القاهرة - تسعى القاهرة إلى عقد مصالحة بين القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح قبل انعقاد محادثات جنيف “المصيرية”. وقالت مصادر سياسية مصرية لـ”العرب” إن القاهرة لديها ما يفيد بأن مؤتمر جنيف بشأن الأزمة الليبية المتوقع انعقاده منتصف أكتوبر المقبل، سيكون مصيريا في تحريك الموقف المتجمد، ويتيح فرصة جديدة للتسوية، وأن واشنطن عازمة على الدفع في هذا الاتجاه، وتريد الخروج بنتائج إيجابية قبل انتخابات الرئاسة الأميركية. وأكدت هذه المصادر أن القاهرة تبذل جهودا حثيثة لتوحيد رؤية المؤسسة العسكرية والبرلمان الليبيين، تمهيدا للتسوية المرتقبة. ومن شأن هذه المصالحة إذا تمت أن تنهي العزلة المفروضة على حفتر والتي اتضحت بشكل كبير من خلال تهميشه في المحادثات التمهيدية التي جرت في جنيف والمغرب الشهر الجاري مقابل تعويل دولي وإقليمي كبير على عقيلة صالح. ويبدو واضحا أن حلفاء الجيش والبرلمان، وفي مقدمتهم مصر وروسيا، قلقون من استمرار الخلافات بين الطرفين، وهو ما عكسه صمت عقيلة صالح بشأن اتفاق سوتشي بين حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق على إعادة ضخ النفط. كما يعكس ذلك الصمت الهوة العميقة بين الطرفين، لكنه يشير أيضا إلى بوادر انحياز عقيلة صالح إلى واشنطن على حساب روسيا راعية الاتفاق النفطي. وبدأت الخلافات بين الطرفين منذ إعلان عقيلة صالح عن مبادرته التي جاءت على وقع تقهقر الجيش في محاور جنوب طرابلس، وهو ما رد عليه حفتر بالإعلان عن قبوله بالتفويض الشعبي وتولي الحكم في محاولة لقطع الطريق على عقيلة صالح الذي دعمت روسيا ومصر مبادرته. وبينت الهزائم التي مني بها الجيش في محيط طرابلس -ما أجبره على الانسحاب إلى سرت- مدى توتر العلاقات بين حفتر وحلفائه، وخاصة روسيا التي تواترت الأنباء بشأن سحبها عناصر من مرتزقة فاغنر كانوا يقاتلون في صفوف الجيش في محاور جنوب طرابلس. وبدت روسيا حينئذ داعمة لصعود عقيلة صالح مقابل انكفاء حفتر، لكنها أعادت مؤخرا قائد الجيش إلى الواجهة بالإعلان عن اتفاق سوتشي الذي جرى بين ممثل للقيادة العامة للجيش وأحمد معيتيق. وأسوة بحلفاء واشنطن التزم عقيلة صالح الصمت تجاه الاتفاق، ما يطرح عدة استفهامات بخصوص علاقته بموسكو. وعقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اجتماعا مع عقيلة صالح وخليفة حفتر، الأربعاء، وتباحث معهما في آليات توحيد الصفوف والمواقف، قبل مؤتمر جنيف، برعاية الأمم المتحدة. وأثنى السيسي على الجهود والتحركات التي قام بها صالح لدعم المسار السياسي وتوحيد المؤسسات التنفيذية والتشريعية في ليبيا، وثمّن موقف المؤسسة العسكرية بقيادة حفتر وجهودها في مكافحة الإرهاب والتزامها بوقف إطلاق النار. جدول المحادثات الليبية تشكيل حكومة ومجلس رئاسي جديدين إجراء انتخابات عامة، خلال 18 شهرا تحاشي تكرار أخطاء الاتفاقات السابقة ورصد مراقبون إشارات وتحركات متعددة تشير إلى وجود رغبة دولية في وضع الأزمة الليبية على طريق الحل الصحيح، عقب إجبار فايز السراج رئيس حكومة الوفاق على التخلي عن منصبه قبل نهاية أكتوبر المقبل، أي بعد الإعلان عن مخرجات جنيف. ويُترقب أن يُعقد مؤتمر جامع في سويسرا بمشاركة القوى الإقليمية والدولية المعنية، بحضور شخصيات تمثل ألوانا مختلفة من الطيف السياسي والاجتماعي في ليبيا، بينها جهات تظهر لأول مرة في اجتماع دولي رسمي معلن، تنتمي إلى النظام القديم. وضمن أولويات المحادثات تشكيل حكومة ومجلس رئاسي جديدين، وإجراء انتخابات عامة، وتحاشي الأخطاء التي وقعت فيها ليبيا الفترة الماضية، وفقا لنتائج الاجتماعات التي عقدت في سويسرا بداية سبتمبر الجاري. واتفق من شاركوا في هذه الاجتماعات التمهيدية على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في فترة أقصاها 18 شهرا، وفق إطار دستوري محدد، وتبدأ بتشكيل المجلس الرئاسي وإنشاء حكومة وحدة وطنية تمثل كل الليبيين، ونقل الوظائف والمكاتب الحكومية الرئيسية مؤقتا إلى مدينة سرت بعد تنفيذ الترتيبات المناسبة. وهناك خلافات حول معايير الاختيار ومستوى تمثيل كل طرف في مؤتمر جنيف، حيث تعترض عدّة أطراف على مشاركة آخرين، وتطالب بانتقاء من يذهبون إلى جنيف. ويتمسك حفتر وصالح بتثبيت وقف إطلاق النار، وعدم اختراق الخط الأحمر المعروف بـ”سرت – الجفرة”، وضرورة التخلص من الوجود التركي، وإنهاء سيطرة الميليشيات على طرابلس، وترحيل المرتزقة والإرهابيين الذين دفعت بهم تركيا مؤخرا. وتشدد القاهرة على أهمية وقف تدخلات تركيا السافرة، وإخراج المرتزقة والمتطرفين، وتُحمّلها مسؤولية انتشار هؤلاء، ورفضت التجاوب مع إشارات عدة بعثت بها أنقرة للتفاهم معها، وتتهمها بالالتفاف على الضغوط الدولية التي تتعرض لها أنقرة. وقال الرئيس المصري في كلمة ألقاها أمام الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء، “من المؤسف أن يستمر المجتمع الدولي في غض الطرف عن دعم حفنة من الدول للإرهابيين بالمال والسلاح، أو توفير الملاذ الآمن والمنابر الإعلامية والسياسية، وتسهيل انتقال المقاتلين الإرهابيين إلى سوريا وليبيا”. وناقش مسؤولون مصريون مع حفتر وصالح تفاصيل النتائج السياسية للاجتماعات التي جرت في كل من المغرب وسويسرا، لتنسيق الرؤى حول صمود وقف إطلاق النار، واستئناف تدفق النفط، والتعاون السياسي لعبور المرحلة القادمة. وأبدت القاهرة انزعاجا من استمرار الحسابات المتباعدة بين حفتر وصالح خلال الأسابيع الماضية، ومحاولة كل طرف القبض على بعض المفاتيح التي تمكنه من تثبيت وضعه في مقدمة اللاعبين الأساسيين، وتهميش الآخر. ويرى مسؤولون في مصر أن مواصلة الخلافات ونقض التفاهمات، التي أشرف عليها السيسي في السادس من يونيو الماضي وأوحت بالتعاون الكبير آنذاك، يمنحان الطرف المقابل فرصة الهروب من الاستحقاقات. ويقود تحرك كل طرف بمفرده دون تنسيق كاف مع الآخر إلى المزيد من الارتباك، ويقدم لتركيا فرصة قلب الطاولة السياسية والعسكرية. وتحرص القاهرة على فك الحلقات المتراكمة بين حفتر وصالح، كي يذهب وفد الشرق الليبي إلى جنيف متماسكا، ويتجنب الانقسام في صفوفه، والذي يمكن أن يكبده خسائر فادحة في وقت يعاد فيه ترتيب الأوضاع لبدء مرحلة جديدة.
مشاركة :