كشف تقرير جديد للبنك الدولي أن منظومة التعليم في تونس وراء هدر حوالي نصف القدرات التربوية للطفل. وكانت تقارير دولية ومحلية سابقة قد أكدت أن عدد ضحايا نظام التعليم في تونس يتجاوز بكثير أعداد الناجحين. أكد أحدث تقرير للبنك الدولي أن الطفل المولود في تونس يفقد 48 في المئة من قدراته الإنتاجية عندما يكبر. وبحسب مؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي مؤخرا، فإنه إذا استمرت الظروف الحالية للتعليم والصحة في تونس على حالها، فإن الطفل المولود في تونس في العام 2020، لن يصل إلا إلى 52 في المئة من قدرته الإنتاجية عندما يصبح شخصا بالغا. وهو ما يعني أن الخدمات التي توفرها منظومتا التعليم والصحة في تونس تتسبب في هدر قدرات الطفل التونسي بنسبة تصل حوالي إلى النصف. ومن أصل 14 عاما ممكنة كحد أقصى من سنوات التعليم المتوقعة قبل سن الثامنة عشرة، أشار التقرير إلى أن الطفل التونسي يتمكن كمّا من دراسة 10.6 عام فقط بسبب الظروف الحالية في تونس، أما كيفا، فإنه يتعلم أقل من ذلك بكثير، حيث بلغ معدل مؤشر سنوات التعلم 6.5 عام لا غير. وهو ما يعني أن الطفل التونسي يتمكن بحسب ظروفه الحالية من الدراسة لمدة 10 أعوام قبل سن الثامنة عشرة. لكنه عمليا لا يستفيد ولا يتعلم إلا لمدة 6.5 عام قبل سن الثامنة عشرة. وفي تعليقها على ما ورد بتقرير البنك الدولي قالت روضة عيفة إن منظومة التربية بتونس تشتكي من عدة نقائص على مستوى البرامج والمناهج والميزانية المرصودة للمؤسسات التربوية، وذلك منذ بداية تسعينات القرن الماضي، مشيرة إلى أنه لا بديل من إعادة الحياة لعملية إصلاح المنظومة التربوية التي انطلقت في العام 2014. وأضافت عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي لـ”العرب” أنه لا بد من تأسيس مجلس أعلى للتربية، مؤكدة أن المقترح موجود لكن مجلس نواب الشعب (البرلمان) لم يصادق عليه. الخدمات التي توفرها منظومتا التعليم والصحة في تونس تتسبب في هدر قدرات الطفل بنسبة تصل حوالي إلى النصف الخدمات التي توفرها منظومتا التعليم والصحة في تونس تتسبب في هدر قدرات الطفل بنسبة تصل حوالي إلى النصف من جهته صرح سليم قاسم رئيس جمعية جودة التعليم بأن مثّل هذه النتيجة كانت منتظرة وتبدو منطقيّة وهي حصيلة ثلاثة عقود من العبث التربوي الذي طال مختلف ركائز المنظومة وخاصّة منها ما يتّصل بالموارد البشريّة، والبرامج التعليميّة. وقال قاسم لـ”العرب” إن المنظومة التربوية التونسية قرّرت التخلي عن مدارس إعداد معلمي المرحلة الابتدائية التي زوّدتها على مدى عقود بخيرة مدرّسيها المتمكّنين معرفيّا ومهنيّا، والحاملين لعقيدة تربويّة تجعلهم يتفانون في أداء رسالتهم بكلّ عزيمة وإخلاص. وفي المقابل تمّ التّعويل على انتدابات عشوائيّة لمدرسين لا يتجاوز تكوين العديد منهم مستوى البكالوريا. وأشار عدد من الخبراء إلى أن أزمة كورونا زادت في تردي منظومة التعليم في تونس حيث كشفت عدم قدرتها على مجابهة هذه الجائحة بعد إغلاق ما يزيد عن 4544 مدرسة ابتدائية عمومية، وأكثر من 1392 إعدادية ومعهدا ثانويا عموميا، وتبكير عطلة الربيع لتبدأ من تاريخ 12 مارس 2020، وهو ما أدى إلى تخلف الطلاب عن إنهاء المقرر الدراسي وضياع فترة تحصيل هامة ربما كان يمكن تداركها لو كانت تونس قاردة على اعتماد نظام التدريس عن بعد. وأرجع عدد من المراقبين ضعف المنظومة التربوية في تونس إلى النقائص التي تعتري بنيتها التحتية، من ذلك سوء التسيير على مستوى إدارة الموارد البشرية وسوء توزيعها على المؤسسات التربوية وضعف الميزانيات، وغياب الصيانة والنظافة، وتعطّل الوحدات الصحية بأغلب المدارس. وعاب المراقبون على المنظومة التربوية التونسية عدم طرق مجالات الرقمنة والتكنولوجيا مسايرة لما يحدث في العالم وعدم إرسائها لمنظومة تعليم عن بعد، معتبرين أن الوزراء الذين تداولوا على الوزارة بعد الثورة خيّروا الإبطاء والمماطلة والتسويف. وأشار تقرير للبنك الدولي حول فقر التعلم إلى أن حوالي 65 في المئة من التلاميذ التونسيين لا يجيدون القراءة وأن تلميذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي الذي يبلغ من العمر 6 سنوات يتوقع أن يخسر 50 في المئة من قدراته ومدخراته بسبب رداءة التعليم في تونس. كما كانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد أشارت في إحصائيات صادرة عنها إلى أن 70 في المئة من تلاميذ تونس لا يجيدون الرياضيات و70 في المئة لا يجيدون العلوم. وهو ما أكده المؤشر الفرعي المتعلق بمعدل نتائج التلاميذ التونسيين في الاختبارات الدولية الخاصة بالقراءة والرياضيات والعلوم، إذ بلغ، بحسب ما ورد في تقرير البنك الدولي، 384 نقطة، وهو معدل ضعيف جدا بحسب المعايير الدولية. وعرفت المنظومة التربوية في تونس بعد ثورة يناير موجة من التسرب الدراسي أثرت على نمو المجتمع وعرقلت تطور عدد من الأسر. وقد وصل عدد المنقطعين عن الدراسة في تونس إلى حوالي 101 ألف منقطع سنة 2018، فيما بلغ خلال السنوات الخمس الأخيرة حوالي 526 ألف منقطع. تعليم ويشمل هذا العدد المنقطعين عن الدراسة من المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية وهو ما يزيد من الخطورة نظرا لما سيواجهه الأطفال بعد الانقطاع من مخاطر خاصة مع ارتفاع معدل الجريمة وارتفاع تأثير الآفات الاجتماعية على غرار انتشار ظاهرة المخدرات. كما تراجعت تونس على مستوى مؤشر جودة التعليم للعام 2019، وصنفت في المرتبة السابعة عربيا وفي المرتبة الـ94 عالميا بعد أن كانت في مراتب أفضل لسنوات في جودة التعليم وتصنيف الجامعات. ويرى عدد من الخبراء أن فرص التّدارك لا تزال قائمة أمام منظومة التعليم في تونس، متى توفرت الرؤية والإرادة الحقيقيتان لذلك، وهو أمر مشروط أساسا بتركيز نظم فاعلة لإدارة الجودة على مستوى كلّ المؤسسات التربوية في مختلف مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، ودعم استقلالية هذه المؤسسات. إضافة إلى إرساء منظومة حقيقية لإدارة الموارد البشرية على مستوى وزارة التربية، والتعويل على نظم تحفيز تكافئ التّجديد والاجتهاد والإبداع، بدل العمل حاليّا بنظام الترقيات الآلية التي تساوي بين العامل والخامل.
مشاركة :