أوجه الشّبه ما بين المثقف والمبخرة!

  • 8/1/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لمّا أن كنتُ صغيراً كانَ يُشارُ لـ: مثقفُ السلطةِ بـ: (حامل المبخرة) وما إنْ شبَبتُ عن الطوقِ حتى ألفيتُه: (حاملاً) وحين كبُرتُ تمخّضَ هذا الحَمْلُ عن: (مبخرةٍ) للاستجمَار في زمنٍ أثبتَ فيه الاستنجاءُ عجزه عن رفعِ الحدث.! ومنذُ أن عقلتُ دورَ: المبخرةِ -وما تضطلعُ به من مهامٍ في المجتمعات التي لا تُسأل عمّا تفعل- وأنا في شغلٍ أتبيَّنُ من خلاله الأوجه التي باستطاعتها أن تجمعَ ما بين: المثقف وبين: المبخرة على نحوٍ من صفاتٍ مشتركةٍ يُمكنُ إيجازها وَفقَ هذه المجملات: * رأسمالهما (دخانٌ) تنعَقد سُحُبُه المتراكمة -ظلماتٌ بعضها فوق بعض- بين يدي المواكبِ الرسميّة ثم لا تلبث هذه السُّحب الدخانيّة أن تتشبّث بعليةِ القومِ إذ تعلق بـ: بشوتهم وما يَليها من ملابسَ قطنيّةٍ فاخرة. وإذا ما انطفأ جمرهما (المبخرة/ والمثقف) أُحيلً ما بَقي من رمادهما إلى: الزبالة المصير الذي ليس منه بُدٌّ لكلّ من ارتضى أن يكون واطياً.. وذلك عقبَ التّيقن من أن الجمر فيهما قد انطفأ بذلك الشيءَ الذي يأتي على شكلِ تَفلٍ/ ولعابٍ سائلٍ/ سائغٍ للمهمّشين.! * هما في البدء يُصنعان على عين: المعزّب بوصفهما: متناً ليس لأيِّ احتفالٍ غنيةً عن حضورهما الباذخ بيد أنهما: متنٌ إلى حين يَتمُّ تفريغهما من النّفعِ والحاجةِ إليهما ليعودا تالياً ومن بعد زمنٍ ليس بالطويل إلى ما كان عليه قبلاً من كونهما: هامشاً لا يُكترث له.. فيركنان بالتالي جانباً حتى تحين ساعة استثمارهما كرّة أخرى وفي كلّ مرّة تتمُّ الاستعانة بهما يُثبتان على الحقيقةِ -وبما لا يدع مجالاً للشكّ- بأنّهما ليس إلا: دخاناً تُزيّف بأحدهما حاسة الشمّ فيغدو النتنَ زكيّاً!! بينما الآخر فيهما يُعمي البصيرة جراء كثافة دخانه الذي يَعمُّ المشهدَ كلَّه ما يجعل الرؤية متعذّرةً.! * أداتان تَمهدانِ الطريقَ لأيّ استبداد يجدُ القابليّة لدى: المعازيم ذلك أنّ الحضور الاستباقي/ والبَهي لـ: المبخرة ليس سوى الناقوس الذي يُضرب بين يدي الجميع ليلزموا: (الصمت).. كما وأنّه ناقوس يُضرب إعلاناً ينصّ على أنّه ليس لأيّ أحدٍ كائنٍ مضن كان مهما طالت لحظاتُ وقوفه أن يَقعُد حتى تمتلئ الصفوف الأولى..! وكذلك هو شأن: المثقف إنما يُؤتى به ليشتَغلَ بين يدي: مولاه ومن خلفه فتارةً يعبّد له الطريق في سَنّ ما شاء.. وفي الأخرى ينهضُ بما أوجبه عليه مولاهُ من أعباءِ التسويغ ابتغاءَ الترويض/ وبما أوجبه عليه مولاهُ من أعباء التبرير ابتغاء التّربيض لكلّ جامحٍ من ذوي الرؤوس اليابسة (ذات الحبّ الذي لم يطُحن) ولئن لم تلن هذه الأخيرة وتنحني خنوعاً فإنّها تأبى إلا أن تكون رؤوسا يانعةً قد حان قطافها.. سُنّةُ الحجّاج في الذين قد مضوا. * كلما بالغتَ في النفخِ فيهما انبعث من تحتِ خلل رمادهما دخانٌ فيستطيبُ قومٌ قليلون رائحتَه ولايزالون يطلبون مزيدا حتى يُكبّون على مناخرهم حصائد ألسنتِهم فيما الأكثرون يتأذون ويتأذون وهم يصطرخون فيها فلا يًقضى عليهم ليموتوا.. ويخسئون فيها إذ ما من أحدٍ يُكلّمهم. أدعُ للقارئ الفرصةَ في أن يتلمّس أوجه شبهٍ أخرى فيما بين المبخرة والمثقف من تلاقٍ في الصفات المشتركة.. لأبقيَ عَجز المقالة هذه في التوكيد على: أنّ التحديات الإقليميّة والدوليّة التي يواجهها الوطن العربي- الكبير- اليوم برهنت لأكثر من مرّةٍ على خطر النظرة السطحية قريبة المدى وعلى خطر التحالفات ذات البعد الفئوي على حساب مستقبل: الوطن الأكبر ما يعني أنّ زمن: المباخر وتوأمه: المثقفون من أولئك الذين يتم جلبهم لملْء الفراغ قد انتهى/ وولّى إلى غير رجعة ذلك أنّ الحاجة باتت أكثر إلحاحاً إلى استقطاب: المثقف الذي لم يسقط بعْدُ من أعين الناس الذي لم يُعرف عنه: نفاقاً ولم يكن قد اجترح قطّ دور مَن يمارس دور الدعاية باعتباره طبلاً أجوف من شأنه أن يرقص على كلّ نغمةٍ يبتغي بذلك الزّلفى وحُسن المآب. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا رَأَيْتَ الْقَارِئَ يَلُوذُ بِالسُّلْطَانِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لِصٌّ، وَإِذَا رَأَيْتَهُ يَلُوذُ بِالأَغْنِيَاءِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُرَاءٍ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ، فَيُقَالُ لَكَ: تَرُدُّ مَظْلِمَةً تَدْفَعُ عَنْ مَظْلُومٍ، فَإِنَّ هَذِهِ خَدْعَةُ إِبْلِيسَ اتَّخَذَهَا الْقُرَّاءُ سُلَّمًا. نقلا عن الشرق

مشاركة :