الراحل حلمي سالم على سرير المرض في مستشفى القوات المسلحة بالمعادي مارس 2011، ونقل أحد مريديه أنه يحتاج إلى التبرع بالدم، امتلأ المستشفى بطابور من المتبرعين يقدمون أذرعتهم إلى الطبيب لتحليل عينة منهم. واللافت للنظر أن العشرات الذين ذهبوا ليتبرعوا له بالدم لم يكونوا على علاقة أو صلة بالشاعر من قريب أو من بعيد، فقط سمعوا بنبله، ولما رأى سالم المشهد قال: شكرا لمرض السرطان. تكرر الأمر ثانية في آخر أمسياته التي أقامها بحزب التجمع في منتصف يوليو 2012 يومها خرج سالم من المستشفى وهو مريض ،ليقرأ لمحبيه مخطوط ديوانه الأخيرمعجزة التنفس ليعود للمستشفى بعدها. الحائي المشاكس (نسبة إلى ديوانه البائية والحائي 1988) أو الشاعر الأبيض المتوسط (نسبة إلى ديوانه الأبيض المتوسط 1984) آمن بأن للإنسان رسالة في تكريس حياته لخدمة الناس ومساعدتهم والتخفيف عن الذين أصابتهم وعكة في الروح تارة بالشعر، وتارة بالعمل الطيب. يوما كان أحد الشعراء الشبان سيقيم أمسية لمناقشة ديوانه الجديد، ودعا عدداً من النقاد فلم يأت منهم أحد، وإذا بسالم يفاجئه قبل الموعد قائلاً له: أنا من سأدير لك الندوة. بدأ الراحل حياته الشعرية وهو طالب بكلية الآداب مراهنا على الشعر كفنٍ يخدم الجمال والنضال الوطني وقضايا الأمة العربية، فأخرج 23 ديوانا، وكان أحد منظري الرومانتيكية الثورية، والمجددين في قصيدة النثر بمصر والعالم العربي. استهل حياته الشعرية بكتابة قصائده الأولى التي جمعها بجانب قصائد زميله الشاعر رفعت سلام، ولم يكن معه المال الكافي لطباعة الديوان فهو لا يزال طالباً فقير الجيب والكف، إلى أن جاءته الفكرة: أن يقص من كشكول المحاضرات ورقاً صغيراً على هيئة بطاقات ويبيعها لطلبة كلية الآداب كتذكرة لحجز ديوانه القادم بمبلغ زهيد، فأقبل الطلاب عليه واشتروا البطاقات، فجمع سالم المال اللازم للطباعة، فكان ديوانه الأول الغربة والانتظار 1972 بالاشتراك مع رفيق جيله رفعت سلام. آمن سالم بقضايا وطنه وأمته العربية فذهب إلى بيروت في أثناء الغزو الإسرائيلي عام 1982 وناضل بالشعر والحجارة والجوع، أرخ للفترة العصيبة في كتابين، الأول: ديوانه سيرة بيروت لو شحَ الخبز سنأكل عشب حدائقنا ونقاتل/ لو شحَ الماء سنشرب عرق سواعدنا ونواصل/ ولو قل الحبر سنكتب برصاص بنادقنا/ أنقى كلمات قصائدنا/ نضرب/ ونغازل. والثاني: كتابه الثقافة تحت الحصار وهو يرصد فيه الحركة الثقافية طوال أشهر الحصار الإسرائيلي الثلاثة (من يونيو/حزيران حتى سبتمبر/أيلول 1982). لم يسعفه المرض من الذهاب إلى بيروت ثانية إبان العدوان الإسرائيلي عليها يوليو/تموز 2006، فكتب وهو في القاهرة ديوانه حمامة على بنت جبيل، وأهداه إلى رجل لبناني من بنت جبيل وفي مايو من العام 2008 أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، كان يدير أمسية لأحد الروائيين، فاستوقفه قبل الندوة بعتاب يليق بمحبته للروائي: أنت في قمة أناقتك، وهناك أبرياء يموتون في غزة. وفي آخر أيامه وهو يعالج على نفقة الدولة المصرية، وينتقدها، سأله أحد الشعراء: ألا تخاف أن يمنعوا عنك العلاج؟.. فأجابه سالم: أخاف شيئاً واحداً فقط، هو أن أموت جبانا.

مشاركة :