كشف مسؤول سوداني رفيع عن مفاوضات غير مباشرة جرت بين الحكومة السودانية ومسؤول إسرائيلي في أبوظبي أثناء المفاوضات بين الوفدين السوداني والأميركي التي جرت الأسبوع الماضي، فيما تشهد الساحة السياسية السودانية استقطاباً حاداً بين مؤيدي التطبيع مع إسرائيل والرافضين له، داخل التحالف الحاكم في السودان تحت مظلة «قوى إعلان الحرية والتغيير».وبحث رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان ووفد وزاري مع فريق أميركي مسألة حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقضية السلام مع إسرائيل، الأسبوع الماضي في دولة الإمارات العربية المتحدة لثلاثة أيام. وقال المسؤول الذي فضل حجب اسمه، إن التفاوض مع المسؤولين الإسرائيليين، تم عبر الوفد الأميركي الذي نقل بدوره التفاصيل للجانبين الإسرائيلي والسوداني، وأضاف: «الوفد الوزاري الذي قاد المفاوضات، لم يصل لنتائج نهائية بشأن حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، وأن النقاش بشأن القضيتين مستمر ولن يتوقف».وأوضح المصدر أن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، كان مطلعاً على كل التفاصيل المتعلقة بالتفاوض مع الجانب الأميركي والحوار مع إسرائيل، وأنه أشرف بنفسه على ترتيب اجتماع سفر الوفد الحكومي بقيادة وزير العدل نصر الدين عبد الباري. وأصدر مجلس السيادة الانتقالي عقب عودة البرهان، بيانا أكد بحث مستقبل السلام العربي الإسرائيلي، ودور السودان في سبيل تحقيق هذا السلام، وتأكيد السودان على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وفقا لرؤية حل الدولتين. وقال المتحدث باسم الحكومة وزير الإعلام فيصل محمد صالح أثناء انعقاد المشاورات، إن الوفد الوزاري إلى أبوظبي لا يحمل تفويضاً لبحث العلاقة مع إسرائيل، وإن تفويضه يقتصر على التفاوض مع الجانب الأميركي في إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب.ومنذ بدء مفاوضات أبوظبي أصبحت قضية التطبيع مع إسرائيل هي الأجندة المتداولة في أروقة السياسة السودانية، بين المؤيدين للتطبيع والمعارضين له، وقال مقرر المجلس المركزي للتحالف الحاكم - الحرية والتغيير - كمال بولاد، إن المجلس سيطلب اجتماعاً ثلاثياً يضم مجلسي السيادة والوزراء، لبحث تفاصيل المفاوضات مع الإدارة الأميركية، وتفسير ما يتم تداوله على نطاق واسع بخصوص العلاقات مع إسرائيل. وتمسك بولاد بموقف تحالفه والموقف الذي أعلنه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بـ«أن الحكومة الانتقالية غير مفوضة للبت في قضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، وهو الموقف الذي تم إبلاغ وزير الخارجية الأميركي به خلال زيارته الخرطوم أغسطس (آب) الماضي.وحذر بولاد السلطة الانتقالية من مغبة المضي قدما في التطبيع دون توافق، ومن إحداث مشكلة تجتاح المشهد السياسي في البلاد، قد تؤدي لاصطفاف جديد للقوى السياسية داخل التحالف الحاكم، فيما ذكرت مصادر قيادية في التحالف الحاكم، تعامل الوفد الحكومي مع الوفد الأميركي بمنطق «براغماتي نفعي» لا يرتكز على رؤية واضحة للسياسة الخارجية للبلاد. وذكرت مصادر رفيعة، أن المكون العسكري في مجلس السيادة، يواصل التحركات وسط القوى السياسية لإقناعها بمساندته لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقالت: «لن يتوقف عن تحركاته للإقناع بالتطبيع»، وهو ما أشار إليه القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف بما سماه قنوات «تواصل سرية» بين المكون العسكري في السلطة الانتقالية وإسرائيل، مستمرة منذ لقاء البرهان ونتنياهو في عنتيبي فبراير (شباط) الماضي.وأوضح خلف أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تدفع السودان نحو التطبيع، إنفاذا لخطة محددة وبوتيرة متسارعة، وأضاف: «بالنظر لكل الاتفاقيات التي عقدتها إسرائيل مع الدول العربية، لا توجد مصلحة للسودان في تكرار تجارب التطبيع الفاشلة»، وتابع: «القوى السياسية داخل التحالف الحاكم توصلت لموقف توافقي، بأن الحكومة الانتقالية ليست مختصة بإقامة علاقات مع إسرائيل باعتبارها قضية مصيرية، تترك لحكومة منتخبة».وتوعد خلف الله بأن يعمل حزبه على إجهاض ما سماه «أي مشروع لتصفية القضية الفلسطينية»، وعلى محاصرة قوى التطبيع والاستسلام داخل السلطة والمكون العسكري وفي أوساط النخب التي تعمل على بناء علاقات مع إسرائيل. وحذر خلف الله من حدوث انقسام داخل الحكومة الانتقالية. حال اتخاذ خطوة باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقال: «أي خطوة تتخذ ستكرس للانقسام داخل السلطة، وتهدد الفترة الانتقالية والاستقرار في البلاد». ولم يقف حزب الأمة القومي بعيداً يشاهد، بل أعلن رفضه للتطبيع مع إسرائيل، وقال رئيس مكتبه السياسي محمد المهدي الحسن، إن نقاشا طويلا دار بشأن التطبيع داخل مؤسسات الحكومة، بما في ذلك مفاوضات أبوظبي، دون إعلان رأي للرأي العام.وأشار الحسن إلى قيادات ومجموعات داخل حزبه تدعو لإعادة النظر حول موقف الحزب من التطبيع، بيد أنه تابع: «إلى أن يحدث ذلك، يظل موقف الحزب، ما عبر عنه رئيسه الصادق المهدي برفض التطبيع مع إسرائيل». ولا يوافق الحزب الشيوعي السوداني على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو الموقف الذي أبدته المتحدثة الرسمية باسمه آمال الزين لـ«الشرق الأوسط»، بأن موقف حزبها المبدئي، يقوم على رفضه لقهر الشعوب وقمعها واحتلال أراضيها، وتابعت: «إننا نرفض ما يتم الآن من انسياق خلف سياسات بعض المحاور، من تطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، من خلف ظهر الشعب السوداني».وأضافت الزين: «نرفض صفقة القرن، والتي كانت مقدمتها إشاعة الفوضى في المنطقة وإشعال الحروب، وندعو حكومة الثورة لاتخاذ موقف واضح وصريح مما يقوم به الشق العسكري في مجلس السيادة، واتخاذ سياسة خارجية قائمة على استقلال القرار السياسي، والبعد عن المحاور، وإلاّ تكن ضالعة فيما يجري أو متواطئة معه على الأقل».
مشاركة :