علماء ينجحون في وضع أول أطلس متكامل لخلايا القلب البشري

  • 9/25/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

اجتمع علماء من شتى أنحاء العالم في العاصمة البريطانية لندن في أكتوبر 2016، بهدف مناقشة كيفية إنشاء أطلس جديد، لكنه ليس جغرافياً، ولا سياسياً، ولا يعترف أصلاً بالحدود، لأنه أطلس للخلايا البشرية. وتطلب ذلك من العلماء إنشاء مجموعة من الخرائط التي تصف وتحدد الأساس الخلوي للصحة والمرض، فالخلية هي الوحدة الأساسية للحياة. والخلية كوحدة منفصلة مستقلة لا يُمكن مقارنتها على الإطلاق بالخلية داخل الجسم، فداخل أجسامنا، تتعامل الخلايا مع مجموعات واسعة من المتغيرات، كالبروتينات والإشارات، ومن دون خرائط لأنواع الخلايا المختلفة ومكان وجودها في الجسم، لا يمكن أبداً فهم وظائفها الفسيولوجية أو شبكاتها البيولوجية التي توجّه نشاطها. ويمنحنا أطلس الخلايا البشرية الكامل بطاقة هوية فريدة لكل نوع خلية، كما يرسم خريطة ثلاثية الأبعاد لكيفية عمل أنواع الخلايا معاً لتشكيل الأنسجة، ومعرفة طرق اتصال كافة أنظمة الجسم، وإلقاء نظرة ثاقبة على كيفية التغييرات التي تطرأ عليها وتُسبب الصحة والمرض. وسيسمح الأطلس الجديد، بتحديد الجينات المرتبطة بالأمراض النشطة في أجسامنا، وتحليل الآليات التنظيمية التي تحكم إنتاج أنواع الخلايا المختلفة. وقسم العلماء العمل بينهم طيلة السنوات الماضية، حيث عمل بعضهم على إنشاء أطلس لخلايا المخ، والبعض الآخر اهتم بالمعدة، فيما اهتم علماء من معهد هوارد هيوز الطبي، وجامعة هارفارد، بالعمل على “أطلس القلوب”. وعلى الرغم من أننا بالكاد نلاحظ نبضات قلوبنا، إلا أن النبض الثابت لقلب الإنسان، يعمل بشكل معقد مثل الأوركسترا، حيث يتعين على آلاف الخلايا أن تتقن أداءها الفردي، إضافة إلى عملها في المجموعة. ونشرت الدراسة في دورية “نايتشر” اليوم، نجح فريق من العلماء في الوصول إلى أول أطلس لخلايا القلب البشري، ويحتوي على مجموعة خرائط تُظهر قرابة نصف مليون خلية، وتحدد دور كل منها في سيمفونية القلب. استند العلماء في الأطلس الجديد، إلى الأبحاث التي أجروها على 6 مناطق من 14 قلباً بهدف إنشاء قاعدة بيانات مفصّلة توفر أساساً جديداً لدراسة أمراض القلب، والتي تُعد السبب الرئيس للوفاة في أنحاء العالم كافة. وبحسب منظمة الصحة العالمية، تتصدّر أمراض القلب الوعائية أسباب الوفيات عالمياً، بنسبة نحو 31 % من إجمالي الوفيات في العالم، أكثر من 75 % منهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. المنظمة تؤكد أيضاً أن معظم أمراض القلب والأوعية الدموية يمكن الوقاية منها من خلال التصدي لعوامل الخطر كالتدخين والغذاء غير الصحي، لكن أسباباً أخرى لأمراض القلب قد تُكشف في المستقبل بفضل ذلك الأطلس. لفهم الخلل الذي يحدث في أشكال مختلفة من أمراض القلب، نحتاج أولاً إلى معرفة الطبيعي والشاذ في خلايا القلب، وبحسب المؤلفة المشاركة في الدراسة كريستين سيدمان، فإن مهمة ذلك الأطلس هو وضع “أساس مرجعي لحالة القلب السليم”. سيدمان قالت في تصريحات خاصة لـ”الشرق”، إن الدراسة فحصت قلوباً “لا يشوبها عيب” حتى تتمكن من عملية “ضبط إيقاع القلب”، حتى يكون الأطلس “معبّراً عن قلوب سليمة.. وبالتالي، فإن مقارنة بيانات الأطلس ببيانات أيّ مريض ستكشف على الفور مواطن الخلل”. طبيب القلب بكلية الطب في جامعة “واشنطن -سانت لويس”، دوغلاس مان، والذي لم يشارك في تلك الدراسة، وصف تلك النتائج بـ”الضخمة”، مشيراً في تصريحات نقلها بيان صحفي تلقت “الشرق” نسخة منه، إلى أنه يرى تلك الدراسة “إنجازاً كبيراً حقاً، فالأطلس سيكون مصدراً مرجعياً هائلاً في مجال طب القلب”. وأثبتت خلايا القلب صعوبة دراستها بشكل خاص، فعلى عكس بعض الخلايا السرطانية والأنسجة الأخرى، فإنه لا توجد خلايا قلب يمكن زراعتها في المختبر لدراستها، وبدلاً من ذلك، يتم إجراء الكثير من الأبحاث الخاصة بالقلب باستخدام الفئران، التي تمتلك قلوبها اختلافات مهمة وجوهرية عن قلوب البشر. وقد يصعب العثور على قلوب بشرية سليمة، إذ يُستخدم معظمها في عمليات الزرع، بينما اعتمد فريق سايدمان على حالات غير عادية تم فيها رفض القلب السليم للزرع بسبب صعوبات تتعلق بالمتلقي، وجمّد الباحثون تلك القلوب لاستخدامها في بحثهم. فوائد الأطلس للبحث العلمي استخدم الباحثون طريقة تسلسل عالية الإنتاجية لتحديد الخصائص الفردية لكل خلية في كل قلب. ثم رسموا خرائط لهذه الخلايا في 6 مناطق من 14 قلباً بشرياً، 7 منها لرجال و7 لنساء، وفي ذلك الإطار تقول سايدمان، “للمرة الأولى، أصبح لدينا ما يُشبه الرمز البريدي لكل خلية لمعرفة المجموعة التي تنتمي إليها”. وقام فريق البحث أيضاً بتحليل مستويات الحمض النووي الريبي لخلايا القلب، باستخدام الواسمات الفلورية (وهي مجموعة من المواد الكيميائية التي تُحدث علامات مرئية في الحمض النووي) لجمع التفاصيل الجزيئية لوظائفها. ولم يحدّد الباحثون في هذه الطريقة، مكان وجود الخلايا فقط، بل أيضاً البروتينات التي تنتجها، وهو أمر له فوائد كبيرة في البحث العلمي، حيث يمكن من خلاله مقارنة الخلايا في القلوب المريضة بتلك الموجودة في القلوب السليمة، ليتمكن الباحثون من تحديد الاختلافات واستهداف علاجات جديدة لأمراض القلب. على الرغم من أن الباحثين درسوا مجموعة صغيرة نسبياً من القلوب، إذ لا يُمكن لـ14 قلباً محاكاة قلوب سكان العالم بأكملهم، إلا أن الأطلس كشف عن بعض المفاجآت البيولوجية، حيث وجد فريق البحث، تنوعاً خلوياً لم يكن معروفاً سابقاً في أجزاء مختلفة من القلب، كما كشف عن الفروق بين القلوب السليمة للذكور والإناث، إذ تمتلك الإناث نسبة أكبر من خلايا عضلة القلب مقارنة بالذكور، وهذا أمر يستدعي المزيد من البحث، لأن هذه الخلايا قد تحمل أدلة على الاختلافات في أمراض القلب بين الجنسين.

مشاركة :