تحقيق: رانيا الغزاوي تشكل الإنفلونزا الموسمية تحدياً للأنظمة الصحية حول العالم، خصوصاً مع وجود فيروس كورونا لهذا العام الذي لم ننتهِ بعد من تداعياته؛ إذ تتسبّب الإنفلونزا سنوياً خلال فصل الشتاء، في زيادة العبء على العيادات والمستشفيات، وانتشار العدوى التي تزيد مخاطرها ومضاعفاتها لدى الحوامل وكبار السن والأطفال، خصوصاً الأقل من عمر 5 سنوات أو المصابين بأمراض مزمنة.الأطباء أكدوا دور المجتمع المهم في الفترة الحالية مع تبدل الفصول والتي ينتشر فيها الفيروس، وضرورة التحصن باللجوء لأخذ لقاح الإنفلونزا الذي توفره الدولة في كثير من منشآتها الحكومية مجاناً في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول، والحاجة الملحة له؛ كونه يسهم في تقليل الأعراض وسرعة التشافي من دون الضغط على المستشفيات والمرافق الصحية التي ما تزال كوادرها تعمل بأقصى طاقتها؛ لمكافحة تداعيات كوفيد 19، إلى جانب الالتزام بإجراءات الوقاية؛ كغسل اليدين؛ وتجنب التجمعات التي تكافح على الجهتين انتشار فيروسات الإنفلونزا والكورونا، موضحين أن لقاح الإنفلونزا يحمي من الإصابة بالمضاعفات المؤدية للوفاة لأكثر من 70%، كما حذروا من مواقع التواصل الاجتماعي التي تشكك في العلاجات الطبية المستخدمة، وتنشر المخاوف في المجتمع.يؤكد الدكتور عادل سعيد سجواني أخصائي طب الأسرة في وزارة الصحة ووقاية المجتمع، عضو الفريق الوطني للتوعية بفيروس كورونا المستجد، أن لقاح الإنفلونزا الموسمية مهم جداً، وحاجته ملحة خاصة في زمن كورونا؛ منعاً للضغط على المستشفيات والمرافق الصحية، وتبدأ الإصابات عادة في الانتشار من أواخر شهر سبتمبر/ أيلول وحتى نهاية فصل الشتاء في مارس/آذار، وفي كل عام تتزايد حالات الإصابة بالإنفلونزا الموسمية محلياً وعالمياً، على الرغم من وجود لقاح له؛ لكن إهمال أفراد المجتمع لأخذ اللقاح يتسبب بذلك وأكثر، على الرغم من أن المنظمات والمؤسسات الصحية العالمية توصي بأخذه، من عمر 6 أشهر فما فوق وخصوصاً كبار السن من أصحاب الأمراض المزمنة؛ كونهم أكثر عرضة للإصابة بمضاعفاتها الخطرة في ظل استمرار جائحة كورونا.ويوضح: إن لقاح الإنفلونزا مفيد وآمن وخالٍ من مادة الزئبق أو «الثيرموسال» ومادة «النانو ألمنيوم» التي يشاع عنها أنها ضمن مكونات اللقاح، كما لا يحتوي على مادة «الرصاص» ولا توجد دراسات علمية تثبت أن اللقاح يتسبب في حدوث أمراض خطرة بعكس ما يتم تداوله من قبل بعض الأفراد، كما أن اللقاح يكافح 4 أنواع لفيروسات الإنفلونزا الأكثر انتشاراً ومنها فيروس «a» و«b» وإنفلونزا الطيور والخنازير وبالتالي يحمي لأكثر من 70% من الإصابة بالمضاعفات التي تؤدي للوفاة خصوصاً لكبار السن والأطفال. ويضيف: يحظى لقاح الإنفلونزا الموسمية بسجل ناجح من السلامة والفاعلية؛ حيث تم إعطاء اللقاح لمئات الملايين من الأشخاص على مدار ستين عاماً، كما أجريت العديد من البحوث والدراسات التي تدعم سلامة اللقاح، ويُعطى لقاح الإنفلونزا عن طريق الحقن العضلي في أعلى الذراع، أما الأطفال الصغار أقل من عمر السنة فيعطى في الفخذ، ولا يوجد تعارض بين هذا التطعيم وأي تطعيمات روتينية أخرى، ويمكن إعطاؤه في نفس الوقت مع تطعيمات أخرى. التبليغ الإلكتروني من جانبها، تؤكد الدكتورة فريدة الحوسني مديرة إدارة الأمراض السارية في مركز أبوظبي للصحة العامة، ضرورة أخذ لقاح الإنفلونزا الموسمية، والذي يتوفر منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام بالمراكز الصحية في الإمارة مجاناً، إضافة إلى توفيره عادة لموظفي المؤسسات الحكومية وفي مراكز التسوق، ويساعد ذلك على التخفيف من حدة الإصابة وأعراضها خصوصاً بين الأطفال في ظل العودة للمدارس، ومع تشابه الأعراض بين الإنفلونزا والكورونا؛ قد يتسبب ذلك في نوع من الخوف والذعر بين الأهالي؛ لكن التحقق عبر إجراء الفحص سيكون الفيصل؛ لذا توجد ضرورة لأخذ اللقاح.وأشارت إلى أنه في كل عام، يتم التأكد من توفر اللقاح مبكراً قبل حلول الموسم، وكذلك تنفيذ حملات التوعية والتثقيف؛ لرفع مستوى وعي الجمهور والعاملين في القطاع الصحي حول مرض الإنفلونزا، وأهمية أخذ التطعيم. وذكرت أن إعطاء جرعات من لقاح الإنفلونزا للملايين من البشر على مدى سنوات؛ يضمن وجود سجل سلامة ناجح، مشددة على أن اللقاحات تُعد وسيلة آمنة وفاعلة؛ حيث تخضع لاختبارات على نطاق واسع؛ لضمان جودتها قبل ترخيصها، وتأتي لقاحات الإنفلونزا المتوافرة بأبوظبي، على شكل عبوات ذات جرعة واحدة، كما تعمل دائرة الصحة على الالتزام بالتأكد من سلامة اللقاحات المستخدمة؛ من خلال وضع أنظمة المتابعة. وتلفت إلى نظام التبليغ الإلكتروني المتميز بدائرة الصحة بأبوظبي، ويتم من خلاله متابعة حالات الأمراض المعدية بما فيها «الإنفلونزا» عبر المستشفيات، إضافة إلى التقصي الوبائي للحالات، وتوفير اللقاحات والعلاج الوقائي للمخالطين، حسب المرض المبلغ عنه إذا استلزم الأمر ذلك، كما تطبق الدائرة سياسة منع انتشار الأمراض المعدية بين طلاب المدارس عبر ذات النظام. حسابات مشبوهة ويحذر الدكتور حسام التتري استشاري طب الأطفال والأمراض المعدية في مدينة العين، من الحسابات المشبوهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي يقوم أصحابها ببث المعلومات الطبية غير الصحيحة والشائعات، والتشكيك في العلاجات الطبية المستخدمة، التي من شأنها نشر القلق والتخوف بين أفراد المجتمع، فلطالما نشرت هذه الحسابات ما يلمح إلى التأثير السلبي للقاح الإنفلونزا، وماهيته ومصدره ومدى فاعليته، وأن الهدف منه فقط تجاري لمصلحة الشركات الطبية، وغير ذلك من المعلومات المأخوذة من مصادر غير صحيحة والتي لا تعتمد على مرجعية علمية صحيحة لها.ويضيف: لا توجد دراسة علمية معتمدة تؤكد صحة أن لقاح الإنفلونزا يؤدي إلى مشكلات صحية؛ بسبب المواد الكيميائية المضافة إليه كمادة «الفورمالدهايد» والتي تستخدم في المواد المنظفة، لكن يتم وضعها بكمية بسيطة للغاية في اللقاح، كما أن الجسم في الأساس يقوم بتكوينها يومياً في الدم، والمؤكد هو أن تركيبة لقاح الإنفلونزا آمنة ولا تؤذي القلب أو الكبد أو المخ، ولا تتسبب في التوحد لدى الأطفال كما تحاول هذه الحسابات إشاعته بين الناس، ويتكون اللقاح من جزء من الفيروس الأصلي يكون ضعيفاً، والهدف منه إكساب البالغين والأطفال مناعة ضد الإنفلونزا، ويعد الأطفال من أكثر الأشخاص الناقلين لفيروسات الإنفلونزا، والتي عادة ما تتفشى بشكل خاص في رياض الأطفال والمدارس؛ نتيجة عدم وعيهم بكيفية الوقاية. ويشير إلى أن الأطفال الأقل من 5 سنوات هم الأشد حاجة للقاح؛ كونهم من المعرضين للإصابة بمضاعفات خطرة كصعوبة المشي، والالتهاب الشديد في الأذن، والتهاب الرئة وألم العضلات، ويمكن أن تصل المضاعفات للكلى وتسبب الفشل الكلوي، أو الدماغ وتؤدي إلى الوفاة، فاللقاح يخفض حدة الأعراض بشكل كبير عند الأطفال الذين يعانون أمراضاً مزمنة أو أمراضاً مناعية، أما الأطفال من عمر 8 سنوات فأقل ففي حال حصولهم على التطعيم للمرة الأولى، يجب أن يحصلوا على جرعتين بينهما ما لا يقل عن 4 أسابيع، والأعراض الجانبية للقاح لا تتجاوز الشعور بالتعب والأعياء، موضحاً أنه يمكن تطعيم الأطفال ضد الإنفلونزا بدءاً من عمر ستة أشهر. ويضيف: بحسب إحصاءات عالمية فإن لتطعيم الإنفلونزا الفضل في حماية 3 ملايين طفل سنوياً حول العالم من الوفاة، ومنع ملايين الإصابات بالالتهابات الخطرة التي قد تترتب عليها عاهات مستديمة. فترة الحضانة ويقول الدكتور جهاد صالح استشاري الأمراض المعدية بمستشفى الرحبة في أبوظبي، إن الإنفلونزا تعد من الأمراض المعدية سريعة الانتشار بسهولة في الأماكن المزدحمة بما فيها المدارس، وتنتقل عن طريق استنشاق الرذاذ المتطاير في الهواء عند قيام شخص حامل للعدوى بالسعال أو العطس أو التحدُّث؛ حيث يمكن أن تستنشق الرذاذ مباشرةً، أو تلتقط الجراثيم من لمس الأسطح الملوثة بالفيروس مثل الهاتف أو لوحة مفاتيح الكمبيوتر، ومن ثم لمس العين أو الفم والأنف، وهي تتشابه في خصائص انتشارها مع خصائص الكورونا بشكل كبير.ويشير إلى أن فترة حضانة فيروس الإنفلونزا تراوح في المتوسط من 2-4 أيام، ومن المحتمل أن يصبح الأشخاص المصابون بالفيروس ناقلين للعدوى قبل ظهور الأعراض بيوم واحد أو منذ أول يوم تظهر فيه الأعراض، وحتى 5 إلى 7 أيام بعد ظهورها، كما يمكن أن تستمر هذه الفترة لمدة زمنية أطول عند الأطفال والأشخاص الذين يعانون نقص المناعة، لافتاً إلى أن أخذ لقاح الإنفلونزا يسهم في تخفيف الأعراض، ولا يحمي تماماً من الإصابة بالفيروس، كما يتخيله الكثيرون، لكنه يخفف من حدتها ومضاعفاتها.واللقاح موسمي وليس سنوياً، يُعطى في كل موسم شتاء وليس من الضروري أن يكون بين التطعيم والآخر عام كامل، ويعد الوقت المناسب للتطعيم؛ هو نهاية أكتوبر أو نوفمبر، ويبدأ مفعول التطعيم بعد أسبوعين من تلقيه، ثم يبدأ المفعول في التراجع تدريجياً بعد مرور ثلاثة أشهر.ويلفت إلى أن لقاح الإنفلونزا يعد لقاحاً ثلاثي السلالة، يحمي من عدة أنواع للإنفلونزا بما فيها إنفلونزا الطيور والخنازير، مؤكداً أهمية الحصول على التطعيم قبل بداية فصل الشتاء بوقت كافٍ؛ لضمان فاعليته، مع ضرورة تنشيط اللقاح بجرعة ثانية بعد مرور نحو 7 شهور؛ نظراً لتغير طبيعة الفيروس الذي يتطور سريعاً، لافتاً إلى أن اللقاح لا يحمي تماماً؛ لكن يخفف الأعراض، ويحفز جهاز المناعة؛ للتصدي للفيروس، ونسبة المضاعفات والوفاة أقل، كما يتم تغييره من سنة لسنة؛ لأنه يتحور جينياً كل موسم. الإنفلونزا والأم الحامل ويوضح الدكتور فادي الهاشم استشاري طب النساء والتوليد في أبوظبي، أن قسم الطوارئ في المستشفى الذي يعمل فيه يستقبل يومياً خلال فصل الشتاء حالتين لحوامل يتم إدخالهن؛ بسبب الإصابة بالإنفلونزا الموسمية؛ حيث يعانين ارتفاعاً حاداً في الحرارة والجفاف والإعياء العام إلى جانب التهاب الجهاز التنفسي العلوي، مشيراً إلى أن إصابة الحامل بالإنفلونزا قد تؤدي إلى مضاعفات خطرة على الأم والجنين؛ حيث أصدرت المنظمات والهيئات الطبية العالمية توصيات بهذا الخصوص، ومنها: تصنيف بعض فئات المجتمع ممن هم أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات الإنفلونزا الموسمية، ومنهم كبار السن والأطفال والحوامل؛ لأن هذه الفئات لديها قابلية فسيولوجية لمضاعفات فيروس الإنفلونزا؛ كالالتهاب الرئوي والشعبي.ويؤكد أن لقاح الإنفلونزا آمن في جميع مراحل الحمل؛ حيث تعمل المناعة المكتسبة من اللقاح على وقاية الأم الحامل وجنينها من مضاعفات الفيروس ولمدة تمتد من 3 إلى 6 أشهر، بحسب الدراسات الحديثة، مبيناً أن أفضل فترة لتلقي لقاح الإنفلونزا هي قبل الحمل، أي خلال التخطيط له؛ حيث إن الحوامل يصبحن أكثر عرضة للإصابة بالعدوى بشكل عام خلال فترة الحمل؛ نتيجة تراجع قوة الجهاز المناعي لديهن، ما يسهل إصابتهن بالإنفلونزا على نحو أسرع خلال الحمل. ويضيف: إذا كانت المرأة تعاني أحد الأمراض المزمنة كالربو أو السكري أو ارتفاع ضغط الدم، فتنصح بضرورة تلقي التطعيم خلال الثلث الأول من حملها؛ إذ يمكن أن تتسبب إصابة الحامل بالإنفلونزا في تعرضها لمضاعفات خطرة؛ كالإصابة مثلاً بالالتهاب الرئوي الذي يستلزم تلقي العلاج داخل المستشفى، فضلاً عن أن الحمى المرتفعة تزيد من خطر الولادة المبكرة والإجهاض، وتزيد من خطر حدوث اضطرابات في الإمداد كنقص الأكسجين. 213 % زيادة الإصابات بحسب إحصاءات حديثة لدائرة الصحة في أبوظبي، تأتي الإنفلونزا الموسمية في مقدمة الأمراض المعدية التي تصيب السكان فيها، وفي 2018 بلغ مجموع حالات الإنفلونزا 14 ألفاً و222 حالة، وتم إعطاء اللقاح لنحو 350 ألف شخص خلال موسم الإنفلونزا من ذات العام، أما في عام 2019 فتم تسجيل 44 ألفاً و547 حالة، ما يعني زيادة في عدد حالات الإصابة بنسبة تزيد على 213% في عام واحد على العام الذي يسبقه. وفي الولايات المتحدة الأمريكية أصابت الإنفلونزا بين عامي 2017 و 2018 خلال موسم الشتاء، أكثر من 45 مليون شخص منهم 20 مليوناً زاروا الطبيب في المستشفى، و800 ألف حالة احتاجت إلى التنويم في المستشفى، وتم تسجيل 68 ألف حالة وفاة؛ وذلك طبقاً لمركز مكافحة الأمراض، مما يعني إهدار الكثير من الأموال على العلاج، والضغط على الكادر الطبي، فضلاً عن التغيب عن العمل إلى جانب الخسارة المادية التي تتحملها الشركات في ذلك، ومع أخذ التطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية تقل مثل هذه المخاطر.
مشاركة :