شجّعت فجوة الغذاء المصرية رؤوس الأموال العربية على ضخ استثمارات جديدة في قطاع الزراعة الذي بات مقصدا رئيسيا لفوائض الاستثمارات الأجنبية، تزامنا مع الفورة المتصاعدة في عدد سكان البلاد المتوقع أن يصل إلى 132 مليون نسمة بعد عشرة أعوام فقط. القاهرة - شدّت بعض الاستثمارات العربية رحالها إلى قطاع الزراعة في مصر، لقنص فرص الاستثمار المتاحة، وسدّ فجوة الغذاء وتلبية فورة الاستهلاك الكبيرة. وتجاوز عدد سكان مصر المقيمين بالداخل مئة مليون نسمة، يعيشون على 7 في المئة من مساحة البلاد، بخلاف نحو 10 ملايين مواطن يقيمون في الخارج. وتستورد القاهرة حاصلات زراعية سنويا بنحو 5.4 مليار دولار، وتبلغ واردات الصناعات الغذائية المتنوعة 2.6 مليار دولار، نتيجة ارتفاع معدلات الاستهلاك والزيادة الكبيرة في عدد السكان. ووقعت محافظة الوادي الجديد في صحراء مصر الغربية، اتفاق تعاون مع شركة “جنان” الإماراتية والبنك الأهلي المصري لإقامة مشروع استثماري زراعي حيواني، وبناء منازل لجذب السكان للمحافظة النائية باستثمار 160 مليون دولار. وتعج الوادي الجديد بمشروعات متنوعة لجذب رؤوس الأموال العربية في المجالات التي تتواكب مع التوسع في الاستثمار الزراعي. وتشهد تنفيذ مشروع مصري أميركي لإنشاء مجمع حيواني بطاقة 10 آلاف رأس، وآخر لتربية للدواجن بطاقة 75 مليون طائر خلال 4 سنوات، بهدف إعادة التصدير للخارج، ونحو 150 فدانا لإقامة مشروع لتربية النعام. وبات هذا القطاع وجهة مهمة للاستثمارات عالميا، فيما أعلنت المحافظة عن توقيع بروتوكول تعاون مع إحدى الشركات اليونانية لزراعة 10 آلاف فدان، وإقامة منطقة صناعية لإنتاج العصائر والمربات بتكلفة 100 مليون دولار، واتفقت مع شركة “فوعة” الإماراتية لتطوير وتشغيل مجمع للتمور بخبرة إماراتية. شريف فياض: غيّرنا سياسة استصلاح الصحراء لجذب المستثمرين شريف فياض: غيّرنا سياسة استصلاح الصحراء لجذب المستثمرين وتعزز القاهرة جاذبيتها الاستثمارية لرؤوس الأموال العربية في قطاع الزراعة من خلال تسهيلات كبيرة تقدمها عبر شركة الريف المصري المسؤولة عن تنمية وزراعة المشروع القومي لاستصلاح مليون و500 ألف فدان. وتقدم الشركة الأراضي للمستثمرين بتسهيلات في عقود الملكية والمرافق، لطمأنة المستثمرين، خاصة بعد المنازعات التي شهدتها الساحة خلال السنوات الماضية، حول عقود ملكية المشروعات وأدت إلى لجوء بعض المستثمرين للتحكيم الدولي. وتستهدف الاستثمارات السعودية زراعة نصف مليون فدان بمصر، في مجالات إنتاج الحبوب والأعلاف وتربية الدواجن والألبان والسكر. وقالت مجموعة العتيبي للمقاولات والمواد الغذائية الكويتية، إنها تعتزم تدشين مشروع زراعي ضخم في مصر، بهدف إعادة تصدير منتجاته للسوق الكويتية. وتعد الكويت ثالث أكبر شريك تجاري عربي لمصر، بعد الإمارات والسعودية. وقال شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز بحوث الصحراء، إن السياسة التي تنتهجها مصر في استصلاح الصحراء، تقوم على منح 80 في المئة من المساحات المطلوب استصلاحها إلى كبار المستثمرين والشركات الكبرى، والنسبة المتبقية لصغار المستثمرين والجمعيات التعاونية وروابط المنتجين. وأضاف لـ”العرب” أن تلك السياسة تعزز سباق الشركات والمستثمرين العرب والخليجيين للاستثمار في قطاع الزراعة المصري، بعكس السياسات السابقة التي كانت الفئة الحاصلة على فدان واحد تستحوذ على 50 في المئة من الأراضي التي تُطرح للاستصلاح الزراعي. وتعتمد السياسة الزراعية الجديدة على استصلاح مساحات كبيرة، من خلال عنصر الميكنة وإنتاج نباتات ذات قيمة مضافة تصلح للتصدير وتعزيز عمليات التصنيع الزراعي على تلك المنتجات. ويحفز التوسع في الاستثمار الزراعي على توطين صناعات ذات قيمة مضافة تزيد ربحية وعوائد الاستثمارات، ما يشجع على ضخ رؤوس أموال في هذا القطاع. حسين أبوصدام: الاستثمارات العربية تعزز خطط سد الفجوة الغذائية حسين أبوصدام: الاستثمارات العربية تعزز خطط سد الفجوة الغذائية ورغم نجاح سياسات الاستثمارات الكبيرة في قطاع الزراعية، إلا أنها تواجه تحديات، أبرزها مخزون المياه في الآبار، في حال زراعة محاصيل كثيفة الاستخدام للمياه، وهو ما يؤثر على مستقبل المشروعات في الأجل الطويل. وتحتاج هذه النقطة إلى خارطة زراعية من خلالها يتم الاتفاق على زراعة محاصيل بعينها تراعي البعد التجاري للمستثمرين، على أن تكون غير كثيفة لاستهلاك المياه. وخصصت وزارة الزراعة 15 ألف فدان بنظام حق الانتفاع للهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي لمدة 25 عاما قابلة للتجديد في منطقة غرب المنيا، لتعزيز التوسع في زراعة أشجار الزيتون، وإنتاج زيت الزيتون وتشجيع المستثمرين على التوسع في هذا المجال. وتعتزم الهيئة التوسع في إنتاج المحاصيل الزراعية في مصر خاصة الزيتون وبنجر السكر، والإنتاج الحيواني والسمكي والتصنيع الزراعي. وأعلن رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن تأسيس شركة مساهمة مصرية – سودانية، يكون طرفاها الشركة القابضة للصناعات الغذائية المصرية، وشركة الاتجاهات المتعددة المحدودة السودانية، لتعزيز الاستثمار الزراعي والحيواني. وتختص الشركة بتسمين وإنتاج المواشي وعمليات التصنيع المتعلقة بهذا المجال، وطرح منتجاتها في السوقين المصري والسوداني، وزراعة وإنتاج واستيراد وتصدير كافة المحاصيل الحيوية والزيتية في البلدين. وعلاوة على التعاون المشترك في مجالات عصر الحبوب الزيتية وتكرير الزيت والسكر والسمسم والأرز والقمح والفول السوداني ومنتجاته والقطن والخضر والفاكهة والعصائر ومركزاتها والأسمدة الكيميائية والمطهرات والمنظفات. وأكد حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، أن مناخ الاستثمار الزراعي في مصر لا يزال جاذبا بسبب موقع البلاد الجغرافي المتميز الذي يسهل تصدير المنتجات، وتوافر المياه الجوفية في الصحراء بكميات تكفي لريّ مساحات كبيرة. وأوضح لـ”العرب” أن استصلاح المستثمرين العرب للأراضي الصحراوية يحقق فوائد متعددة، منها توسيع الرقعة الزراعية، وتعزيز خطط الدولة الرامية لاستصلاح مساحات جديدة، وطرح المنتجات في الأسواق لسد فجوة استهلاك الغذاء. وكشفت نشرة إحصاءات المساحات المحصولية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) عن زيادة إجمالي المساحة المزروعة في مصر إلى نحو 15.8 مليون فدان بزيادة قدرها 1.1 في المئة. وتحتاج الفورة الاستثمارية في قطاع الزراعة إلى منظومة حكومية رشيدة تستهدف تحفيز المستثمرين على زراعة محاصيل بعينها، خاصة التي تستوردها البلاد، الأمر الذي يحقق التوازن بين عمليات استصلاح الأراضي وسد فجوة الغذاء بالبلاد.
مشاركة :